البطالة تولّد الابتكار لدى شباب البصرة!
من تحويل سيارة إلى مقهى نقال أو صنع مجسمات من مخلفات معدنية أو الاستفادة من ممر ضيق كمتجر لبيع الكتب، يسعى شباب في محافظة البصرة الغنية بالنفط في جنوب العراق إلى ابتكار وظائف لتأمين موارد عيشهم وتجنب البطالة.
قبل ثلاث سنوت، نال كرار علاء 26 عاماً شهادة جامعية في التجارة ولم ينجح في الحصول على وظيفة حكومية في مدينة البصرة المطلة على الخليج. وبعد أن أتعبه الانتظار، قرر أخيراً جمع كل ما ادّخره واقترض من بعض أقاربه، ووصل المبلغ إلى 20 ألف دولار أشترى به سيارة ليحولها إلى مقهى نقال.
يقول الشاب لوكالة فرانس برس متحدثاً أمام سيارته التي ثبت فوقها كوباً بلاستيكياً كبيراً: «اكتشفت هذه الفكرة، وهي المرة الأولى في البصرة، من خلال صفحات التواصل الاجتماعي عبر فيلم مصور في إحدى الدول الأوروبية يصور سيارة تستعمل كمقهى متنقل لبيع المثلجات والشاي والقهوة».
وأشار كرار إلى أنه يحقق «أرباحاً تصل إلى 150 ألف دينار حوالى 120 دولار يومياً».
بطالة مضاعفة بين الشباب
تبدو الأرباح التي يحققها كرار أقلّ مما يؤمن مشرق جبار 26 عاماً الحاصل على شهادة جامعية في الجيولوجيا والذي حول ممراً ضيقاً في مركز تجاري حديث في البصرة، إلى مكتبة.
وقال هذا الشاب الذي كان يأمل بالحصول على وظيفة حكومية، خصوصاً في شركات النفط المنتشرة في محافظته البصرة، وهو يرتب الكتب المدرسية والروايات الرومانسية وكتب الشعر أنّ «كلفة إيجار محل هنا ستة آلاف دولار في الشهر بينما أنا ادفع 2500 دولار لهذا الممر».
وتشكل الموارد النفطية للعراق 89 في المئة من ميزانيته، وتمثل 99 في المئة من صادرات البلاد، لكنها تؤمن واحداً في المئة من الوظائف من العمالة الوطنية لأنّ الشركات الأجنبية العاملة في البلاد تعتمد غالباً على العمالة الأجنبية.
وتبلغ نسبة البطالة بين العراقيين رسمياً 10,8 في المئة. وتشكل شريحة العمر دون 24 عاماً، نسبة 60 في المئة من سكان العراق، ما يجعل معدلات البطالة أعلى مرتين بين الشباب.
ومع انتشار الجامعات الخاصة التي يصل عددها في بغداد فقط إلى ثلاثين، أصبحت معدلات الخريجين مرتفعة.
ويضطر عدد كبير من الشباب الحاصلين على شهادات جامعية، للاعتماد في معيشتهم على والديهم بانتظار فرصة الحصول على عمل.
القليل من هؤلاء نجح في الحصول على فرصة للعمل في القطاع الخاص الذي كان محدوداً في البلاد قبل غزو العراق عام 2003.
راتب شهري
يقول أحمد عبد الحسن أستاذ علم الاقتصاد في جامعة البصرة، لفرانس برس إنّ «الثقافة الشائعة هي أن لا خيار سوى الوظيفة الحكومية».
وأضاف: «معظم الشباب يعتبر عمله الخاص أو في القطاع الخاص عملاً وقتياً لحين الحصول على وظيفه حكومية».
ويقول جبار: «أفضل الوظيفة الحكومية لأنها تؤمن راتباً شهرياً وتقاعدياً»، مضيفاً: «الأعمال الحرة تتأثر بظروف البلد ومعرضة للخسارة أو الربح».
بدوره، يرى علاء أنّ «الوظيفة الحكومية فيها الضمان الاجتماعي والتقاعد للعائلة»، في بلد يمر بظروف استثنائية بعد أن كان يطبق فيه نظام صحي وتعليمي على مستوى عال حتى في ظروف الحصار الذي عاشتها البلاد في تسعينيات القرن الماضي.
بسبب كلّ ما تؤمنه الوظائف الحكومية، كان عمر عبد الله الذي أكمل دراسة الفنون الجميلة يعتبر أنّ اختصاصه يسمح له بالعمل كمدرس في وزارة التربية.
لكن بعد أن أصبح في 28 من العمر، من دون حصوله على أي فرصة من هذا النوع قرّر التوجه للبحث عن وسيلة لكسب رزقه لا تتطلب بدايتها أي مبلغ من المال.
وقال هذا الشاب متحدثاً لفرانس برس من منزل عائلته الذي حوّل إحدى زواياه إلى مشغل: «اعتمدت على نفسي من خلال هواياتي وتولدت عندي فكرة بأن أجمع المهملات أو ما يسمى بالخرده وأعمل منه نماذج فنية أو مجسّمات».
وتمكن عبد الله بعد أشهر من بيع نصف دزينة من مجسماته، دراجات نارية من البراغي وحشرات يعسوب من سكاكين وعقارب من سلاسل دراجات هوائية، الأمر الذي يؤمن له 200 إلى 250 دولار.
وتحدث بفخر واضح قائلاً: «الناس يحبون مجسماتي، ويسألونني: كيف تتمكن من أن تصنع شيئاً جميلاً من القمامة»؟
«أ.ف.ب»