نهاية عصر الردع «الإسرائيلي»
كتب بن كسبيت في صحيفة «معاريف» العبرية:
انتهى عصر الردع «الإسرائيلي» الذي استمر لثماني سنوات أمام حزب الله على الحدود اللبنانية ـ السورية، ومن غير المستبعد أن يبادر حزب الله إلى فتح الجبهة مع «إسرائيل»، وفق التسريبات من داخل المجلس الوزاري «الإسرائيلي» المصغّر للشؤون الامنية والسياسية، «الكابنيت» حول الوضع الأمني في الشمال.
ولكن، ما سرّ خوف «إسرائيل» الذي وصل حدّ الموت، من هذه المواجهة المحتملة؟ من الجائز الاعتقاد أن سبب ذلك العامل النفسي، فـ«إسرائيل» استغلت الاتفاقيات التي وقّعتها مع بعض الدول العربية، لاجتياح لبنان، وقتل عشرات الآلاف، وانتهى الغزو «الإسرائيلي» بمذبحة صبرا وشاتيلا. وهذا هو الكابوس الذي يطاردنا كلّ ليلة عندما نخلد إلى النوم، أو أنّ الأمر كلّه لا يتعدّى خدعة سياسية قذرة يمارسها حزب «الليكود» برئاسة بنيامين نتنياهو، كي يضمن إعادة انتخابه، من خلال تخويف «الإسرائيليين» من غول الحرب مع حزب الله.
التقدير السائد أنّ تحركات حزب الله الأخيرة على الحدود، لا تتعدّى كونها تذكيراً لـ«إسرائيل» بأن الحزب جاهزة لأيّ احتمال، فيما لو فكرت باستغلال انشغال الحزب في سورية، لشنّ حرب تصفي من خلالها حسابات قديمة معه.
في حديث مع وزير «إسرائيلي» عضو في «الكابنيت»، وفي ظلّ الحديث عن انتخابات مبكرة، قال الوزير إن الاحتمال الأكثر واقعية نشوب حرب شاملة في الشمال، تسبق الانتخابات.
وفي «الكابنيت» وزراء يعتقدون أن حزب الله وإيران يقتربان من مفترق طرق، وقد يتخذا قراراً مصيرياً، من شأنه جرّ «إسرائيل» إلى مواجهة أخرى أوسع من المواجهات السابقة.
يضاف إلى ذلك، اعلانات كثيرة سابقة حول تغير سياسة حزب الله التقليدية في كل ما يتعلق بتصرفاته على طول خطوط المواجهة مع «إسرائيل»، والمقصود الحدود مع لبنان، وكذلك في الجولان السوري المحتل، إذ تبنّى الحزب مؤخراً المسؤولية عن العملية التي وقعت في الجولان للمرّة الأولى منذ سنوات طويلة. وكشف الحزب انه يعمل ضدّ «إسرائيل» على المكشوف، وأعلن مسؤوليته عن أعماله، وترك انطباعاً بأنه اكتسب أمناً ذاتياً كبيراً، وأنّه لا يخشى اندلاع مواجهة غير متوقعة مع الجيش «الإسرائيلي».
هذا معناه، انتهاء عصر الردع «الإسرائيلي» في الشمال، الذي تحقق بعد حرب لبنان الثانية، وصمد لأكثر من ثماني سنوات. ولكن كل المؤشرات تُظهر ان حزب الله تخلص من كل الكوابح والقيود، وبدأ يبحث عن مواجهة بدل الهرب منها. وعلى رغم ان التقديرات «الإسرائيلية» تشير إلى ان حزب الله غير مستعد للتورط في مواجهة مع «إسرائيل»، على الأقل في الظروف الحالية، غير ان الأصوات التي تُسمع حالياً من المستوى السياسي «الإسرائيلي»، تتحدث عن احتمال حقيقي لاندلاع حرب أخرى في مواجهة حزب الله، خلال الاشهر القليلة المقبلة. خصوصاً أنّ حزب الله قرّر وضع قواعد ردع جديدة: أي نشاط «إسرائيلي» يجتاز الحدود الحمراء التي وضعها الحزب سيواجه بالردّ المناسب.
لكن ماذا عمّا يقال في «إسرائيل» لجهة ان حرب لبنان الثانية سحقت قدرات حزب الله؟ يقول الوزير: العكس هو الصحيح. لقد اكتسب الحزب أمناً ذاتياً وخبرة عملية، ومقاتلوه يعرفون اليوم كيف يقاتلون مثل جيش نظامي بكل معنى الكلمة، وأكثر من هذا، من خلال جمع المعلومات الاستخباراتية، واستخدام الطائرات، وهناك أمر آخر أن عملية «الجرف الصامد» لم تثر على ما يبدو حفيظة حزب الله، وحتى تهديدات المسؤولين «الإسرائيليين»، مثل رئيس الأركان بيني غانتس، ووزير الحرب موشي يعالون، والتي جاء فيها أن «إسرائيل» ستعيد لبنان 70 و80 سنة إلى الوراء في حال المواجهة مع الجيش «الإسرائيلي»، كل هذه التهديدات لم يكترث بها حزب الله.
فهل نحن في الطريق إلى مواجهة شاملة في الشمال؟ ربما لا داعي حالياً لأن نهرول إلى الملاجئ. لكن مواجهة كهذه ستخلّف القتل والدمار بشكل لم يسبق أن عرفناه، وستتكبد «إسرائيل» هذه المرة أعداداً كبيرة من القتلى، ودماراً كثيراً، في ضوء حقيقة القدرات الصاروخية لحزب الله، فضلاً عن انه لن يكون بإمكان القبة الحديدية الرد بطريقة فعّالة وكبح جماح الصواريخ المتوقع سقوطها على «تل أبيب».
الحرب آخر ما يحتاجه الشرق الأوسط حالياً، خصوصاً بين «إسرائيل» وحزب الله التي ستستقطب سورية، فيما سيكون بإمكان إيران المشاركة فيها، علناً أو سراً. ولا يجوز أن ننسى أن هناك احتمالات أخرى ستحاول «إسرائيل» وفقها خلق أجواء الحرب وتسخين الأجواء بهدف تشكيل ضغط على الدول العظمى كي تصلّب مواقفها في مواجهة إيران، أو لمجرد تخويف «الاسرائيليين» الذين بدأوا التوجه نحو جدول أعمال اجتماعي اقتصادي، من شأنه أن يصعب على نتنياهو إعادة انتخابه من جديد.
الحقيقة المؤكدة أنه لا يمكن حالياً تمييز الاوضاع بدقة، كونها مركبة من فسيفساء ملونة، كل الاحتمالات فيها قائمة، وبما في ذلك احتمال أن يكون الشتاء المقبل، حارًّأ جداً في الشمال.
ترجمة: غسان محمد