الجيش السوري يتقدّم بسرعة جنوباً… وطائرة استطلاع لم يُسقطها الباتريوت «الإسرائيلي» الحريري يسلّم بالحقائب السيادية… ويستعدّ لمسودة جديدة للحكومة تُعيد معايير التمثيل؟
كتب المحرّر السياسي
ثلاثة أحداث بارزة توزّعت المشهد الإقليمي، حيث نجح صاروخان يمنيان بتجاوز الدفاع الجوي السعودي الأميركي الذي توفّره شبكة صواريخ الباتريوت، ووصل الصاروخان إلى غرفة المعلوماتية التابعة لوزارة الدفاع السعودية، بينما كان النظام السعودي يُباهي بمنح المرأة حقها المسلوب لعقود طويلة بقيادة السيارة، ويُجمع وزراء إعلام حلفائه لتقييم ما وصفه بالفشل الإعلامي في حرب الحُدَيْدة، كما تحدّث «الإسرائيليون» عن فشل إعلامي في حرب تموز عام 2006 أمام المقاومة، وكلّ منهما يُحيل الفشل في حرب خسرها في الميدان على إعلام، جلّ ما فعله أنه نقل الأكاذيب ففقد المصداقية، وتحدّث عن انتصارات وهمية لم يستطع إثباتها بصورة فسقط سقوطاً مدوّياً.
الحدث الثاني كان تركيا، رغم مطابقته للتوقعات، وهو فوز الرئيس التركي رجب أردوغان وحزبه في الانتخابات الرئاسية والنيابية المبكرة، في ظلّ الدستور الجديد، حيث حملت النتائج قبل إعلانها بصورة رسمية، تحقيق أردوغان نسبة 52.5 من الأصوات مقابل 30.3 لخصمه الأول من 97 من الأصوات التي تمّ فرزها مع نسبة مشاركة قاربت الـ 87 . ومع تخطّي أردوغان الذهاب لدورة ثانية نال حزبه حسب النتائج ذاتها أغلبية مريحة في البرلمان الجديد بحصوله مع حليفه حزب الحركة القومية 60 من مقاعد البرلمان، بينما حصلت المعارضة على 40 من المقاعد بعدما تمكّن حزب الشعب الجمهوري الممثل لأغلبية أكراد تركيا من تجاوز عتبة التمثيل التي تبلغ 10 من أصوات المقترعين في كلّ تركيا وتعتبر الأعلى في العالم.
الحدث الإقليمي الأبرز بقي في سورية، حيث نجح الجيش السوري في شقّ طريقه بقوة في المناطق التي تقع بين الطريقين الدوليين لدمشق السويداء ودمشق درعا، منجزاً تقدّماً سريعاً اعترفت به الفصائل المسلحة، التي بدأت بالتحدث عن هزيمة عسكرية مقبلة، ناسبة السبب للتخلي الأميركي الذي أوردت قيادات الفصائل، التي نشرت نص رسالة تلقتها من القيادات العسكرية الأميركية تدعوها لاتخاذ القرار الخاص بها وفقاً لحساباتها ومصالحها، من دون أن تضع في حسابها فرضية تدخل أميركي ليس وارداً، متفهّمة الظرف الحرج للفصائل، مؤكدة مواصلة السعي مع القيادة الروسية لوقف تقدّم الجيش السوري، بينما تحدّث بعض مصادر المعارضة عن مشاركة روسية جوية، أجمعت الفصائل على تأكيد مشاركة وحدات من حزب الله والإيرانيين، بصورة تنفي فرضية التفاهم الأميركي الروسي التي سوّق لها بعض الفصائل المسلحة، أما حكاية الصمت «الإسرائيلي» التي اشتغل عليها الإعلام المحسوب على حكومات الخليج، فقد أسقطتها الطائرة السورية التي لم تسقط، والتي حلّقت فوق الأراضي الفلسطينية المحتلة وعادت رغم استهدافها بصواريخ باتريوت.
لبنانياً، رغم تحدّث بعض المصادر المتابعة لتشكيل الحكومة الجديدة عن العودة إلى المربع الأول في التشكيلة الحكومية، حملت مقدّمة نشرة أخبار تلفزيون «المستقبل»، ما نسبته لمصادر متابعة معادلتين جديدتين لم تتضمّنهما تشكيلة الرئيس المكلف سعد الحريري التي حملها إلى قصر بعبدا، وهما مصير الحقائب السيادية التي كان قد طلب إحداها للقوات اللبنانية، وتوزيع المقاعد وفق التمثيل النيابي أو الأحجام، وليس وفقاً لمعادلة التمثيل الطائفي والسياسي الوازن كما أسماها، في تشكيلته السابقة، أو المسودة الأولية لتوزيع مقاعد الحكومة، فقالت المقدّمة التي بات معلوماً أنّ الحريري يهتمّ برسائلها السياسية في هذه الفترة الحكومية الحرجة، «أنّ الرئيس الحريري قدّم لرئيس الجمهورية خريطة طريق لتشكيل الحكومة على قاعدة حفظ حقوق الجميع وتمثيلهم بما يتناسب مع أحجامهم»، وأضافت أنه «لا أعراف لتشكيل الحكومة خارج العرف الوحيد المتعارف عليه المتعلق بتوزيع الحقائب الأربع الأساسية أيّ الداخلية والخارجية والدفاع والمالية»، وختمت «إنّ الجميع يعوّل على حكمة رئيس الجمهورية لتسهيل عملية التشكيل».
وتمنّت مصادر معنية بالتشكيل أن يكون هذا الكلام الموحى به من الحريري حسماً للجدل حول الحقائب السيادية من جهة، وحجم التمثيل من جهة أخرى، وألا يكون الحديث عن حكمة رئيس الجمهورية تغليفاً للتمسك بالمطالب القواتية تحت شعار استبدال الحقيبة السيادية بمنصب نائب رئيس الحكومة، والخمسة مقاعد بينها وزير دولة، بأربعة مقاعد بأربع حقائب بينها نائب رئيس الحكومة ووزارة العدل وربما التربية، بينما بقيت العقد الأخرى غائبة عن البحث كحال تمثيل سنة الثامن من آذار والوزير طلال أرسلان والحزب السوري القومي الاجتماعي.
دعا رئيس المجلس الأعلى في الحزب السوري القومي الاجتماعي النائب أسعد حردان إلى الإسراع في تشكيل الحكومة، مشدّداً على أن لبنان بأمسّ الحاجة إلى حكومة وحدة وطنية تتمثّل فيها مختلف القوى، بما يحقق إجماعاً حولها ويمكنها من تحمّل مسؤولياتها كاملة إزاء الملفات الكبيرة، لا سيما ملف النازحين الذي تحتاج معالجته إلى عناية خاصة وجهوداً كبيرة، وذلك في ظل الضغوط التي تمارسها جهات دولية على لبنان بهذا الصدد.
وخلال استقباله وفوداً وفاعليات من قرى وبلدات حاصبيا والعرقوب زارته في دارته في راشيا الفخار، أشار حردان إلى أن هناك جهات دولية معروفة لها مصلحة في إبقاء ملف النازحين عالقاً لاستخدامه ورقة ضغط على الدولة السورية، في حين بات هذا الملف ضاغطاً على لبنان، وعلى النازحين أنفسهم، الذين ينوؤن تحت وطأة المعاناة ويواجهون أوضاعاً معيشية صعبة، والسواد الأعظم منهم يقتات من وعود فارغة تقدمها الدول والمنظمات الدولية!
وجدّد حردان الدعوة إلى الشروع جدياً، وبمسؤولية وطنية عالية، في معالجة هذا الملف الحساس والإنساني، ووضعه في رأس سلم أولويات الحكومة اللبنانية المعنية بالتنسيق مع الحكومة السورية والمباشرة بإعادة النازحين إلى بيوتهم وبلداتهم وقراهم التي أصبحت آمنة وتحت سيطرة الدولة السورية.
واعتبر حردان أن التهويل الذي تمارسه على النازحين دول ومؤسسات وقوى محلية، يستهدف إبقاء جرح النزوح نازفاً، غير أن تفاقم هذا الملف بات يستدعي معالجة جذرية ونهائية.
الحكومة إلى ما بعد عودة بري؟
لم تنجح المفاوضات التي نشطت في عطلة نهاية الأسبوع من تجاوز العقد التي تعترض ولادة الحكومة العتيدة، وبالتالي تراجعت الآمال المعقودة على إبصار الحكومة النور، مساء أمس الأحد، بعد الأجواء الإيجابية عقب لقاء رئيس الجمهورية والرئيس المكلف الجمعة الماضي، حيث كان من المتوقع أن يزور الحريري بعبدا أمس، لعرض تشكيلته النهائية على رئيس الجمهورية.
ويمكن القول إن العقد لم تُذلّل وهي داخلية وأن حلّها بيد رئيس الجمهورية والحريري، بحسب ما أكد رئيس المجلس النيابي نبيه بري ليل السبت الفائت، وبالتالي فإن التشكيل لن يبصر النور قبل شهرٍ على الأقل، علماً أن الرئيس بري سيغادر بيروت خلال ساعات الى سردينيا في إجازة عائلية تستمرّ لأكثر من أسبوعين.
ويبدو أن الحصة الشيعية تبقى الوحيدة خارج التعقيد إذ إن العقبات تُحيط بالحقائب السنية والدرزية والمسيحية. وهذا ما برز خلال مقدّمة نشرة أخبار قناة «أو تي في» التي اعتبرت الطبخة الحكومية لم تنضج بعد ومتّهمة «القوات اللبنانية» و«الاشتراكي» بعرقلة التأليف بسبب رفع سقف مطالبهما بما يخالف أحجامهما الطبيعية».
وكان من المنتظر أن يلتقي الرئيس المكلّف رئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل في بيت الوسط يوم أول أمس، لكن اللقاء أرجئ الى موعد آخر لعدم نضوج التفاهم، علماً أن المسودة الشفهية التي حملها الحريري إلى بعبدا الجمعة الماضي، سيدخل عليها تعديلات بناء على ملاحظات رئيس الجمهورية، مع الإشارة الى أن المسودة تضمّنت 7 وزراء لتكتل لبنان القوي 3 لرئيس الجمهورية و6 لتيار المستقبل و6 لثنائي أمل وحزب الله، و4 وزارات للقوات من بينها حقيبة سيادية على الأرجح العدل، مع استبعاد سنة المعارضة وقوى أخرى أساسية. وتردّد بأن أحد الحلول التي طرحت للعقدة الدرزية هو توزير النائب السابق مروان أبو فاضل المقرّب من أرسلان.
وفي إطار التواصل الدائم بين تيار المستقبل والقوات اللبنانية عقد مساء السبت، لقاء بين الوزيرين ملحم رياشي وغطاس خوري للبحث في حصة القوات الحكومية. كما زار عين التينة النائب وائل أبو فاعور والنائب السابق غازي العريضي موفدين من جنبلاط وبحثا مع بري الملف الحكومي.
وقالت مصادر التيار الوطني الحر لـ«البناء» إن التيار سينال 6 وزراء والوزير السابع مرتبط بالتركيبة النهائية للحكومة وبالقاعدة الحسابية المعتمدة، فإن اعتمدت قاعدة وزير لكل 4 نواب، فالتيار سينال 7 وزراء والقوات 4، أما إذا اعتمدت قاعدة وزير لكل 5 نواب فحصة التيار ستكون 6 والقوات 3، لكن ذلك لا يزال رهن المشاورات القائمة. وأكدت المصادر «حسم وزارتي الخارجية والطاقة من حصة التيار»، ولفتت الى أن «التيار غير معني بحصة القوات بل البتّ فيها من صلاحية الرئيس المكلف ورئيس الجمهورية، ولا نعارض أن تنال القوات وزارة العدل، لكن في المقابل من غير المنطقي والعدل أن تأخذ حقائب خدمية ونائب رئيس الحكومة».
وقد أوحت مقدمة نشرة أخبار قناة «المستقبل» بأن الرئيس المكلف لن يلبي مطلب تيار المردة باحتفاظها بحقيبة الأشغال، بقولها: «لا أعراف لتشكيل الحكومة خارج العرف الوحيد المتعارف عليه المتعلق بتوزيع الحقائب الأربع الاساسية اي الداخلية والخارجية والدفاع والمالية».
ولا تقل عقدة رفض تيار المستقبل والحريري تمثيل سنة المعارضة شأناً عن العقدتين المسيحة والدرزية، فأكد القيادي في «المستقبل» النائب السابق مصطفى علوش «استبعاد سنّة قوى «8 آذار» من الحكومة الجديدة »، مشيراً إلى أن «المستقبل» لا يرغب في توزيرهم لأنه مضرّ وليس مفيداً»، موضحاً «أننا قبلنا بـ»حزب الله» لأنه أمر واقع، لكننا لسنا مستعدّين للقبول بأطراف هي عملياً نتاج الحزب»، إلا أن رئيس « تيار الكرامة » النائب فيصل كرامي ردّ على علوش، مشيراً الى أن «استبعاد توزير سنّي أو أكثر من خارج « تيار المستقبل » يشكّل نسفاً لكل نتائج الانتخابات النيابية»، ومنتقداً طروحات الرئيس المكلّف في «استمرار احتفاظه بالحصرية السنية في الحكومة مع بعض المحاصصات على شكل هدايا بينه وبين رئيس الجمهورية، وهذا يعني ببساطة إقصاء واقع شعبي سني في كل لبنان أوصل 10 نواب الى البرلمان. كما يعني أن معايير تشكيل الحكومة لا تزال على قاعدة القانون الأكثري مع إلباسها لقب «حكومة وحدة وطنية». وهو ما يعتبر هرطقة بكل المقاييس المنطقية والسياسية والشعبية».
وفي سياق ذلك، أشار نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم الى أننا «متمسكون بحسن التمثيل الحكومي بما يتناسب مع التمثيل النيابي والمناطقي والقوى والفعاليات الموجودة في هذا البلد». داعياً إلى «تمثيل الجميع بحسب حيثياتهم وبحسب خصوصيات مناطقهم وعدم الإلغاء، لأن تعبير الحكومة الوطنية يتطلب أن يكون الجميع فيها من أجل نهضة البلد الذي يحتاج إلى جهد كبير حتى ننقذه في هذه المرحلة الحساسة من الزمن».
اشتعال جبهة «التيار» و«القوات»
وعلى وقع التفاوض الحكومي اشتعلت جبهة «التيار» و«القوات»، ما وصفته مصادر «بروفا» لما سيكون عليه الوضع بين الطرفين داخل الحكومة المقبلة، وقد شهدت الجبهة أمس، سجالاً حاداً بين عضو كتلة القوات النائب جورج عقيص الذي اعتبر أن «وزارة العدل الحالية لم تكن على مستوى التحديات التي واجهها القضاة ولم نرَ نية واضحة للتغيير الجذري»، وبين وزير العدل في حكومة تصريف الأعمال سليم جريصاتي الذي ردّ في تصريح عبر مواقع التواصل الاجتماعي بالقول: «حرّر نفسك من عقدة رفض السلطة القضائية العليا عودتك الى القضاء أو منحك منصب الشرف، ثم تكلّم عن العدل والعدالة، فتعدل»، مضيفاً: «فقد النائب القواتي الحالي والقاضي السابق صوابه وأعصابه وغرق في سيل التناقض: هل هناك مستندات أو لا؟ هل نال منصب الشرف او لا؟ شيء من الهدوء والاتزان يغني عن التحدّي».
ووضعت أوساط عونية التوتر السائد بين التيار والقوات في إطار شد الحبال والتنافس على الحقائب الوزارية، وأبدت استغرابها للتصعيد القواتي وشهية الاستيزار، وردت عبر «البناء» على تهديدات القوات بنشر محضر اتفاق معراب بين التيار والقوات، معتبرة بأن نشره لن يغيّر في المعادلة القائمة ولا في أحجام الطرفين التي أفرزتها الانتخابات النيابية ولا في عملية تأليف الحكومة، مضيفة أن القوات هي من أخلت بالاتفاق وانقلبت على العهد من خلال استهدافه وعرقلة إنجازاته»، مستبعدة سقوط اتفاق معراب في الوقت الحالي. وأشارت الى أن «الاتفاق بين القوات والتيار هو اتفاق سياسي على دعم العهد، أما موضوع الحصص والوزارات فمرتبط بالشق الأول، أي الاتفاق السياسي».
كما شهدت الجبهة تصعيداً بين وزيري الطاقة والمياه سيزار أبي خليل والصحة غسان حاصباني حول مناقصات الكهرباء، وسجالاً آخر بين أبي خليل ووزير الشؤون الاجتماعية بيار أبي عاصي، حول ملف النازحين السوريين.
وأعلن وزير المال في حكومة تصريف الأعمال علي حسن خليل من بعبدا، بعد لقائه رئيس الجمهورية «تأييد حركة أمل لموقف عون في موضوع النازحين السوريين وفق ما عبّر عن ذلك الرئيس بري.
واطلع خليل عون على الأوضاع المالية والاقتصادية في البلاد والتحضيرات الجارية لإعداد موازنة العام 2019. وأشار بعد اللقاء الى أنه «وضع رئيس الجمهورية في صورة التقارير الدولية عن الوضعين النقدي والمالي وتصنيف لبنان، والتي عكست استقراراً عاماً على رغم الصعوبات التي يمر بها البلد، لكن الأمر يحتاج الى الإسراع في إنجاز تشكيل الحكومة لمواكبة متطلبات المرحلة وتحدياتها».
وأكد الشيخ قاسم أن «أميركا والدول الغربية لا تريد حلاً لمشكلة النازحين، بل هي تمنع حل مشكلة النازحين، لأنهم يعتبرون أن وجود النازحين في لبنان يعطي دليلاً على أن النظام في سورية غير قادر على حماية شعبه، ما يجعلهم بالسياسة يضغطون على الدولة السورية لتحقيق مكاسب سياسية بعد أن خسروا في حروبهم المتتالية خلال سبع سنوات في مواجهة هذا النظام وحلفائه».