الجنوب السوري… هل يدوم هذا الصمت طويلاً؟
مهران نزار غطروف
رسم لقاء القمة الأخير، الذي عقد في سوتشي تاريخ 17 أيار/ مايو الماضي، بين كلّ من الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والسوري بشار الأسد، خارطة طريق استكمال الانتصارات، التي حققها الجيش السوري وحلفاؤه ضدّ الإرهاب، وصولاً للتحرير الكامل المرتقب، حيث تمّ التأكيد على ضرورة سحب كلّ القوات الأجنبية من الأراضي السورية، تزامناً مع تفعيل العملية السياسية.
ترافق ذلك مع ردود فعل عدة، من قبل محور العدوان، خاصة مع ظهور النية لدى القيادة السورية، بفتح جبهة الجنوب السوري، إحدى أهمّ الجبهات الرئيسية، لما لها من أهمية استراتيجية، مكتسبة جراء العلاقة المباشرة للكيان «الإسرائيلي» بها.
ما دفع الأميركي و«الإسرائيلي»، لمحاولة صناعة حالة تفاوضية، تفضي لعدم الذهاب لفتح هذه الجبهة، من خلال المقايضة بين عودة الوضع إلى ما كان عليه قبل عام 2011، مع الوجود الإيراني «المزعوم» في الجنوب السوري، لكنها باءت بالفشل، أمام الرفض السوري الرسمي، وعلى أعلى المستويات، لضرورة الخروج الأميركي بداية من التنف، قبل الشروع في أيّ مراوغة أميركية جديدة، بشأن هذه الجبهة، وصولاً للخروج الكامل، من كلّ الجغرافية السورية التي تحتلها.
جاء ذلك واضحاً، في مجمل الظهورات الأخيرة للرئيس الأسد، مع وسائل إعلامية مختلفة، على فترات زمنية متقاربة، كان آخرها اللقاء الذي أجرته قناة «العالم» الإيرانية معه، بث بتاريخ 13 حزيران/ يونيو الحالي، حيث أكد في معرض إجابته على أحد الأسئلة حول هذا الشأن، أنه «بالنسبة للأميركي هناك مبدأ عام في أيّ مشكلة في العالم هناك ثمن وحيد يطلبه هو الهيمنة المطلقة، بغضّ النظر عن القضية والمكان، طبعا هذاً الثمن لن يقدّم من قبلنا وإلا لماذا نخوض كلّ هذه الحرب منذ سنوات، نخوضها مقابل استقلالية القرار السوري والوطن السوري ووحدة الأراضي السورية».
يبدو أنّ الحالة العامة الآن السائدة في الجنوب السوري، هي بين تضاؤل فرص العمل السياسي، وتزايد فرص التوجه للحسم العسكري، بغضّ النظر عن النتائج التي قد يرتبها ذلك، ومن الواضح أيضاً، أنّ أوراق القوة السورية بدأت تظهر للعلن، منذ الانتصار المدوّي في الغوطة الشرقية، والذي غيّر مجريات وأولويات الصراع.
فهل قرّر الأسد فتح حقيبة نصره الاستراتيجي، عبر هذا التحدي الصريح للأميركي، صاحب الوجود الأهمّ استراتيجياً، فوق أرض بلاده؟
بالتحليل، ليس هناك من أحد يعتقد أنّ الأميركي قادر أو حتى يرغب ببلوغ حالة من الصدامية، مع أيها قوات على الأرض السورية، سواء الحكومية منها أو الشعبية أو الرديفة، وما كلّ محاولاته الأخيرة بدءاً بالاعتداءات المتكرّرة، على عدة قرى في الشرق السوري مؤخراً، أو حتى الوهم الذي يعمل على تسويقه، بأنّ تواجده يحاصر الإيراني، ويقوّض وجوده «المزعوم»، وصولاً لسعيه إعادة بث الروح في تنظيم «داعش» المتهالك، إلا محاولات يائسة، فالمعطيات الميدانية تغيّرت بشكل كامل في كلّ من سورية والعراق، فهل بات الأميركي يدرك ذلك؟ وهل بات يعلم أنّ شماعة وجوده في سورية تحوّلت أو ستتحوّل في القريب العاجل إلى عبء ربما ليس بمقدوره تحمّل فواتيره…!
جميع الدلائل تشير إلى أنه إنْ كان هناك أيّ أمل، على ضفة المفاوضات بما يخصّ الجنوب السوري، فإنه حتماً هناك ما يعدّ على المستوى العسكري، لاحتمالات فشلها من قبل الطرف السوري، الذي يبدو أنّ رؤيته من حيث الحسم الميداني مع الوكيل والأصيل، لا زالت هي الأكثر تحققاً منذ بدء هذه الحرب، ولسان حاله يقول إما نحن من يفرض الشروط، وإما الحرب عليكم وعلى مجاميعكم الإرهابية، حتى وإنْ بقي هذا الصراع أبدياً إلى ما لا نهاية، فهذا الصمت لن يدوم طويلاً…
في الختام: إنّ محصلة سبعة أعوام ونيّف من الصمود السوري، في وجه حرب، على غرار الحروب العالمية المرصودة عبر التاريخ، يفتح الباب على مصارعيه أمام سؤال كبير هو: هل كان هذا الصمود عبثياً؟
حقيقة حجم هكذا صمود، لا يمكن أن يكون عبثياً، أو ضربة حظ، أو بسبب دعم وتحالفات صائبة فقط، كما يروّج الكثير من المتابعين، وإنما يمكن القول إنه ينمّ عن قراءات استراتيجية، اختصّت بها القيادة السيادية السورية، أصابت مراكز القرار العالمية، بحالة من الهلع، حول ماهية وجودها في هذا الشرق، الذي تحوّل من منفعل ومفعول به، إلى فاعل وجودي، يمسك بفالق زلزالي، شكل المساس به، خلال سنوات الحرب السورية الماضية، نوعاً من الاستعصاء الاستراتيجي، من أهمّ بوادر نتائجه، أنه لا سيّد في هذا الشرق بعد اليوم، إلا أصحابه الأصليّين، عمّد ذلك بدماء المقاومين، في كلّ من سورية واليمن ولبنان والعراق وفلسطين.