مستنقع الإرهاب الدولي وفيروس «إيبولا»
د. حسام الدين خلاصي
من هذا العنوان الذي لا يبدو عنواناً لمقال صحافي تبدأ رواية الفصل الجديد من مسرحية محاربة الإرهاب، في هذا الفصل تنطلق الخطة من بعض وسائل الإعلام، والتي توصف بأنها صديقة، فتبدأ بالترويج لمصطلح مستنقع الإرهاب عبر برومو خاص سورية مستنقع للإرهاب الدولي فماذا ستفعل دمشق أو برومو آخر كمقدمة لأحد برامجها يقول حق الأكراد في قيام دولة .
سابقاً ظهر هذا المستنقع في الأراضي العراقية وتداولته محطات إعلامية كانت يومها صديقة، وشربنا المصطلح آنذاك، فالعراق يومها كان فجأة بلا جيش! وتمّ احتلاله من قبل قوات التحالف الذي أتى ليخلّص العراقيين من بطش صدام حسين وليجلب الديمقراطية المزعومة! وجلب معه بدلاً من ذلك فوضى هدامة قسّمت العراق في النتيجة وتركته منهوب الخيرات إلى يومنا هذا، مكبّلاً باتفاقيات عديدة، وليست هنا غاية الحديث، والسؤال الملحّ الذي يطرح نفسه: ما الداعي لإطلاق مصطلح مستنقع الإرهاب على الجمهورية العربية السورية وهي التي بات اليوم في رصيدها ثلاث سنوات وأكثر في محاربة الإرهاب والعصابات التكفيرية ولا يزال جيشها مواظباً على دحر هذا الشتات الإرهابي من على أراضي الجمهورية، ولا يزال كيان الدولة قائماً ويتطوّر رغم الحرب القائمة، ويخدم ذلك أيضاً انتماء سورية إلى حلف سياسي وعسكري مهمّ يقارع مع سورية ويلات هذه الهجمة بطرق شتى، لذلك نجد أنّ من يسوّق لفكرة أنّ سورية أضحت مستنقعاً للإرهاب يجنح بالمصطلح كي لا تتوجه الأنظار إلى تركيا وقطر والسعودية و»إسرائيل» الكيان الغاصب وإلى العراق الأكثر حظاً على أراضيه بهذه الجموع من العصابات التكفيرية، أيّ أنّ كلّ ما هو تحت الرعاية الأميركية هي دول متأذية من الإرهاب الآتي من المستنقع السوري كما تروّج هذه المحطات الإعلامية والتي كما ذكرت بأنها توصف بالصديقة فهل هذا يحصل بطريق الصدفة ولمصلحة من!
عموماً الحال الذي استوقفتنا أكثر بشدة هذه الفترة تركيز الدواعش المحرَّكين بالريموت كونترول الأميركي على عين العرب في الشمال السوري، والكلّ كان يتوقع تمدّد «داعش» بعد الرقة باتجاه حلب، وإذ بنا نفاجأ باستدعاء «داعش» لقواتها من كل حدب وصوب وبدء الترويج لاقتحام عين العرب، بالتزامن مع حملة إعلامية موسّعة تصور هول القضية، مما استدعى قوات أوباما وبعض المتدلّلين والمدلّلين إلى إنشاء تحالف على غرار التحالف السابق في العراق بذريعة محاربة «داعش» التي باتت تشكل خطراً على البشرية، وبدون أيّ تنسيق مع الحكومة السورية التي يحلم أردوغان الشيطان وعصابته من الإخوان والإدارة الأميركية بسقوطها، كي تعمّم تجربة محاربة «داعش» في كلّ بقعة من دوبة الخلافة الاسلامية المتفشية كإيبولا بعد أن تعطى له الأوامر بالانتشار بعد سقوط سورية، حيث يجب أن ينتشر على فرض سقوطها، ولكن هذا لم يحصل حتى الآن ولذلك تفشت «داعش» ونصيراتها في أقطار العرب تحت مسمّيات مختلفة.
ولأنّ سوربة لم تسقط اشتقت «إسرائيل» الكيان الغاصب بخطاب أميركي واعتماداً على بعض القيادات الكردية المنشقة والتي تملك علاقات وثيقة مع «إسرائيل» برعاية رئاسة حكومة كردستان العراق، مصطلح تقرير المصير الذي بلع طعمه في العالم كافة ابتداءاً من القرم إلى اسكتلندا، والآن في أوكرانيا الشرقية، ولذلك بدأ بالتلويح به في بعض الخطابات الإعلامية عبر شخصيات كردية معروفة بتبعيتها للمخطط الصهيوني الذي يخدم «القومية الكردية»، هذا الأمر استدعى من الحكومة السورية وخارجيتها رفض مثل هذه التصريحات والتأكيد على الهوية السورية لعين العرب والتي لا تختلف عن عدرا العمالية في انتمائها إلى الوطن، وهذا الردّ دفع بالصهاينة الجدد إلى تقديم مقترح تركي بتأمين دعم عسكري عبر عصابات «الجيش الحر»، فرفض هذا المقترح من الجميع لأنّ ماضي عصابات الحر مع الأكراد ليس جيّداً، خاصة أنه يأتي من الجانب التركي المعادي لأغلب فصائل الأكراد، فتمدّد الاقتراح ليشمل إرسال عينة أولية 150 مقاتل من البيشمركة الآتية من كردستان العراق عبر تركيا بما يتعارض مع السيادة الوطنية السورية في عملية جسّ نبض لردود الأفعال من قبل كلّ الأطراف لتدخل قوة عسكرية برية من خارج سورية تسمّى البيشمركة قد تصل لاحقاً إلى نحو 2000 مقاتل، وإلى أن تظهر ردود الأفعال السورية والدولية سيرتفع صوت الإعلام المناور الذي يخدم المشروع الصهيوني في المنطقة ليقوي نظرية أنّ الأكراد يساعدون الأكراد، ولا أحد غيرهم انبرى لذلك حتى الحكومة السورية، وانّ المأساة الكردية الإنسانية والتي نقرّ بها جميعاً خصوصاً المعاناة من إرهاب «داعش»، وبالتالي فالأكراد عليهم أن يبحثوا عن «انتماء» أوسع وأقوى من الدولة السورية ضمن مسمّى حق تقرير المصير، وهذا طبعاً لرصيد «إسرائيل» والأم الحنونة أميركا، ويتناسى هنا الراغبون في الانشقاق تحت مسمّى حق تقرير المصير والذي بات خطراً أكبر من فيروس إيبولا على العالم، أنّ كلّ الشعب السوري عانى من إرهاب «داعش» و»النصرة» و»الحر»، وقريتا نبل والزهراء نموذج في هذا المجال، فهما محاصرتان منذ سنتين، ولم تأت أميركا والحلفاء للدفاع عن أبنائهما، فهل يجب بنفس المقياس أن تطالب القريتين بحق تقرير المصير؟
إنّ تصوير سورية كدولة في موقع الضعف ولو إعلامياً في المرحلة الأولى على مبدأ أنها مستنقع للإرهاب الدولي كما تروّج بخبث العديد من المحطات والصحف التي تدّعي صداقة الشعب السوري سيؤدّي في النتيجة إلى استقدام قوى أكثر لمحاربة الإرهاب المزعوم والموجه والمحدّد الأهداف، خاصة أنّ أميركا تصرّح علانية بأنّ هدفها الحالي ليس طرد «داعش» من سورية، لأنها قد تضعف الدولة السورية، وهذا سيعزز المسار الديمقراطي!
إذاً… نحن على مفترق طرق خطير، فالسودان عندما قسّم حصلت «إسرائيل» على الشريط الأزرق السفلي في علمها واليوم تسعى إلى الشريط الأزرق العُلوي في علمها عبر تأسيس دولة كردستان الغربية على الطريقة الأميركية، لتطبع في نهاية المشروع نجمة داود في صحراء الأنبار، كلّ هذا وتحلم «إسرائيل» بقيام دولتها الكبرى من دون إراقة دماء جنودها. وتجدر هنا الإشارة إلى أنّ عدد قتلى الجيش «الاسرائيلي» منذ بداية «الربيع العربي» بلغ 16 جندياً فقط، فيما يصل هذا العد إلى الآلاف في صفوف الجيوش العربية.
اليوم مطلوب من المواطنين العرب أن يستفيقوا، وأن يبدأوا بأخذ دورهم الوطني والقومي لأنّ الحجة الأميركية بمحاربة الإرهاب لمدة ستزيد عن 30 عاماً ستؤدّي في النهاية إلى تقسيم مصر انطلاقاً من جنوبها وشمال السودان عبر حركة كاتالا وسلخ سيناء واعتبارها منطقة عازلة بحزام من الإرهاب الصديق لـ»إسرائيل» والعدو للجيش المصري «الكافر»، وهذا ما سيتكرّس تباعاً على جبهة سيناء، وكذلك سنصل إلى تقسيم ليبيا والجزائر والمغرب، والحلم الأكبر هو تقسيم سورية والقضاء على حزب الله بحروب انفعالية تعتمد على التكفيريين.
وقبل الختام لنحذّر من القصف التمهيدي للإعلام المتلطي خلف تبني قضايانا، فيما هو يتبنى بذكاء مساراتنا ليمرّر ثقافة أميركية صرفة، تسبق في نشاطها تلك المحطات التي سبقتها في الخديعة أثناء حرب غزة الأولى وحرب تموز 2006، والتي استقطبت عقول الشارع العربي ثم انقلبت عليه.
وما دام العرب يعرفون أنّ «إسرائيل» هي رأس الأفعى على مدى الدهر، فإنّ قطع هذا الرأس صار واجباً والحرب صارت قدراً وسلاح التلويح بـ»داعش» والتهديد به بات لعبة مكشوفة بامتياز، وإذا لم يتم التحرك بأسرع ما يمكن فإنّ المخطط مستمرّ على حساب دماء العرب كلّ العرب.