عائدات النفط تعمّق الانقسامات بين السلطتين المتنافستين في ليبيا

مواجهة جديدة بين حكومة الوفاق الوطني ومقرّها طرابلس، والحكومة الموازية في الشرق التي يدعمها المشير خليفة حفتر تعمّق الأزمة في ليبيا للسيطرة على منافذ تصدير النفط وإدارة عائداته، بعيداً عن التعهدات التي قطعت في أيار إثر مفاوضات بين الطرفين في باريس.

وطلبت حكومة الوفاق المعترف بها دولياً، أمس، من الأمم المتحدة بوقف أي محاولة «غير قانونية لبيع النفط الليبي».

وجاء في بيان صادر عن المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق «أنّ ما أعلنته بعض الجهات غير المخوّلة من تسليم الموانئ النفطية إلى كيان غير شرعي وغير معترف به يمثل اعتداء واضحاً على صلاحيات واختصاصات المؤسسة الوطنية للنفط التابعة لحكومة طرابلس»، مطالباً مجلس الأمن الدولي بـ «إيقاف أي عمليات بيع غير قانونية قد تحدُث بسبب هذه الأفعال».

وكان قد أعلن حفتر أول أمس، في بادرة تنطوي على تحدّ كبير، «أنّ كل المنشآت التي تسيطر عليها قواته سيتمّ تسليمها إلى المؤسسة الوطنية للنفط التابعة للحكومة الليبية المؤقتة» ومقرّها في مدينة البيضاء.

يُذكَر أنّ القوات التابعة للمشير حفتر تسيطر بشكل خاص على أربعة موانئ تصدير في منطقة الهلال النفطي في شمال شرق البلاد، بالإضافة إلى ميناء الحريقة في طبرق قرب الحدود مع مصر. ومن هذه المنافذ يتمّ تصدير القسم الأكبر من النفط الليبي.

وإلى الآن، كانت المؤسسة الوطنية للنفط هي التي تدير هذه المنافذ وتتولى تصدير النفط بموجب قرار صادر عن مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة، بموجب اتفاق ضمني وعلى الرغم من وجود قوات حفتر فيها.

فيما هاجمت المؤسسة الوطنية للنفط أمس «قرار حفتر»، مؤكدة أنّ «تصدير السلطات الموازية للنفط هو عمل غير قانوني».

وقالت المؤسسة في بيان «إنّ القيادة العامة للجيش الوطني الليبي لا تتمتع بأي سلطة قانونية تمكّنها من السيطرة على صادرات النفط في ليبيا»، مذكرة بأن «هناك مؤسسة وطنية شرعية واحدة للنفط معترف بها لدى منظمة البلدان المصدرة للنفط، الأوبك، والمجتمع الدولي».

وحذرت المؤسسة الشركات من «إبرام عقود لشراء النفط مع المؤسسات الموازية». وأكد رئيس مجلس إدارة المؤسسة مصطفى صنع الله «أنّ المؤسسة ستتخذ كل الإجراءات القانونية اللازمة ضدّ كل الشركات التي لا تحترم هذا القرار».

من جانبها، أعلنت الحكومة الموازية في البيضاء «أنها تطمئن كل الليبيين بأنها تضمن التوزيع العادل لعوائد النفط، وبأنها ستعمل على حل كافة المختنقات التي يعاني منها المواطن الليبي بكل شفافية تامة. وتطمئن كل الشركات الأجنبية بأنّ كل التعاقدات السابقة مع الأطراف الخارجية ملتزمة بها، وأنّ أيديها ممدودة للجميع».

ولتبرير قرار المشير حفتر، قال المتحدث باسمه العميد أحمد المسماري «إنّ القرار اتخذ بعد أن تبين بأنّ تمويل المجموعات المسلحة يأتي من العائدات النفطية»، في إشارة إلى الجماعات المسلحة التي يقودها إبراهيم الجضران وهاجمت في الرابع عشر من حزيران محطتي رأس لانوف والسدرة، وهما من أبرز موانئ تصدير النفط.

وعبر المسماري عن «الأسف» لأنّ «الجيش الوطني الليبي، لم يتلق أي دعم لقاء حماية المنشآت النفطية منذ 2016، على الرغم من خسارته العشرات من العسكريين، وكميات كبيرة من العتاد والذخيرة خلال التصدي للهجمات التي استهدفت الهلال النفطي».

وقال «لم نتلقّ ديناراً واحداً من المؤسسة الوطنية للنفط»، ملمّحاً إلى أنّ «الجيش الوطني الليبي يحق له الحصول على جزء من الثروات من أجل التجنيد وشراء الأسلحة والمعدات».

من جهتها، قالت حكومة الوفاق «إنّ قرار حفتر الأخير لا يخدم مسار التوافق ويقوّض الجهود الدولية لترسيخ الاستقرار»، مضيفة: «أنّ القيادة العامة للجيش تحت إمرة المشير حفتر، ومن خلال قرارها الأخير، أضاعت فرصة ممتازة لخدمة المصلحة الوطنية وأدارت ظهرها لاتفاقات باريس والمصلحة الوطنية والطريق إلى السلام».

وكان البنك المركزي الليبي يتولى حتى الآن إدارة عائدات النفط لصالح حكومة الوفاق الوطني التي تقوم بدورها بدفع رواتب الموظفين في كل أنحاء البلاد، بما في ذلك في المناطق التي تديرها السلطات الموازية.

ولدى كل طرف بنك مركزي خاص به ومؤسسة نفط تابعة له ووكالة أنباء خاصة به.

ووقعت معارك عنيفة خلال الأسبوعين الماضيين بين قوات حفتر ومجموعات بقيادة الجضران، تمكنت خلالها هذه المجموعات من السيطرة على منطقة الهلال النفطي، قبل أن تشنّ قوات حفتر هجوماً مضاداً استعادت خلاله المنطقة الخميس الماضي.

والجضران هو الرئيس السابق لحراس المنشآت النفطية في منطقة الهلال النفطي. وقد تمكّن من منع تصدير النفط من هذه المنطقة طوال عامين قبل أن يطرده «الجيش الوطني الليبي» في أيلول 2016.

وتتنازع على السلطة في ليبيا الغارقة في الفوضى منذ سقوط نظام معمر القذافي في 2011 حكومة الوفاق الوطني المنبثقة عن عملية رعتها الأمم المتحدة وتعترف بها الأسرة الدولية، وحكومة موازية في الشرق تحظى بتأييد آخر برلمان منتخب.

وفي أواخر أيار، جمع ماكرون أبرز أطراف الأزمة الليبية وبينهم حفتر ورئيس حكومة الوفاق الوطني فايز السراج اللذين اتفقا على إعلان ينص على تنظيم انتخابات برلمانية ورئاسية في 10 كانون الأول 2018 وتوحيد المؤسسات.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى