اتفاق معراب مستهدَف من داخل البيت القواتي

روزانا رمّال

كل شيء يوحي بأن حزب القوات اللبنانية أكثر من «ينتقم» من مفهوم اتفاق معراب وأكثر مَن يعمل خلافاً لروحيته، اذا تم التسليم جدلاً بانه اتفاق اطار لـ»تفاهم» يحفظ حقوق المسيحيين الأكثر تمثيلاً او الاقوى في طوائفهم وهو حزب القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر. فهذا الاتفاق مفترض انه أراد تكريس وصول المسيحي الأقوى الى سدة الرئاسة فاختبأ د. جعجع تحت عباءة هذا المنطق، فيما لم يفلح الاتفاق في توحيد الرؤيا ولم يعطِ أي نتيجة إيجابية حتى هذه اللحظة بأن الطرفين نجحا في تأسيس خط موازٍ لإدارة العملية السياسية مسيحياً في البلاد. فهذا الاتفاق الذي تكتّم عن تفاصيله البعض كشف عنها البعض الآخر ليتبين أنه «صفقة» سياسية لا تفاهم روحي يجمع المسيحيين. وبالتالي فإنه معرّض للخطر عند أي لحظة اشتباك. وهذا ما يحصل في العديد من الملفات أبرزها الكهرباء واليوم التشكيلة الحكومية وحصة القوات التي يعترض عليها التيار الوطني الحر ورئيس الجمهورية معاً، واللبنانيون في لحظة التفات دائم الى انه لا «اتفاق» بين هؤلاء.

الاسئلة حول تقصير التيار الوطني الحر في التزامه ببنود الاتفاق مطلوبة أيضاً في دراسة الخلل بالعلاقة والأسئلة عن الإبقاء على صيغ مطاطية مطروحة.

التيار الوطني الحر يقول إنه تم تنفيذ ما تقدم في هذا الاتفاق وإعطاء القوات وزراء «أكثر» من حجمهم النيابي في اول حكومة بعد الانتخابات الرئاسية في حين تعتبر القوات أنه يستحيل ان تكون قد اتفقت مع التيار على تنفيذ لمرة واحدة اي لحكومة أشهر او سنة واحدة، بل إن هذا الاتفاق دائم أي هو اعلى من لحظة او مرحلة!

بالواقع استغلت القوات اللبنانية «خطأ» وقع فيه التيار الوطني الحر عندما ارتضى إعطاءها أكبر من حجمها بثلاثة وزراء ورابعهم مقرّب منهم هو ميشال فرعون يُضاف إليهم إعطاؤهم نيابة رئاسة الحكومة، لأن في لبنان ما يصبح عرفياً او مبدئياً «سريعاً» عند بعض الأحزاب ويصعب عليها حينها التراجع أمام جمهورها. فكيف يمكن للقوات اليوم مثلاً أن تتراجع عن المطالبة بحصة مشابهة لتلك التي حصلت عليها بحكومة تصريف الأعمال الحالية بعد أن حققت نتيجة أكبر نيابياً؟

كيف بالحال إذا كان مطلب دعم القوات اللبنانية توصية سعودية رغم نفيها؟

بالواقع أيضاً تتناسى القوات أنها استفادت مما قدّمه لها التيار الوطني الحر من وزارات خدمية أبرزها وزارتا الشؤون الاجتماعية والصحّة لتقوية موقعها بين جمهورها. وهذه الهالة السياسية التي تستند عليها القوات كفصيل قوي اليوم هي صنيعة ورعاية التيار الوطني الحر بالمباشر وبغير المباشر، ولا يمكن انتفاء هذه الحقيقة. فكل الأفرقاء تقاتل اليوم من أجل وزارات خدمية للاستفادة من خدمات خاصة لقاعدتها. وهذا ليس سراً في لبنان عدا عن أن فكرة توزير أربعة وزراء، 3 مع القوات ورابعُهم يُدين لهم بالولاء، وحدَها تتكفّل بتقوية موقعهم السياسي.

لا يبدو التيار الوطني الحرّ ملتفتاً لما أقدم عليه في ذلك الوقت على اعتبار أن «النيّة» موجودة لملاقاة «الأخ» المسيحي الذي عبّر عن ايجابية في إيصال ميشال عون لرئاسة الجمهورية مع العلم أن خيار جعجع ترشيح عون لم يكن خياراً «أحادي» الجانب او شخصياً، بل هو نتيجة وقوف اقليمي عند هذا الأمر الواقع الذي فرضه حزب الله بتقدمه الإقليمي ولجعجع خياراته وحساباته واتصالاته التي سمحت بأن يخطو هذه الخطوة بضمير مرتاح، لأن أحداً لن يقتنع بأنه كان على استعداد في ذلك الوقت للتضحية بعلاقاته الخليجية لإرضاء عون ليأتي بعده قبول الحريري أيضاً بترشيح عون فتكتمل الصورة ويظهر المشهد وتنتهي فكرة «لولا القوات لما جاء عون رئيساً». وهي موّال صارت تغنيه أغلب الأحزاب.

بالعودة الى اتفاق معراب فإن أكثر مَن يسيء لهذا الاتفاق هي القوات نفسها بمطالبتها مثلاً بالحقيبة «السيادية»، وكأنها لا تؤمن بأن حقيبة سيادية للتيار الوطني الحر كفريق مسيحي قوي كافية لحفظ حقوق الطائفة، خصوصاً أن كل الأفرقاء يطرحون مسألة الحقيبة السيادية لحفظ هذا الحق الذي تفرضه التركيبة الطائفية عرفاً لا قانوناً. وبهذا تصبح القوات اللبنانية طرفاً مستفيداً من اتفاق معراب بجزئه «الاستغلالي» الوظيفي، لا بجزئه الحاضن لتقوية موقع المسيحيين في الحكومة. وبهذا يصبح السؤال حول نسبة التناغم «الروحي» في هذا الاتفاق كبيرة، وإذا كانت حقيبة سيادية لحزب مسيحي واحد لا تكفي، فلماذا لا يطلب حزب الله مثلاً بحقيبة سيادية؟

ألن يكون في هذا الطلب إعلان عدم ثقة بتمثيل الحركيين أي حركة أمل للطائفة الشيعية بالحكومة؟ أليس في هذا الطلب نقض كامل للتفاهم الروحي المعلن بين حركة أمل وحزب الله الذي نظّم عملياً إدارة الحقوق الشيعية في الحكومة؟

انعدام الثقة بالتيار الوطني الحر أو «الطمع» الوزاري وحدَه مَن يحكم هذا التفاهم من جهة القوات اللبنانية التي بات عليها أن تدرك للمرة الأولى أن مطالبها التي قد يلتف عليها اللبنانيون ها هي تسقط اليوم عندما تستهدف بمطالبها روحية تفاهم قيل إنه تفاهم «مصالحة»، وقيل إنه تفاهم لتكتل المسيحيين بوجه الإرهاب الممتدّ في المنطقة وقيل إنه يرعى حقوق الاخوة..

فبدل «أوعى خيّك» صار لزاماً أن «تعي القوات» قبل فوات الأوان لأن صرخة 8 آذار في تلميحها بأن تلعب القوات دور المعارض بدأت تعلو ما قد يزيد المشهد تعقيداً. وبين هذا وذاك فلتراجع القوات رؤيتها للتفاهم مع التيار وتعيد حساباتها في تقديمه تفاهماً مصلحياً أو تفاهماً روحياً يرعى حقوق الأحزاب المسيحية، وهل هو قابل للحياة؟

ثم أن اللجوء لحصة الرئيس كمخرج تجعل القوات أبعد ما يكون عن احترام الأصول السياسية والمقامات عرفاً ولو احترام «شكلي»، فكيف يمكن لها المطالبة بحصة الرئيس التي لا يجب أن تقع ضمن التجاذبات الحزبية أصلاً؟

كل شيء يؤكد الانقسام بين الفريقين، بسبب عدم تنظيم هذه العلاقة وهذه الحقوق واضطراب المفاهيم التي لا تلزم اللبنانيين جميعاً «قطعاً».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى