المؤامرة على فلسطين بدأت مع الهاشميّين… فهل ستنتهي بهم ومعهم في الأردن؟

اياد موصللي

قال الأديب الرفيق سعيد تقي الدين: «عشنا نقول لليهود لن نقبلكم فاتحين في أرض ورثناها واليوم نضرع إليهم ان اقبلونا لاجئين في ارض فقدناها…»

فهل ما نشهده اليوم في الأردن مقدّمة لإنهاء موضوع هذه الأرض وتثبيت تطويبها لليهود وتحويل المملكة الهاشمية الى مقرّ ومستقرّ للنازحين الفلسطينيين وإزالة هذه المملكة التي نشأت نتيجة سايكس بيكو.. وتحالف الشريف حسين، شريف مكة والحجاز وأولاده مع الانكليز والحلفاء ضدّ العثمانيين والتي كان من أبرز نتائجها تقسيم بلادنا وتوزيعها بين الأتراك واليهود…

نشأت المملكة الهاشمية عبر اتفاق بين الانكليز وشريف مكة حيث تمّ توزيع سورية بين أبنائه الأمير فيصل أصبح ملكاً على العراق بعد إزالة ملكيته عن الشام وسيطرة فرنسا عليها، والأمير عبدالله أصبح أميراً على الاردن ثم ملكاً.. مع وعد بضمّ القسم العربي من فلسطين إلى ملكه اذا لم يحارب جيشه الصهاينة عام 1948… حيث جاء وعده بذلك عندما قال في لقائه مع غولدا مائير وقادة من «إسرائيل» انّ الجيش الأردني سيشارك في التحرك العسكري ولكنه لن يحارب! وهذا ما حصل فعلاً…

ما يجري في الأردن اليوم هو خطوة تمهيدية لتحقيق المتبقي من هذا المشروع.. إنهاء المملكة الهاشمية عبر غضبة شعبية معيشية في ظاهرها.. وجعل الأردن المستقر النهائي لدولة فلسطينية إلى جانب غزة…

المسألة الفلسطينية وإسكان اليهود في فلسطين بدأها الهاشميون… وتنتهي بانتهائهم حسب التخطيط والتفكير الأميركي الإسرائيلي..

ففي الرابع من تموز 1918 التقى الأمير فيصل مع وايزمن بحضور الضابط البريطاني كولونيل جويس ونتيجة ما تمّ في هذا اللقاء أعلن فيصل أنه «بالإمكان تنفيذ البرنامج الذي حدّده وايزمن بإقامة اليهود في فلسطين وتوطينهم…»

وكذلك فعل والده الشريف حسين الذي استجاب لفكرة إقامة اليهود في فلسطين مع اعتراضه على تكوين دولة يهودية فيها. وكتب الشريف الى ابنه فيصل في العقبة وإلى أتباعه يخبرهم بأنه تلقى تأكيداً بريطانياً بأنّ «وجود اليهود في فلسطين لن يتعارض مع استقلال العرب».

وتابع الأبناء والأحفاد السير على نفس النهج… فالملك عبدالله ملك الأردن اجتمع مع وزير خارجية «إسرائيل» شرتوك في نيسان 1948 بعد قرار الزحف الرسمي العربي وتوافق معه على قبول الطرفين لمشروع التقسيم والعمل على تنفيذه. وانّ غولدا مائير التي تولت وزارة الخارجية فيما بعد زارت الملك عبدالله ليلة 11/12/1948 وتحدّثت معه في ما اعتزمت عليه الدول العربية من الزحف على فلسطين، وذكّرته بما بينه وبين شرتوك، من اتفاق وعرضت عليه استعداد «إسرائيل» للاعتراف بضمّ القسم العربي الى تاجه مقابل عدم اشتراك جيشه الذي كان أقوى الجيوش التي زحفت وأكثرها عدداً في الزحف، وانّ الملك اعتذر عن عدم الزحف لأنّ في ذلك خروجاً على الإجماع العربي، ولكنه تعهّد بان لا يحارب الجيشان العراقي والأردني اليهود! وان يقفا عند الحدود التي رسمها التقسيم.

ولم يكن هذا موقفاً شخصياً ناشئاً عن مطامع شخصية للملك عبدالله تغلّبت على المصلحة القومية العليا وإنما هو موقف وسياسة لقادة وسياسيي ذلك الظرف في الأردن حتى أنّ رئيس الوزراء توفيق ابو الهدى لدى اجتماعه مع مستر انوريه بيفن وزير خارجية بريطانيا أجرى محادثات أحيطت بالسرية والكتمان في شهر كانون الثاني 1948 والذي تسرّب عن ذلك الاجتماع يعطينا صورة وطن كان أشبه بسلعة تطرح في مجال المساومات بيعاً وشراءً ولا يرفّ جفن لدى السماسرة والباعة الذين يحملون صفة ملوك ورؤساء، والذين باعوا فلسطين بشكل واضح ومفضوح، وحتى الآن لم تلعن ذكراهم ولم يدنّس مثواهم ولم تمح آثارهم ولم ينعتوا حتى وصفاً بالخيانة…

إنني لأتساءل هل خيانة القادة لشعوبهم في أمتنا هي أحد شروط القيادة؟

قال أبو الهدى رئيس وزراء الأردن مردّداً صوت سيّده الملك عبدالله! «هناك احتمالان أحدهما ان يحتلّ اليهود جميع فلسطين وثانيهما ان يعلن المفتي نفسه حاكماً عاماً على فلسطين وانّ هذا وذاك ليس من مصلحة الأردن وبريطانيا ولا سيما انّ المفتي يعتبر من الأعداء لبريطانيا وعدواً للأردن والمنازع الوحيد للملك عبدالله»! رأوا المفتي عدواً ولم يروا اليهودي الصهيوني عدواً!؟ وتابع أبو الهدى «انّ الملك يتلقى عرائض كثيرة من زعماء فلسطين يطلبون فيها إرسال الجيش الأردني لحماية عرب فلسطين بعد خروج القوات البريطانية، وانّ الملك يعتزم ذلك، فقال بيغن انّ هذا حسن على شرط ان لا يذهبوا أكثر من ذلك ويحتلوا المنطقة اليهودية، وتعهّد ابو الهدى لوزير خارجية بريطانيا ان لا يتخذ الأردن ايّ خطوة إلا بعد مشاورة الحكومة البريطانية… وفقاً لنصوص المعاهدة معهم . يا سلام كم كان مؤمناً وأوفوا العهد انّ العهد كان مسؤولا .

وأكثر عبدالله بعد ذلك من مواقف الخداع وأبرزها تصريحه بعد الهدنة الذي قال فيه: وافقت اللجنة السياسية على الهدنة لأنها عالمة بأنها ستفوز انشاء الله بحق العرب الكامل في فلسطين ان سلماً او حرباً… انّ اللجنة كانت حكيمة في قبول مبدأ عدم إطلاق النار طول المدة التي اقترحتها بريطانيا وهذا يثبت انّ العرب هم الذين أصبحوا قادرين على تنفيذ ما اعتزموه… من حق اللجنة السياسية ان تُهنّأ على قرارها هذا، واعتقد انّ العرب قد كسبوا المركز اللازم لهم في منظمة الأمم المتحدة وفي الرأي العام العالمي وأننا لمصمّمون على التمسك بالحق الكامل للعرب ». يا سلام…

وما زال الأعراب يمارسون نفس أدوار العمالة فبعد حرب لم يخوضوها أصبحوا سماسرة المفاوضات والتسويات وصكوك التمليك وتطويب فلسطين بشكل قانوني ونهائي لليهود، لقد صنع الاستعمار من هؤلاء المشايخ والأمراء حكام دول وهمية، وهذا هو دورهم يمارسونه بإيمان وحماس، صدق القول الكريم: «والأعراب أشدُّ كفراً ونفاقاً».

انّ الاضطرابات التي تجري اليوم في الأردن لدواعي ومطالب معيشية هي التمهيد لتنفيذ صفقة القرن وإنهاء موضوع النازحين والعودة وجعل الأردن هو المقرّ والمستقرّ النهائي لإقامتهم وإعلان الدولة الفلسطينية فيه..

ثم يبدأ تنفيذ المرحلة الثانية وفق المنظور الإسرائيلي «إنّ غرضنا الذي نسعى إليه يحتم أن تنتهي الحرب بلا تغيير حدود ولا توسع إقليمي، وينبغي تطبيق هذا ما أمكن فإذا جرى الأمر على هذا قدر المستطاع تحوّلت الحرب الى صعيد اقتصادي، وهنا لا مفرّ من أن تدرك الأمم من خلال ما نقدّم من مساعدات، ما لنا من قوة التغليب، تغليب فريق على آخر، ومن التفوّق وفوز اليد العليا الخفية».

وأذكر بكلمة للينين وجهها الى مؤتمر السلم العالمي الذي انعقد في لاهاي في شهر كانون الاول 1922 قال فيها: «اننا لا نعطي للجماهير اية فكرة واضحة عن الأسباب التي تؤدّي الى انفجار الحرب، والأسباب التي تقود اليها، ومن واجبنا ان نوضح للمواطنين الوضع الحقيقي، وان نكشف لهم النقاب عن أسباب تحضير النزاعات».

المؤامرة بدأت في الأردن ولسوف تنتهي فيها…

ليبدأ الموقف القومي الصحيح في مجابهة الموقف الجديد وكما قال سعاده: «اننا نواجه الآن أعظم الحالات خطراً على وطننا ومجموعنا فنحن أمام الطامعين المعتدين في موقف يترتب عليه إحدى نتيجتين أساسيتين هما الحياة والموت واية نتيجة حصلت كنا نحن المسؤولين عن تبعتها».

وسيبقى السيف الاسرائيلي يلعب في رقابنا ما دامت هذه الرقاب محنية على النطع وسيبقى سيفهم أشدّ فتكاً من ألسنتنا التي تلعق يد الظلم والبطش. «والسيف أصدق إنباء من الكتب».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى