القدر والحظّ

يؤثّر كلّ من التفاؤل Optimism والتشاؤم Pessimism في تشكيل سلوك الفرد وعلاقته الاجتماعية وصحته النفسية والجسدية.

أيام الجاهلية كان العرب أصحاب تشاؤم وطيرة، يؤمنون بالنحس واللعنات، وانتشرت الكثير من الخرافات والموروثات الشعبية حول أمور يظنّ الناس فيها الشؤم، ولا يتوقّعون معها حصول الخير والبركة. فمنهم مَن كان يتشاءم بمرئي كرؤية البوم والقطّ الأسود، ومنهم من كان يتشاءم بمسموع كسماع صوت البومة أو الغراب. وكان العربي إذا خرج من بيته ورأى حصاناً أعور عاد أدراجه فأيّ يوم هذا الذي يبدأ بحصان أعور. وما زال العرب حتّى اليوم إذا رأى أحدهم حذاءً مقلوباً وكان على وشك إبرام صفقة تجارية أمسك عنها، لأنه يؤمن بأنّ المكتوب باين من عنوانه ، وستكون صفقة تجارية مقلوبة! رغم أننا في الألفية الثالثة إلا أنّ هناك الكثير من الناس ممن يعتقدون بمثل هذه الأشياء.

يقول ماثيو ماكويهني: الشهادة ورقة تثبت أنك متعلم، ولكنها لا تثبت أنك تفهم . فالمخزي أن يأخذ بهذه الخرافات أهل العلم والمعرفة بمنزلة القانون في حياتهم. يتفاءلون برؤية قطيع من الغنم فهو من الغنيمة، ومن وقوع صحن الزجاج وكسره فهو يأخذ الشرّ معه، بسبب اقتران حدوثها صدفة وتكرارها لمرات عديدة فأصبحت معتقدات يؤمنون بها.

كنت أعتقد أن التشاؤم اختصاصنا نحن العرب وحدنا دون العالمين، ولكن عندما قرأت كتاب الأساطير الرومانية واليونانية لأمين سلامة، جزمت أنّ العبط والاستهبال كان سمة مشتركة بين سكان هذا الكوكب جميعهم.

هذا لا يعني بالطبع أنّ البشر كفّوا عن العبط والاستهبال، فما يجنيه المنجّمون والعرّافون والدجّالون من الناس السذّج يفوق ميزانية دولة محترمة. وعلى سيرة الدول المحترمة حتّى الدول الأوروبية رغم تقدّمها العلمي والحضاري إلا أنها تنفق الكثير من الأموال على الكهانة والعرافة والكتب والحُجب. في إيطاليا مثلاً هناك قرية لا يلفظ أحد من أبنائها اسمها لأن جميع سكّان القرية يؤمنون أنّ من يتلفّظ به من سكّانها ستصيبه اللعنة! وفي النمسا لا يشيرون بأصابعهم إلى قوس قزح لأنّ من يشير إليه يخرج له بثور وثآليل في إصبعه! حتّى الأرقام لم تسلم منهم. فهم يتشاءمون من الرقم 13 هذا الرقم الفقير فقد حذفته بعض شركات الطيران من ترقيم المقاعد كما حذفوه ولم تحظ المصاعد والأدوار عندهم به.

لكنّ ما يثير الدهشة اليوم أن تتحدث الصحف الأوروبية، وتردّد معها الصحف العالمية نشوء ظاهرة لعنة البطل في كأس العالم! فهذا يجزم أنّ البشرية بلغت من الحماقة مبلغاً! ولعنة البطل باختصار هي أنّ حامل اللقب يخرج من الدور الأول في المونديال المقبل. ففي عام 1998 فازت فرنسا باللقب ثمّ خرجت من الدور الأول عام 2002، وفي عام 2006 فازت إيطاليا باللقب ثمّ خرجت من الدور الأول عام 2010. تكرر بعض الأشياء لا يعني أنّه بالإمكان بناء نظرية وفقها. لا تسافر إلى الصحراء بحثاً عن الأشجار الجميلة فلن تجد فيها غير القفار وخير كلام وبعيداً عن التشاؤم. التفاؤل تصنعه النفوس الواثقة بفرج اللّه…

صباح برجس العلي

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى