التحوّلات اليمنية تحاصر القاعدة
غالب قنديل
قدمت منظومة الإعلام السعودية القطرية في الأيام الأخيرة صورة مزيّفة كالعادة عن المعارك التي تخوضها اللجان الشعبية اليمنية ومقاتلو القبائل في المنطقة الوسطى من اليمن، وطمست تلك المنظومة عامدة أخبار انهيار العديد من معاقل شبكة «القاعدة» لتزعم انّ القتال الجاري يتخذ طابعاً طائفياً فتوسّلت الفبركة المنظمة لتغطية خليط إرهابي متعدّد الجنسيات استوطن في وسط اليمن وانطلق منه إلى أكثر من مكان داخل اليمن وفي المنطقة العربية برمّتها.
أولاً: تمكنت الحركة الحوثية من إثبات وجودها كقوة سياسية عابرة للقبائل والطوائف في الواقع اليمني، ونجحت في شبك التحالفات على امتداد الرقعة اليمنية، وهي اختارت شكل اللجان الشعبية كإطار لتوحيد القوى المقاتلة ضدّ الهيمنة الغربية والمؤمنة باستقلال اليمن، وهذه اللجان كما تفيد التقارير الصحافية تضمّ خليطاً من المقاتلين في جميع المناطق اليمنية ومحازبين لأطراف وجهات سياسية تنشد التخلص من الواقع المهترئ الذي تعيشه البلاد، وتشارك الحوثيين دعوتهم إلى إنهاض الدولة الوطنية اليمنية، وإعادة بناء قواتها المسلحة، واللافت أيضاً انّ اللجان الشعبية عابرة للقبائل والجهات وتشترك في حملاتها العسكرية وحدات الجيش اليمني المرابطة في المحافظات.
لم تطرح الحركة الحوثية مطالب فئوية او جهوية، وهذا ما مثل عنصر القوة الرئيسي في الثورة الشعبية التي قادتها وانتهت بها حقبة تفرّد تنظيم «الإخوان المسلمين» بالحكم في صنعاء من خلال هيمنة حزب الإصلاح الذي لم يرفض الحوثيون إشراكه في أيّ صيغة وفاقية لحكم البلاد من خلال ميثاق الشراكة الذي وقع في قصر الرئاسة كثمرة للهبّة الشعبية التي شملت معظم أنحاء اليمن.
ثانياً: تهاوى عدد من معاقل «القاعدة» في وسط اليمن أمام دينامية مقاتلي اللجان الشعبية الذي حققوا تقدماً مهماً خلال أيام في محافظة البيضاء، وهذا ما يُعدّ إنجازاً مفاجئاً أثار انزعاجاً اميركياً واضحاً خوفاً من فقدان الذريعة التي تتيح وضع اليمن تحت الوصاية الغربية من سنوات بذريعة الحرب على الإرهاب التي سلّمت بها حكومات صنعاء للإدارات الأميركية المتعاقبة سماء اليمن لتصول وتجول فيها الطائرات بدون طيار التي قتلت من العائلات اليمنية الكثير،ولم تفلح في كبح جماح «القاعدة» أو الحدّ من جبروتها، بينما عندما نشأت ديناميات جديدة في المجتمع اليمني أثبتت القدرة على عزل إرهابيّي «القاعدة» وحرمانهم من الحاضن القبلي المحلّي تبدّل ميزان القوى، ولذلك استطاع مقاتلو اللجان الشعبية المؤيَّدون من كتل كبيرة تتحدّر من قبائل المحافظات الوسطى اكتساح معاقل إرهابية عديدة وحساسة.
مسار الحدث اليمني يقود إلى مزيد من التحوّلات التي تؤكد أنّ مجابهة التكفير الإرهابي تتطلب توافر قوى قادرة على محاصرة الإرهابيين سياسياً وثقافياً، وحرمانهم من الاحتضان المحلّي وأنّ الحرب على الإرهاب تستدعي الجمع الوثيق بين العمل السياسي والشعبي والتصدي العسكري، وهذا ما سبق أن أظهرته أيضاً نجاحات الدولة الوطنية السورية والعديد من الشواهد العراقية والكردية التي ظهرت مؤخراً.
ثالثاً: مما يدعو إلى التوقف أنّ حكومتي قطر والسعودية المشاركتين في حلف أوباما لمحاربة الإرهاب تديران حملة منظمة لدعم «القاعدة» في اليمن عبر طمس الحقائق وتغليب الصور والانطباعات الزائفة وتعميم الادّعاءات الطائفية، بينما الذي يجري هو صراع سياسي عابر للمناطق والطوائف والقبائل اليمنية وليس صراعاً أهلياً ناتجاً عن تنافر مذهبي كما تزعم الرواية السعودية القطرية.
الحركة الحوثية وتحالفاتها ترفع برنامجاً وشعارات وطنية عامة تشدّد على الاستقلال ورفض الهيمنة والوصاية على اليمن، وهي لا تتخذ أيّ موقف عدائي تجاه أيّ من دول الجوار وقد أثبتت بالتجربة انها قوة يمنية صافية تعقد التحالفات والشراكات مع جميع المكونات اليمنية، ويبدو أنّ انزعاج الدوحة والرياض يرتبط إلى حدّ بعيد بمخاوف واشنطن من تولّد حالة جديدة تضع حداً للتدخلات الأميركية وتقيم معادلة يمنية جديدة لإحياء الدولة الوطنية ولتحصين إرادة الاستقلال وهي بذلك تنهي أيضاً استثمار السعودية لليمن كحديقة خلفية وتقطع الطرق على التسلل القطري عبر تنظيم «الإخوان المسلمين» لوضع اليد على اليمن وضمّه في محفظة النفوذ القطرية التركية في المنطقة، وليبقى اليمن مرتعاً لتوليد الإرهاب التكفيري، وساحة للتدخل الاستعماري الأميركي المرتبط بخطط بعيدة للإمبراطورية الأميركية يتحدث واضعوها علانية عن ضرورة الانتشار على خمسمئة كيلو متر من السواحل اليمنية الواقعة على الممرات والمضائق البحرية الدولية بهدف قطع طريق الأسطولين الصيني والإيراني إلى أفريقيا وحوض المتوسط.
التحليل الإخباري لمركز الشرق الجديد