تركيا والسياسة الخارجية بعد الفوز بالانتخابات

د. هدى رزق

أعلنت اللجنة العليا للانتخابات النتائج الرسمية لانتخابات الرئاسة والبرلمان، وقالت إنّ أردوغان فاز بنسبة 52.59 مقابل 30.64 لمحرم اينجه. كذلك حصل «حزب العدالة والتنمية» على 42.56 من أصوات الناخبين 295 مقعداً مقابل 22.65 لـ«الشعب الجمهوري» 146 مقعداً ، و11.1 لـ«حزب الحركة القومية» 49 مقعداً ، و9.96 لـ«حزب الخير» 43 مقعداً و11.7 لـ«حزب الشعوب الديمقراطي» 67 مقعداً . ووصلت نسبة المشاركة في الانتخابات إلى 86.5.

لطالما اعتبر حزب العدالة والتنمية أنّ الائتلافات تشكل مخاطر على الاستقرار السياسي وتعكس تخبّطاً في اتخاذ القرارات بسرعة. فالحزب استطاع أن يحكم البلاد بمفرده منذ توليه السلطة عام 2002.

شهدت تركيا في انتخابات 24 يونيو/ حزيران انتقالاً إلى رئاسة تنفيذية، في ظلّ نظام الحكم الجديد. لكن حزب العدالة والتنمية فشل في الحصول على أغلبية مطلقة في البرلمان المؤلف من 600 مقعد، مما يعني أنه سيتعيّن عليه الموافقة على نوع من «التحالف السري» مع حزب الحركة القومية من أجل إصدار القوانين.

في انتخابات تشرين الثاني/ نوفمبر 2015، حصل «العدالة والتنمية» على 49.5 في المئة من الأصوات، وحصل على 317 مقعداً في البرلمان، الذي كان يضمّ في ذلك الوقت 550 مقعداً. لكن في 24 يونيو/ حزيران، فاز حزب العدالة والتنمية بنسبة 42.5٪ من الأصوات و 295 مقعداً برلمانياً، وهو ما يقلّ عن 301 مقعد اللازمة للأغلبية وتضع النتيجة حزب العمل القومي اليميني المتطرف كشريك في الائتلاف الطبيعي لحزب العدالة والتنمية. وهو حصل على 49 مقعداً برلمانياً.

وفي أول اجتماع له بعد الانتخابات في 27 حزيران/ يونيو، وافق كلّ من أردوغان ودولت باهشلي رئيس حزب الحركة القومية على إنهاء حكم الطوارئ، ولكن يبدو أنّ باهشلي قد حصل على تنازل كبير في المقابل. ويتردّد أنّ الجانبين سيدخلان تعديلات على قانون مكافحة الإرهاب وقانون الأمن الداخلي وقانون العقوبات الذي من شأنه أن يعوّض عن رفع قانون الطوارئ.

20 من تمثيل البرلمان هو قومي متطرف. واحد على الأقلّ من كلّ أربعة مشرعين في البرلمان الجديد يتمتع بخلفية قومية متطرفة. لا سيما أنّ بعضهم الذي ينتمي اليوم الى العدالة والتنمية كان أساساً من أصول قومية يمينية، 65٪ من المقاعد تنتمي إلى الأحزاب اليمينية.

يريد باهشلي علاقة متناغمة في السنوات الخمس المقبلة. مع العدالة والتنمية، فهو في استطلاعات الرأي التركية، أصبح صانع الرئيس، ونجح في إنقاذ كلّ من أردوغان وحزب العدالة والتنمية. وخلال الاجتماع الثنائي، وافق أردوغان وباهشلي على إنشاء لجنة دائمة للإجماع الوطني للعمل على تسوية الخلافات بين الجانبين. وسيوفر تعيين أردوغان المرتقب لنواب الرئيس ووزراء مجلس الوزراء بالإضافة إلى انتخاب رئيس للبرلمان.

من المقرّر أن تجري تركيا انتخابات محلية في آذار/ مارس 2019. وهناك تقارير تفيد بأنّ حزب العدالة يريد أن تكون هذه الانتخابات مبكرة قبل تفاقم الأزمة الاقتصادية والتي أصبحت مؤكدة حسب تقرير صندوق النقد الدولي. في أعقاب هذا الانتصار الذي حققه أردوغان، ستتحدّد العلاقات مع الغرب، خاصة الآن لكون أردوغان هو الحاكم الوحيد لتركيا، يحظى سلوكه مع الغرب بتأييد عدد كبير من الأتراك في تركيا وفي الخارج. في السابق كانت سياسة تركيا تستند إلى «صفر مشاكل»، التي صاغها أحمد داود أوغلو، رئيس الوزراء السابق. وأعاد بينالي يلدريم هذا النهج، لكن ازدادت مشاكل تركيا مع جيرانها وانخفض عدد أصدقائها بشكل حادّ، ويرجع ذلك في الأساس إلى نهج أردوغان في العلاقات الدولية. وكان بيان أردوغان الانتخابي قد أوضح أنّ العالم تغيّر ولم يعد أحادي القطبية كما في التسعينيات. وأشار إلى أنّ سياسته الخارجية سوف تستند إلى الواقعية التي يقودها فهمه للوضع العالمي.

تستند رؤية السياسة الخارجية لأردوغان إلى فكرة بناء تركيا قوية عسكرياً قادرة على الوقوف بوجه أعدائها وحماية نفسها ضدّ جميع التهديدات الخارجية وأن تصبح أيضاً القوة الرئيسية في منطقتها. وعلى الرغم من استمرار محاولة تركيا للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، فقد أوضح في بيانه أنه يعتبر «الزيادة في التعصّب والعنصرية الثقافية والعاطفة تجاه الإسلام في الغرب» واحدة من التهديدات المركزية التي تواجه تركيا ويدعم حزب باهشلي، أردوغان حيث ستبقى سياسة مكافحة الإرهاب محورية في السياسة الخارجية التركية.

سياسة أنقرة الخارجية ستأخذ «منعطفاً إلى اليمين». فالسياسة الخارجية التركية التقليدية ذات التوجّه الغربي أصبحت من الماضي. ستكون علاقات أنقرة مع العالم مدفوعة «بالواقعية الجديدة». فروسيا وغيرها من القوى أصبحت الآن محورية في نهج أردوغان «إن تركيا لا تعمل فقط مع حلفائها الغربيين، ولكن أيضاً مع روسيا وإيران والصين وهي جزء لا يتجزأ من هذا الفهم للواقعية الجديدة». نهج تركيا في السياسة الخارجية بالنسبة الى مؤيدي أردوغان ترتكز على القيم الأخلاقية، وهم يقولون إنها تهدف إلى دعم المضطهدين، سواء كانوا الفلسطينيين الذين يعانون من القمع الإسرائيلي أو مسلمي الروهينغا في ميانمار.

لقد هنّأ القادة الغربيون أردوغان على إعادة انتخابه. وهذا يدلّ على الإقرار بأنه سيتعيّن عليهم العمل مع أردوغان بغضّ النظر عن مشاعرهم الشخصية تجاهه بسبب استمرار تركيا التي يزداد موقعها أهمية استراتيجية في منطقة مضطربة من العالم.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى