الفنان التشكيلي هيثم عساف لـ«البناء»: العمل الفني البصري ضرورة لا رغبة… والوحيد الذي لا يرسم هو الأعمى
حاورته عبير حمدان
يرى الفنان التشكيليّ هيثم عساف أن الإبداع يرتبط بالاتقان، إذ إنّ عالم الريشة واللون علم بحدّ ذاته وبالتالي تحتاج الموهبة إلى دراسة وصقل وقراءة فعلية للخطوط، لا مجرّد ضربة ريشة وحسب.
لا ينكر عساف نرجسيته بل يراها صفة ملتصقة بطبيعته كفنان يمكنه الابتكار ويرفض النظرية التي تعتبر أن الأسود لون للحزن، مؤكداً أن يخلق الجمال على القماش وما يطرحه يحتاج إلى الكثير من الوعي والمعرفة والثقافة مشيراً أن متذوقي الفن هم من النخبة.
ويعتبر عساف أن اقتناء العمل الفني والبصري ضرورة على أن يكون هذا العمل ذا جودة، لافتاً إلى أن العين هي الشرط الاساس في عالم الفن يرافقها العلم. ويتحدث عن المعايير الأساسية لتقييم العمل الفني.
نبدأ من مفهوم العمل البصري بالنسبة إلى عساف، فيقول: أنا صاحب وجهة نظر تقول «العمل البصري هل هو ضرورة أو رغبة؟» وفي الحالتين يجب أن تقتنيه، بالنسبة إليّ هو ضرورة خاصة إذا كان متقناً كونه مريح للعين وللدواخل ويفرض إيقاع على التصرفات والسلوكيات. بكل بساطة حائط مع لوحة او بالاحرى عمل بصري أجمل بكثير من حائط فارغ شرط أن يكون هذا العمل محافظ على الحد الأدنى من الجودة. الموضوع علمي بحت، الجميع يمتلك الموهبة ولا أحد في الكون ليس رساماً، الوحيد الذي لا يرسم هو الأعمى، من لديه عين هو رسام ولكنه لا يدري هذا هو الفرق الموضوع يحتاج إلى ممارسة وإلى قواعد. فهذا المجال علم قائم بذاته. هناك فنانين كبار إشتهروا على مر التاريخ ولكنهم بدأوا في مراحل متقدمة من العمر أي في الثلاثين وما فوق وهم من أهم الفنانين على مستوى التاريخ، إذا الأمر لا يرتبط بالموهبة وحسب.
لكن هل العين ترى بالمستوى نفسه؟ يجيب: العين ترى انعكاس الضوء على الشكل هذا في المفهوم العلمي، ولكن كيف يتم التعامل مع العمل الفني في مراحل متقدمة وحين تقتنين العمل الواقعي يصبح موضوع التصرف بحثاً آخر، ويصبح السؤال هو إلى أي مدى الموضوع مهم في العمل البصري وهذا ما لا أؤمن به، لأن العمل البصري جماليته في التقنية لا في الموضوع، فضلاً على أن هذا العمل كي يكون جيداً يجب أن يكون ذا معايير علمية معينة. الجمال ليس نسبياً بل له معادلات رياضية خاصة، والفرق في الكيمياء، فقد يكون هناك عمل جميل جداً لا تتفاعلين معه لأنه لا يعنيكِ لأن الأمر متصل بالبيئة التي تنتمين إليها ورؤيتك للأمور وطبيعة الخلفية التي لديكِ، وفي المقابل قد يكون هناك عمل بسيط وليس له أي بُعد تقني لكنك تتفاعلين معه وتحبينه.
من هنا يمكن القول إن الفنان الذي يمتلك التقنية شخص نرجسي، يؤكد عساف صحة الطرح: طبعاً، يجب أن يكون نرجسي، وهذه النرجسية تخدمه في كل المعايير، أنا نرجسي لا بل أعتبر نفسي نصف إله لأني أخلق شيء من العدم أو من لا شيء، ما يعطيني الحق بهذا الإحساس، ودور المتلقي التعاطي مع المنتج الذي أقدمه له وتفاعله معه، وإذا ما تفاعل معه فحكماً سيتفاعل معي، ولكن إذا لم يتفاعل معه فليس له الحق أن يقول إنه ليس إبداعاً. والدليل أن حتى علاقة البشر مع الخالق علاقة ملتبسة وفيها نوع من الطبقية لأنه لا يوجد فيها مساواة… وفي النهاية الفن للنُخب.
ونسأل عساف ما هو مفهوم النُخب، ومن يحق له إطلاق هذه التسمية وعلى من، فيجيب: لنعمل على تبسيط القصة، اللوحة هي منتج وسلعة، وإذا كان من الكماليات فله حيثية معينة وجمهور معين وخاص، وبالتالي لماذا أعممه، من سيأتي ليرى لوحة ويقرأها إن لم يكن من النخبة.
لكن قد يسعى البعض إلى اقتناء لوحة كنوع من الترف وحسب، يرد عساف: من يقتني لوحة لإنّها تحوي جماليات تدغدغه ويتفاعل معها لذلك يجب أن يكون من النخبة، يحق للمتلقي ألا يعنيه هذا الموضوع لا من قريب ولا من بعيد مع امتلاكك قدرة شرائية عالية، لذا لن تبحثي في الإطار التقني أو الجمالي، ولكن من يريد أن يتابع حركة فنية ويزور معرضاً ويتعاطى مع فنانين ويتابعهم، هو شخص مهم، وبالتالي هو من النخبة. ولكننا في المشرق نتعاطى مع هذه الصفة بشكل سلبي، علماً أن الحياة طبقية في الأساس، ربما في لبنان الشعب متكلف ومدّعٍ ويعيش على المجاملات، ولكن في العموم الحياة فيها طبقية، فهناك شخص متعلم وآخر غير متعلم، ما يفرض آليات مختلفة، والتعاطي مع المتعلم يختلف عن كيفية التعاطي مع الجاهل أو الأمّي مع عدم إلغائنا من لا يمتلك العلم والثقافة بالطبع. من يقرأ الشعر شخص مهتم وإلا لن يقتني كتاب الشعر، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الموسيقى، وبالتالي للوحة، كلّ فن أو إبداع له جمهوره الخاص والمهتم.
أما في ما يتصل بالنقد، والنّقاد، يقول عساف: ليس من المفروض أن يكون هناك نُقّاد، أنا رسام ومن يسمّي نفسه ناقداً ليس له أي علاقة بخطوطي ومزيج الواني، برأيي لا وجود للنقد ومن جهتي لا أعترف به، لا يوجد نقد علمي، إذا كان الموضوع عبارة عن تجارب للتعميم فليكن ولكن حين تقدمين منتج يجب أن يكون محافظاً على حدّ أدنى من الجودة ضمن الاعتبارات العلمية لأيّ اختصاص، بمعنى إنك كشاعرة أو كاتبة لا يمكنك أن تقدّمي مادتك الشعرية والأدبية إن لم يكن لديك دراية كافية باللغة العربية، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الرسم من المستحيل أن تقدمي عملاً إن لم تمتلكي قوية في التقنية وأيضاً في الموسيقى عليك أن تعرفي السلم الموسيقى والقواعد الأساسية، من هنا الوحيد الذي يمكنه التفاعل مع المنتج الفني وتقييمه هو المتلقي، وماذا يهم في قول ناقد ما أن هذا العمل لم ينل إعجابه وما علاقته في الأساس ليطلق حكمه كيفما يحلو له… حين تكونين صاحبة قدرة وتقدمين عملك بالتالي يصبح الكلام للعمل فقط، من أعطى أي شخص صفة «ناقد» خاصة في لبنان، ولنتكلم عن لبنان تحديداً أنا لم أقرأ أي نصّ نقدي منطقي يناقش منتجاً فنياً، الناقد يكرس مفاهيم مغلوطة ذلك لأن الإعلام لديه سلطة السحر وبالتالي يكون هناك تعويم أحد لا علاقة له بالفن ويصنع منه حالة وهذا يحصل كثيراً عندنا في لبنان. وفي المقابل يغفل أناس قديرة لديها إمكانيات عالية ربما لأن هذا الرسام القدير لم يهده لوحة ولم يجامله. إذا لما نضحك على انفسنا في ظل غياب النقد العلمي بحسب توصيفك، وسأعطيك مثالاً على ذلك، إذ إن المعرض الأول الذي أقمته في بيروت حضره الكثيرون ومنهم فنان المفروض أنه لا فرق بيني وبينه، لكنه لم يناقش اللوحة بل تعاطى بشكل مادي ومتكلف، وعدد من أساتذتي في الجامعة تعاطوا بشكل تنظيري، مع العلم أن المرحلة الجامعية انتهت ولم نعد طلاباً. الخلاصة أنه لا يحق لأيّ أحد أن يقول عن عمل فنّي أنه غير جميل وليس جيداً، يمكنه أن يقول أنه لم يرق لي ولكن من الممنوع أن يدخل في التفاصيل التقنية.
وعن السواد الموجود في اللوحة وتغييب الألوان التي تبعث على الفرح، يقول عساف: ليس بالضرورة أن يكون السواد دليل غضب أو سودواية، كل الموضوع أن هناك تفاعلاً تقنياً على اللوحة ولا يمكنك أن تقولي أنه يعاني من الشوائب، قد لا يعنيك كمتلقية بكل بساطة ولكنه لا يخسر قيمته وجماليته، ومن حقك ألا تتفاعلي معه.
ويشير عساف إلى المعرض الذي أقامه منذ فترة في سورية حيث لمس الكثير من التفاعل والحضور لجمهور يسأل ويناقش بعكس لبنان حيث يكون التعاطي على قاعدة العلاقات الاجتماعية المحدودة وحسب.