نعم الأرض كروية…
بلال رفعت شرارة
ثم أنّ الأرض كروية! وهذا أمر انتهى الجدل حوله منذ عشرات بل مئات السنين. وربما هناك بضعة لبنانيين لم يقتنعوا بكروية الأرض من أجل ذلك نحيلهم إلى مونديال سان بطرسبرغ. فخلال هذه المسيرة تتراشق منتخبات من الدنيا الممكنة بالكرة ولكن بنظام. يركضون خلفها… يتنازعون مجد إلقاء أرجلهم عليها وإطلاقها باتجاه جغرافيا الخصم، ويسعون بكلّ ما لديهم من مكر وإبداع، لأن يستودعوا أمانة الكرة في نقطة علام محدّدة يسمّونها الـ الكول .
وهكذا، فإنهم يسجّلون بواسطة الكرة أهدافاً على مرأى ومسمع الآلاف مباشرة والملايين خلف الشاشات ومن أنظمة اللعبة: القرعة التي قد تصادف مثلاً منافسة لبنان! لعملاق الكرة البرازيل، أو روسيا الاتحادية للسعودية التي لن ينفعها أنها دولة ست نجوم وتقود تحالفاً ضدّ اليمن ولا ينفعها صوم أو دعاء، فيحجب الروس عنها الكرة ويهزّون شباكها خمس مرات. ثم أنّ فرق الدول الكبرى والصغرى تأكل بعضها من دون أن تتناسل، إلى أن ينتهي الأمر باعتراف الجميع، الرابحين والخاسرين، بفريق رابح وبتمجيد الكرة واستيداعها علّها تتراقص جذلى بهذا الانجذاب للاتفاق البشري حول الكرة المستديرة كالأرض.
ثم وإنْ بقي على هامش الدنيا بضعة لبنانيين غير مصدّقين لرواية كروية الأرض، فإنّ التصريحات السياسية في لبنان حول الموت السريري لاتفاق معراب ووحدانية التمثيل الدرزي واحتفاظ رئيس الجمهورية بالعصمة في تشكيل الحكومة له فيها وزراء خاصون او الثلث المعطل، والمشادات حول التمثيل المسيحي الى حدّ أن يسقط الأمر بيد البطريرك الراعي ويصير يبحث عن وسيلة كي يتحرّر من كلّ الأقوياء الذين يتربّصون كي ينكروا الكنيسة ثلاثاً قبل صياح الديك. وهكذا فإنّ أمر تشكيل الحكومة يبدو صعباً كيفما تمّ النظر إلى مسألة الحكومة كأن تنظر إلى كرة نحو وجهها الأمامي أو الجانبي أو كيفما اتفق! والكرة كما يبدو شكلها، كحال الحكومة، إذا تمّ النظر إليها من فوق أو من أيّ وجه آخر.
أرض السياسة في لبنان ليست منبسطة، وليست وعرة… ليست مرتفعة، وهي بالتأكيد ليست منخفضة… أرض السياسة في لبنان غير محكومة إلى طبيعة ما، بل هي مفتوحة ومستباحة ولا خطوط دفاع فيها وهي مخترقة وخاضعة لـ الوشواشة وهي من دون غطاء جوي… ومن دون حدود سيادية.
السياسة في لبنان كروية ليس لها أوّل ولا آخر. وهي تتعب القلب وخاضعة للإملاءات. وانتظارية ولا بدّ أن يحلّها حلال…