لهذا السبب لم يتطرّق عون إلى الحصص الوزارية مع جنبلاط وجعجع
روزانا رمّال
غالباً ما يرتبط مفهوم الصلاحيات في الأنظمة الديمقراطية الكبرى التي يستمدّ منها لبنان مدرسته القديمة في رؤيته للتصنيف السياسي وتوزيع المهام إدارياً كالنظام السياسي في فرنسا، وهو أميل اليها شكلاً لا مضموناً لخصوصيته إلى سرد بنود تحكم عمل الرؤساء ضمن إطار ما يُسمى «الصلاحيات» مع التمسك الكامل بها بدون تخطي أي دور لأي جهة سياسية أخرى او كرسي رسمي، علماً ان صلاحيات الرئيس الفرنسي الواسعة جداً «نظام رئاسي» لا تشبه شكل النظام اللبناني إلا أنه احد الأمثلة الأقرب الى وجدان الميالين الى سحب هوية لبنان العربية واستبدالها بالتبعية الأجنبية مع عودة إلى «أمجاد» فينيقيا.
صلاحيات الرئيس يعني ما ينصه الدستور قانوناً بدون زيادة او نقصان، وأي تخطٍ لهذه الصلاحيات هو تعدٍّ على الدستور بطبيعة الحال، إلا أن السؤال الأهم هو بحالة التخطي «إيجاباً» أين منها الدستور؟ ثم ماذا عمّا يُعرَف بهالة الرئيس واستخدامه الشخصي مهارات فردية بـ«المونة» والحرص و«الحنكة» السياسية لتهدئة الامور العالقة؟
منذ أيام وتلفت النظر الحركة السياسية في قصر بعبدا التي يخوض غمارها رئيس الجمهورية ميشال عون بكل مسوؤلية. ففي الوقت الذي تشهد فيه البلاد انقساماً حاداً لجهة تشكيل الحكومة بين شكلها وعدد المقاعد المحتسبة والمكتسبة بعد انتخابات هي أولى من نوعها. وفي الوقت الذي تغلق فيه خطوط «هاتف» البعض بوجه البعض الآخر، طالما ان شروطه لم تلبَّ المطلوب حكومياً، وفي الوقت الذي تبدو فيه لحظة اعلان الحريري عن أزمة حقيقية ومصارحة اللبنانيين بها أقرب، يدخل عون على خط تجديد الأمال وإبعاد الطاقات السلبية المتبعثرة شمالاً ويميناً، فما الذي أوصل القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر لهذه اللحظة من التشنج الحاد التي كادت تقضي على اتفاق معراب أو ربما المصالحة برمّتها؟ ما الذي يجعل من حصة وزارية أهم من مسؤولية سياسية تؤسس لمستقبل يؤطر العلاقة لأجيال ممن يعوّلون على تعزيز حضور الأحزاب المسيحية القوية؟
الخلاف الحاد ادخل الرئيس عون على خط تلطيفها ويبدو أنه نجح سريعاً بذلك. فالشكليات التي تؤثر بشكل كبير على الساحة السياسية والشعبية تكاد تكون أهم بكثير من إنجاز حكومي عقيم بالنسبة للمواطنين الذين يميلون الى موجات التطرف لحظة غضب الزعيم هذا او ذاك، من دون احتساب او مسؤولية وصولاً الى الشارع.
اتصل الرئيس عون برئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع ودعاه إلى لقاء في قصر بعبدا. فلبّى الأخير سريعاً الدعوة. وتحدّث عن جلسة لطيفة وودية وعن حرص كامل من جعجع على مقام الرئيس والرئاسة وعلى المصالحة بين التيار والقوات ووعد بالتواصل مع رئيس التيار جبران باسيل، لكن الأهم ان الرئيس لم يدخل في مسألة الحصص ولا عدد الوزارات مع الزائر القواتي الكبير.
لكن الحدث الأكبر كان في دعوة الرئيس ميشال عون للنائب السابق وليد جنبلاط إلى زيارة مماثلة بعد تصريح الأخير الشهير «العهد الفاشل». الأمر الذي يجعل من هذه الدعوة محطّ «كبر» ومسؤولية «واضحة للرئيس وتعالٍ عن أي حساسية من أجل تفعيل الأجواء الإيجابية في البلد، فما كان من جنبلاط إلا ولبّى الدعوى ناقلاً أجواء إيجابية عن الجلسة مع الرئيس مع كلام مشابه لجعجع بأن الرئيس لم يتطرق أيضاً معه الى ملف الحصص او عدد الوزارات أو شكلها ليصبح السؤال لماذا؟
تكشف مصادر متابعة لأجواء الزيارتين لـ «البناء» أن الرئيس ميشال عون قرّر استخدام حضوره ومكانته السياسية الكبيرة في البلاد من موقعه الجامع من أجل لعب دور مسهّل وبنّاء يصاحب أجواء تشكيل الحكومة، لكن بعيداً عن «تعدّ» على صلاحيات رئيس الحكومة، لأن الرئيس يدرك تماماً ان ليس من مهماته لعب دور من هذا النوع ولا على جدول أعماله في هذين اللقاءين التطرّق لهذه التفاصيل التي هي من مهام الرئيس المكلف، وذلك على الرغم من أنه صاحب التوقيع «الذهبي» على تشكيل الحكومة. وتضيف المصادر «يكشف عون عن قدرته في موازنة استخدام صلاحيات الرئاسة والتفريق بينها وبين وظائف باقي الرئاسات وقد نجح في عدم وضع أي نوع من الانتقادات على هذه الخطوات الجريئة، بل بالعكس ساهمت بتبديد مخاوف اللبنانيين بعد ما بدت الخلافات بين اكبر الأحزاب السياسية الى تصاعد أي القوات والتيار والاشتراكي. وبهذا قطع عون الطريق على اي نوع من القطيعة بين الأفرقاء التي قد تزيد الوضع سوءاً وتعطّل تشكيل الحكومة».
نجح عون إذاً باستخدام «هالة الرئيس» بدون التعدّي على صلاحيات رئيس الحكومة الذي ينسق بشكل تام معه على ما كشفه مصدر سياسي لـ«البناء» فقطعت الطريق عن اللعب على هذا الوتر وإعادة عقارب الساعة الى الوراء لحظة احتدام المشهد بين الرئاسة الأولى والثانية قبل شهور.