السبسي على خطى السيسي… وتونس بعد مصر الجيش يحسم الإمارة… وطرابلس ليست الموصل
كتب المحرر السياسي:
الامتحان التونسي يحسم عبر الصناديق انهيار المشروع الإخواني، الذي نال ثلاثة ملايين صوت في تشكيل المجلس الوطني التأسيسي قبل ثلاثة أعوام، من أصل خمسة ملايين ناخب شاركوا يومها، وفقاً للوائح المخوّلين بحق الاقتراع البالغين ثمانية ملايين، بينما لم يتمكن هذا المشروع الإخواني من تجميع أكثر من مليون صوت من أصل ثلاثة فقط شاركوا في الانتخابات البرلمانية، فنسبة المشاركة التي بلغت 60 في المئة من المسجلين، هي عملياً نسبة 35 في المئة من الذين يملكون حق الاقتراع، ويعزو المعنيون تراجع نسبة التسجيل وتالياً نسبة المشاركة لخسارة النهضة نسبة كبيرة، من جمهور منحها ثقته قبل أعوام وتنحى عن المشاركة بسبب يأسه من الرهانات السياسية، وصار بمستطاع المليوني صوت التي توزعها حزب «نداء تونس» وسائر القوى المستقلة واليسارية، أن يحصد ثلثي البرلمان بعدما كانت ذات الكمية من الأصوات سبباً لمنحهم 40 في المئة فقط من المجلس التأسيسي.
فوز نداء تونس بقيادة الباجي قايد السبسي، لا يختلف كثيراً عن استعادة الجيش لإدارة الدولة المصرية بقيادة عبد الفتاح السيسي، فبنى الدولة القديمة، صارت محط أنظار الناس شرط تجديد خطابها، واستيعابها لمهامها الجديدة بإخراج الإخوان عن المسرح والعودة لحياة سياسية تقليدية، مهما كانت باردة، فهي ستلقى هذه المرة تفهماً وقبولاً، لأن التغيير بعد العواصف التي هددت بلاد الربيع العربي، صار مغامرة لن تقدم عليها الناس إلا بثقة عالية بمن تمنحه قيادة دفة بلادها.
مع هذا التطور التونسي، يستقيم الوضع العربي على أحادية متشابهة من مصر إلى سورية وتونس وليبيا واليمن، حيث الأولوية لاستعادة الدولة الوطنية.
لبنان لم يكن بعيداً عن هذا، فالالتفاف الشعبي والسياسي والرسمي حول الجيش اللبناني، جاء تعبيراً عن ذات الأسباب التي تجلت في كل بلد عربي بطريقة، وبقوة هذا الالتفاف تمكن الجيش من اتخاذ قرار الحسم العسكري وتطبيقه بحرفية عالية، حازت الإعجاب من الخبراء العسكريين الذين عقدوا المقارنات بين سقوط الموصل وثبات طرابلس، وأصل الفارق هي بنية الجيش وتماسكه، وأهليته لخوض معارك من العيار الذي تهاوت أمامه جيوش توقع لها الغرب أن تكون على نمط الجيوش المحترفة التي يعدها للمنطقة، ليثبت من هذه التجربة اللبنانية، وقبلها تجربة الجيش السوري، أن العقيدة القتالية وحدها تعصم الجيوش من الانشقاقات والاختراقات وتمكنها من تحمل ضغط المواجهات القاسية والظفر بنتائجها.
حسمت طرابلس وسقطت الإمارة، ولم تنفع محاولات توريط الجيش بعرسال أخرى بداعي الحرص على المدنيين، والبحث عن حلّ بالتراضي، وعلى رغم فرار قادة المجموعات التابعة لـ«النصرة» و«داعش»، لا يزال الجيش يلاحق ويداهم، ولم يعلن نهاية العملية العسكرية.
لبنان يجتاز الاختبار الأصعب، وجيشه بلا سلاح الهبتين السعوديتين، وبلا تغطية ميدانية شعبية وتنظيمية كان يُفترض أن يقوم بها تيار المستقبل، وتلكّأ عنها، ليتوزع نوابه عكس رئيسه، بتوزيع الانتقادات لموقف الجيش على رغم تكرار معزوفة تأييد الجيش في نهاية كلّ اعتراض.
خطر الإمارة لم يعد راهناً، وأمل «داعش» و«النصرة»، بالمنفذ البحري وجسر الربط بالقلمون السورية وجرود عرسال تبخر، وبات على مجموعات الاختباء في جرود عرسال أن تواجه مصيرها كلما اقترب الوقت نحو موسم الثلوج، والجيش وحزب الله سيكونان على رغم كلّ المزايدات في خندق واحد، إذا تعرّضت أيّ من المناطق الواقعة على تماس مع السلسلة الشرقية لهجوم يشبه ما جرى في جرود بريتال قبل أسبوعين.
خطر التكفير في المنطقة ومنها لبنان، كان محور كلمة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، وكان اللافت تركيزه على البعد الثقافي والديني في ضرب المشروع التكفيري وإزالة الغطاء عنه ونفي صلته بالإسلام، مؤكداً أنّ العلاج العسكري لا يحقق النتيجة المرجوة، وأنّ طائرات التحالف ليست من سيقضي على هذا المشروع، الذي تبدأ نهايته بإغلاق مدارس التكفير التي، قال للمرة الأولى إنّ الوهابية تشكل جذرها الفكري، وإنّ السعودية تتحمّل المسؤولية الرئيسية في مواجهتها.
مدعوماً بالتفاف رسمي وسياسي وشعبي، بسط الجيش سيطرته على المناطق التي كانت مسرحاً لمعارك ضارية بينه وبين الجماعات الإرهابية، خلال الأيام الثلاثة الماضية في طرابلس وأسفرت عن عشرات القتلى والجرحى فضلاً عن خسائر مادية جسيمة ونزوح عشرات العائلات من الأماكن الساخنة.
وبعد جلاء غبار المعركة وفرار المسلحين إلى أماكن مجهولة، طرحت تساؤلات عن حجم الأسلحة والذخائر التي كانت بحوزة المسلحين ومصدرها وتحت أي غطاء وصلتهم. كذلك الوجهة التي قصدها الإرهابيون وما إذ كانوا لا يزالون في طرابلس أو توجهوا إلى مناطق أخرى لتشكيل خلايا نائمة تستيقظ غب الطلب، كما حصل في عاصمة الشمال. لذا تصاعدت الدعوات إلى مواصلة المعركة مع الإرهاب حتى استئصاله من دون تهاون. وهذا ما أكده رئيس الحكومة تمام سلام الذي شدد خلال ترؤسه اجتماعاً أمنياً في السراي الحكومية أمس، على «ضرورة متابعة المواجهة التي يقوم بها الجيش والقوى الأمنية ضد الخارجين على القانون إلى أي جهة انتموا ومهما كانت الشعارات التي يتلطون خلفها»، رافضاً عودة طرابلس إلى حال التفلت الأمني.
كذلك، أكدت قيادة الجيش في بيان «استمرار تنفيذ تدابيرها الأمنية لتعقب بقايا المجموعات ومداهمة المناطق المشبوهة كافة»، ودعت فلول «الجماعات الفارة إلى تسليم أنفسهم للجيش الذي لن يتهاون في كشف مخابئهم أو يتراجع عن مطاردتهم حتى توقيفهم». ونبهت «العناصر المعروفين لديها إلى وجوب أخذ العبرة مما حصل، حيث لا بيئة حاضنة لهم ولا غطاء للجميع سوى الدولة والقانون»، نافية أيضاً حصول أي تسوية مع الإرهابيين.
وأكدت مصادر سياسية شمالية لـ« البناء» «أن الجيش حسم في طرابلس عسكرياً بسيطرته على المربع الأمني للمطلوبين أسامة منصور وشادي مولوي، وهو مستمر في خطته في ملاحقة المطلوبين الإرهابيين في المنية والتبانة ومحيطهما ولا يزال يستقدم تعزيزات إلى المنطقة». ولفتت إلى «أن الجيش حقق انتصاراً سياسياً دفع تيار المستقبل إلى التراجع عن عملية التحريض والبحث عن طريقة للملمة الخسائر، وعسكرياً منع الإرهابيين لأسابيع قد تمتد لأشهر، من تنظيم أنفسهم وتنفيذ عمل أمني جديد». فيما أكدت مصادر مطلعة في 14 آذار لـ«البناء» «أن لقاء عقد في واشنطن الأسبوع الفائت بين الرئيس سعد الحريري وقائد الجيش العماد جان قهوجي بحث في تسليح الجيش للتصدي للإرهاب».
وكان الجيش بدأ صباحاً بتنفيذ سلسلة مداهمات في المربع الأمني لمنصور والمولوي وعدد من أماكن وجود المسلحين في أحياء التبانة ووصل إلى محيط مسجد عبد الله بن مسعود، بعدما فجر قنابل غير منفجرة في المحلة وعثر على مخازن أسلحة ومعمل لصنع المتفجرات، كما سير دوريات في شوارع المدينة ونفذ مداهمات بحثاً عن مطلوبين بمشاركة طائرة استطلاع.
ودخل الجيش أيضاً بلدة بحنين في الضنية وطارد المسلحين الذين فروا عبر البساتين.
وأعلنت قيادة الجيش أنه بنتيجة العمليات العسكرية التي نفذها الجيش اعتباراً من يوم الجمعة الماضي ولغاية مساء أمس، بلغ عدد الموقوفين الإرهابيين 162 موقوفاً، يجري التحقيق معهم بإشراف القضاء المختص.
وفي إطار متابعة المستجدات الأمنية، عقد في منزل النائب سمير الجسر اجتماع ضم نواب طرابلس، وصدر عن المجتمعين بيان رأوا فيه أن ما جرى «كان بداية استكمال تنفيذ الخطة الأمنية التي أصبحت تغطي أحياء المدينة كافة ومن دون استثناء».
ودانوا «كل تعرض مادي أو معنوي للجيش وللقوى الأمنية وبخاصة في هذا الظرف الذي يواجه فيه الجيش المتطرفين»، ورأوا أن «أي علاج لأي خطأ من خلال الممارسة يكون في رفع الأمر إلى القيادات السياسية وعبرها للقيادات الأمنية بعيداً عن أي مزايدات أو مهاترات إعلامية أو تجن».
مخطط الإمارة شمالاً
وفي هذا السياق قالت جهات عليمة لـ «البناء» إن ما كشف عن بعض عناوينه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في كلمته خلال اليوم الأول من ذكرى عاشوراء عن وجود مخطط خطير ضد طرابلس اعترف به الإرهابي الموقوف احمد سليم ميقاتي. وأوضحت أن ما جرى تداوله أمس من معلومات اعترف بها ميقاتي حول التحضير لاحتلال بعض قرى الضنية يؤكد أن هذا المخطط كان جرى التحضير له وكان يبقى تحديد الساعة الصفر لتنفيذه.
وكان الميقاتي اعترف بأنه كان يسعى إلى احتلال قرى بخعون، عاصون، سير الضنية، بقاعصفرين، كونها غير ممسوكة أمنياً بما فيه الكفاية، تمهيداً لإعلانها منطقة آمنة ورفع رايات «داعش» فوقها، ومبايعة أبو بكر البغدادي، ما سيجعلها ملاذاً آمناً للإرهابيين.
وكانت ستترافق هذه الخطوة مع أعمال أمنية في مدينة طرابلس ومحيطها ما سيسهل تنفيذها. وعليه ستكون المرحلة الأولى من المخطط الأكبر القاضي بربط القلمون السورية بالساحل اللبناني. ويعلم كل من شادي المولوي وأسامة منصور بذلك المخطط الذي كان من المفترض البدء بتنفيذه بعد حوالى الشهر من تاريخه.
كما كشفت التحقيقات أن الميقاتي تربطه علاقة بكل من الشيخ كمال البستاني، الشيخ خالد حبلص، الشيخ طارق خياط، والموقوفين في سجن رومية فايز عثمان وغسان الصليبي.
واعترف الميقاتي بخبرته الواسعة في مجال تصنيع المتفجرات، وأنه كان سيعمد إلى تصنيع عبوات ناسفة لاستخدامها في مخططاته، وقد قام بتجربة إحدى عبواته منذ حوالى السنة في منطقة زغرتا.
من جهة أخرى دهم الجيش منزلي فلسطينيين في صيدا القديمة كانا يعدان لاعتداءات على الجيش، وعثر داخل المنزلين على أسلحة وذخائر.
تهديد بقتل 3 عسكريين مخطوفين
على صعيد العسكريين المخطوفين لم يطرأ جديد على هذا الملف، سوى تراجع «جبهة النصرة» عن قتلها الجندي علي البزال، فيما خرج وفد أهالي المخطوفين من اجتماعهم مع رئيس الهيئة العليا للإغاثة اللواء محمد خير في السراي بأجواء سلبية. وقال هؤلاء إنهم لم يسمعوا جديداً باستثناء وعد بتسلم الموفد القطري لائحة خطية بمطالب الخاطفين وأسماء الموقوفين الذين يريدون إطلاق سراحهم ليسلمها إلى الحكومة.
وقال والد أحد العسكريين المخطوفين إن أحد الخاطفين اتصل بزوجة الجندي المخطوف خالد مقبل حسن، وقال لها إن الخاطفين اتصلوا بوزير الصحة العامة وائل أبو فاعور وطلبوا القيام بأمر غير صعب التحقيق لم يفصحوا عنه، وأبلغوها أنه في حال عدم تنفيذ طلبهم سيقدمون اليوم على قتل خالد وزميله سيف ذبيان، وسيعلنون عن اسم جندي ثالث قرروا قتله أيضاً إذا لم ينفذ طلبهم.
ومساء نفذ ذوو ذبيان، اعتصاماً عند مستديرة بيت الدين بعقلين، مطالبين بإنهاء ملف العسكريين الأسرى، وقطعوا الطريق بالإطارات المشتعلة.
السعودية تتحمّل مسؤولية وقف أفعال التكفيريين
سياسياً، رأى الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله «أن معالجة قضية التكفيريين الذين يقدّمون مئات الانتحاريين في معركة واحدة، لا تكون فقط أمنياً وعسكرياً». وأكد خلال إحياء الليلة الثالثة من مراسم عاشوراء «أن السعودية تتحمّل مسؤولية وقف أفعال التكفيريين وإسلامهم الزائف وأن طائرات التحالف الدولي لا يمكنها وقفه»، داعياً إلى «ضرورة التعاون بين الدول والحكومات في العالم لإغلاق الحدود بوجههم».
وأشار إلى «أن ما يجري اليوم هو أكبر تشويهٍ للإسلام في التاريخ»، لافتاً في هذا الإطار إلى «أن الذبح يبث مباشرة والمجازر تبث مباشر والنتيجة هي إبعاد غير المسلمين عن الإسلام».
وتابع السيد نصر الله: «يجري تقديم المسلمين كجماعة متوحشة ومتعطشة للدماء»، معتبراً «أن هذا التيار الفكري الجديد نشأ جراء خطأ فكري ـ عقائدي قدّمت له تسهيلات ومدارس خلال 100 عام في كل أنحاء العالم وأنفقت من أجل نشره مئات مليارات الدولارات».
وأضاف: «هذه هي الأسباب الحقيقية لنشوء الإرهاب لا الظروف السياسية»، مشدداً على «أن قادة وأتباع التيارات التكفيرية لا تعنيهم فلسطين وهم لم يخوضوا أي معركة مع هذا الكيان سابقاً».
أحداث طرابلس تسرع التمديد
ولم تحجب التطورات الأمنية الاهتمام بموضوع التمديد للمجلس النيابي. بل على العكس، ذكرت مصادر نيابية أن ما حصل في طرابلس يقوي مواقف الكتل النيابية المؤيدة للتمديد ما سيؤدي إلى جلسة سريعة وهادئة لإقرار التمديد عندما يدعو رئيس المجلس النيابي نبيه بري لهذه الجلسة. ورجحت المصادر انعقاد الجلسة بعد منتصف الأسبوع المقبل بعد ذكرى عاشوراء. إلا أن المصادر تحدثت عن اجتماع يرجح أن يعقد قبل الجلسة بين بري ورئيس كتلة «المستقبل» النائب فؤاد السنيورة لبت بعض النقاط المتصلة بالصيغة القانونية التي ستعتمد في قانون التمديد بالإضافة إلى مرحلة ما بعد التمديد خصوصاً ما يتعلق بالعمل التشريعي في المجلس.
…وواشنطن على الخط الرئاسي
وأشارت مصادر «14 آذار» لـ«البناء» إلى «أن واشنطن التي تتفهم التمديد للمجلس النيابي لتعذر إجراء الانتخابات النيابية»، أكدت أمام زوارها اللبنانيين «ضرورة إجراء الانتخابات الرئاسية بعد التمديد». ولفتت المصادر إلى «أن الاتصالات المتعلقة بالانتخابات الرئاسية ستكون في الأسابيع المقبلة على نار حامية، فالغرب يعتبر أن ملء الفراغ في الرئاسة الأولى مطلب أساسي لثبات لبنان أمام العاصفة التي تضرب المنطقة، لأن الوضع الأمني لن ينتهي بشهر أو شهرين، ومناعة الكيان اللبناني ستكون معرضة لمزيد من الأخطار في غياب رئيس الجمهورية».
ملف النازحين في ألمانيا
في غضون ذلك، وصل الرئيس سلام والوفد الوزاري المرافق إلى برلين للمشاركة في المؤتمر المخصص لتنظيم أوضاع النازحين السوريين الذي يبدأ أعماله اليوم.
وأعلن سلام بعد لقائه المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، أنه ناقش معها «ملف اللاجئين السوريين بكل تفاصيله»، لافتاً إلى أن «ألمانيا تتبوأ اليوم مركزاً كبيراً في الاتحاد الأوروبي، وتسعى بكل الفرص المتاحة لدعم الشعوب ودعم الإنسانية والاستقرار».
بدورها أكدت ميركل بعد اللقاء، أن «ملف اللاجئين السوريين هو أخطر قضية يواجهها لبنان اليوم»، مؤكدة اننا «نتضامن مع لبنان وألمانيا مشتركة في دعم مخيمات اللاجئين عبر المساعدات الثنائية والمساعدات عبر الإتحاد الأوروبي والمفوضية العليا للاجئين».