لن يكون الشمال «إمارة داعشية»!
د. سلوى الخليل الأمين
منذ معركة نهر البارد التي بدأت في 20 آيار من العام 2007 والمؤامرة على الجيش والشمال مستمرة، لأنّ انتصار الجيش اللبناني في تلك المعركة، ضدّ عصابات «فتح الإسلام» التابعة لـ«القاعدة»، التي تمّ إدخالها إلى المخيم بشكل مريب هدفه المبطن الوصول إلى منفذ على البحر المتوسط، يكون ممراً لما قد هيُّئ في كواليس الصهيونية العالمية والإدارة الأميركية من خطط للقضاء على سورية المساندة للمقاومة وعلى حزب الله، تلك المعركة كلفت الجيش اللبناني العديد من الشهداء والمعوقين والجرحى، لكنه استطاع الانتصار ووأد الفتنة، ودحض المؤامرة التي ساندها العديد من السياسيين في لبنان عبر العمل على تمويل جماعة «جند الشام» في مخيم عين الحلوة، وضخ عناصرها إلى معركة نهر البارد من أجل مساندة شاكرالعبسي وزمرته ضدّ الجيش اللبناني.
هذا المشهد لا يزال يتكرر في الشمال، منذ بدء الحرب الكونية على سورية، بحيث استنفرت طاقات بعض نواب عكار والشمال من أجل الوقوف ضدّ سورية، وتأييد ما يُسمّى «الثورة الربيعية»، وذلك عبر تصدير المال والسلاح وتأمين المقاتلين، من دون علم من الدولة التي وقّعت، في عهد حكومات الرئيس رفيق الحريري، المعاهدات الأمنية المشتركة، التي تضمن التعاون في السلم والحرب مع سورية، بحيث لا يكون لبنان الخاصرة الضعيفة لسورية ولا مقراً أو ممراً ضدّها، واللبنانيون بمعظمهم ما زالوا يتذكّرون عملية الكشف عن باخرة السلاح «لطف الله 2» التي تمّ استيراد حمولتها من السلاح، بهدف دعم العصابات التكفيرية في سورية، بواسطة جماعة من اللبنانيين معروفة من الجميع، يُضاف إلى ذلك تعميم مصطلح «أهل السنة» الذي ابتدعه «النائب» خالد الضاهر من أجل بث الفتنة المذهبية والعمل بشراسة مطلقة على شرذمة وحدة أبناء الشمال، ومساعدة العصابات الإرهابية التكفيرية على التمدّد في عاصمة الشمال طرابلس وفي عكار، بحيث أصبح رجال الدين زعماء الساحة تحت شعار «التيار السلفي» و«مساندة أهل السنة» وغير ذلك من الشعارات التي لم يعرفها الشمال في تاريخه القديم ولا الحديث، ولم تعرفها عاصمة الشمال طرابلس عبر تاريخها العريق.
إنّ ما يجري اليوم من عملية منظمة لاغتيال مدينة طرابلس، واخذ أهلها رهينة ودروع بشرية، وزجّ الجيش في معركة داخلية، ما هو سوى مؤامرة كبرى مساوية لما يحدث في المنطقة من امتداد داعشي في كلّ من سورية والعراق، من أجل تكريس «الإمارة الإسلامية المزيفة»، وفتح معبر لها على البحر المتوسط عبر جعل طرابلس عاصمة «الخلافة الإسلامية المنتظرة».
هذا المخطط الجهنمي لم تغب فصوله ومضامينه عن قيادة الجيش اللبناني المتحرك بفعالية على الساحة اللبنانية من أجل تطويق المؤامرة الجهنمية الشريرة، التي بدأت أولاً في نهر البارد، ومن ثمّ صادرت الشمال وعاصمته، وبعدها معركة عرسال وخطف الجنود اللبنانيين، وإيقاع الحكومة في دائرة الفعل وردّ الفعل، وصولاً إلى فتح المعركة الفصل في طرابلس التي يخوضها الجيش اللبناني ببسالة لا تعرف الانهزام ولا التراجع، حتى لو أحاطته التهديدات المضللة من كلّ جانب، وأصعبها التهديد بذبح العسكريين المخطوفين في عرسال واحداً بعد الآخر، أو من خلال أخذ المدنيين دروعاً بشرية في أحياء طرابلس، أو من خلال الصراخ بالويل والثبور وعظائم الأمور عبر الخطاب المؤامراتي لـ«النائب» خالد الضاهر الموعود بالتمديد والمنادي: بثارات أهل السنة. إنّ طرابلس تخوض حالياً معركة المصير، والجيش اللبناني الذي ظنوه ضعيفاً ومتخاذلاً ومتردّداً يخوض اليوم معركة فرض الأمن، وعودة مدينة طرابلس الوطنية سالمة غانمة إلى حياض أهلها الشرفاء بدعم مطلق من كلّ اللبنانيين الأحرار، وقد أكد قائد الجيش العماد جان قهوجي بحزم: «إن الجيش لن يتراجع عما بدأه مهما كان حجم التضحيات».
لهذا فالمطلوب من كلّ القيادات الوطنية الالتفاف حول الجيش فعلاً لا قولاً، لأنّ معركة طرابلس معركة مصير، فإما انتصار الجيش وبقاء لبنان، وإلا فخطر التقسيم والتفتيت والشرذمة ماثل لا محالة، وهذا أمر لن تسمح به قيادة الجيش المؤتمنة على الوطن بكلّ أطيافه مهما غلت التضحيات، فـ»داعش» و«النصرة» على أبواب الجميع، وخطر هذه التنظيمات بات مقروءاً من الجميع، وهي لا تفرّق بين سني معتدل أو شيعي أو درزي أو مسيحي أو علماني، فالكلّ في شريعتهم تحت المقصلة، لذلك ما يطلبه اللبنانيون بأطيافهم كافة من السلطة السياسية التي باتت بحكم المنتهية قانونياً، عدم التدخل في مهام الجيش الوطنية واللوجستية، وعدم إعطاء الأوامر لقيادة الجيش بعدم استعمال القوة، وهذا ما أصدره المجتمعون من رجال السياسة في مدينة طرابلس، علماً أنهم هم من ورّط المدينة بأحلافهم الشيطانية، التي أدّت إلى ما نشهده اليوم وإلى ما يجري من اغتيالات لعناصر الجيش ولأهل المدينة.
إنّ الخلايا الإرهابية النائمة والصاحية تفرض على الجيش القيام بمهمته الوطنية عبر اجتثاث الإرهاب من جذوره، حتى لو أدّى الأمر إلى إعلان حالة الطوارئ من دون الرجوع إلى السلطة السياسية، فالشعب هو السلطة، والشعب خلف الجيش ومعه، وأيّ تدخل في معركته المصيرية هذه، سيعتبر تدخلاً سافراً من أجل القضاء على لبنان.
لهذا نأمل من أهل الاعتدال في تيار المستقبل، العمل فوراً على استنفار القواعد الشعبية المعتدلة في التيار من أجل الموافقة أولاً على مقاضاة المتطرفين في فريقهم، لأنّ الرئيس سعد الحريري يعرف ويدرك أنّ اللبنانيين بكلّ أطيافهم قد جعلوا الجيش خطاً أحمر، لا يجوز الحؤول دون تنفيذ مهامه العاملة على توفير الأمن للوطن والآمان للشعب.
إنّ طرابلس لن تكون «إمارة داعشية»، ولن يقبل الرئيس الحريري بذلك، لهذا ما عليه سوى التكاتف والتضامن مع الفريق الآخر الداعم للجيش، حرصاً على مستقبله السياسي، وبعيداً عن الاستهدافات المتوترة التي لا تنفع في هذه الظروف حين الوطن على المحك. فالموقف خطير جدا، واللبنانيون يعيشون حالة الرعب القصوى من تمدّد العصابات الداعشية ومناصريها اللبنانيين، لهذا فالمطلوب قرار حاسم بدعم الجيش أولاً وأخيراً في معركته الشمالية والبقاعية، وعدم التهاون مع المعتقلين الإرهابيّين، إضافة إلى العمل على ملاحقة البيئة الحاضنة ورموزها الأشاوس الذين باتت تحركاتهم كلها مكشوفة ومعلومة وموثقة لدى قيادة الجيش، فمن يموّل وينفّذ ويبثّ الفتن لم يعد مخفياً، ويجب رفع الحصانة عن كلّ من تسوّل له نفسه من النواب طعن الجيش في ظهره، أو الحؤول دون إكمال مهمته في إعادة طرابلس والشمال إلى حضن الدولة، لأنّ الشمال لن يكون «إمارة داعشية» مهما استكبروا ومهما علا صراخهم ومهما استعملوا الدين لمآرب شخصية.