«فورين بوليسي»: تحالف أردوغان مع «الذئاب»… إلى أين تتجه سياسة تركيا الخارجية؟
يوسف النعيمي
بدأ الكاتب سنان أولجين، رئيس فرع اسطنبول في مركز «إيدام» البحثي، مقاله التحليليّ في مجلة «فورين بوليسي» الأميركية، بفوز الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، صاحب الشعبية الكبيرة، حيث أصبح الرئيس التنفيذي الأول، بحصوله على نسبة 53 في المئة في انتخابات 24 حزيران الماضي، ويذكر الكاتب أنه في ظل هذا التحول الدستوري، سيصبح لتركيا دور كبير في السياسة الدولية، تُمكن صلاحيات الرئيس أردوغان التأثير بشكل مباشر على إدارة وتسيير السياسات الخارجية، ولم يتمتع رئيس بهذه الصلاحيات من قبل، وإنما كانت المهمة التنفيذية مُوكلة إلى مكتب رئيس الوزراء.
يبدأ الكاتب تحليله بتوقعه تأثر السياسة الخارجية في ظل التحول النظامي، فمنذ سنوات عملت وزارة الخارجية تحت إشراف دبلوماسيين محترفين، رسموا ونفّذوا السياسة الخارجية، وتعتبر وزارة الخارجية واحدة من أهم ثلاث وزارات في تركيا، مع مؤسسة الجيش والوزارة المالية، وتتمايز الوزارات بحسب ولائها للأمة التركية، وليس بولائها للحزب الحاكم. منذ بداية عهد رئاسة أردوغان عام 2014، تضاءل أثر وزارة الخارجية لصالح الجهات التنفيذية.
شهد السلك الدبلوماسي زيادة في عدد المعيَّنين سياسياً، واليوم 10 في المئة من سفراء تركيا وممثليهم في 151 مهمة دبلوماسية، هم دبلوماسيون غير دائمين، وستبرز هذه الظاهرة أكثر، في ظل التحول إلى النظام الرئاسي، وستشهد الهيئة الدبلوماسية التركية إعادة تشكيلٍ مبنيّة على أسس النظام السياسي الأميركي. سيستبدل النظام الجديد بأعلى المناصب البيروقراطية لوكلاء الوزارات الدائمين نواباً عن كل الوزارات.
ويذكر الكاتب أحد التحديات على المدى القريب للدبلوماسية التركية، وهو تشكيل ثقافة مؤسساتية جديدة، تستطيع إدارة العمليات السياسية داخل الرتب الدبلوماسية، من دون أي تأثير على نزاهة الخدمة الخارجية وكفاءتها. بالإضافة إلى هذا التحول الهيكلي، ستتأثر السياسة الخارجية بسبب خسارة حزب العدالة والتنمية الأغلبية البرلمانية، وحتى مع تضاؤل دور البرلمان وفق الدستور الجديد، إلا أنّ السيطرة على البرلمان مسألة حساسة، فيما يخص فاعليّة النظام السياسي.
يصف الكاتب حليف حزب العدالة والتنمية حزب الحركة القومية بقوميته المتطرفة، وأنّ هذا التحالف سيؤثر على صنع السياسات، بالأخص السياسة الخارجية، وسيخلق صعوباتٍ جديدة على أردوغان في إدارة الملف الخارجي، من المعروف عن الحزب القومي تركيزه على «القومية التركية»، واضعاً الأمن القومي التركي على رأس أولوياته السياسية، ومقدمة على الحرية الشخصية. عارض الحزب إلغاء حالة الطوارئ في تركيا، بعد محاولة الانقلاب الفاشلة في تموز عام 2016، كما يدعو الحزب إلى حلولٍ إقصائية للمشكلة الكردية. وبالنسبة لقادة الحزب، فيمكن التضحية بالقيم الديمقراطية والحرية في سبيل القانون والنظام.
يشرح الكاتب عقلية الحزب القومي، واصفاً وعيه العالمي، وعياً هوبزيّاً نسبة إلى الفيلسوف توماس هوبز، وفلسفته خارجياً ودولياً، لا ترى لا صديقاً أو حليفاً لتركيا. وتعتبر العقليّة للحزب القومي عقلية منغلقة على المصالح القوميّة دون الدوليّة، وتعتبر نفسها تحت تهديد مستمر من اللاعبين الدوليين. بينما لا يتشارك حزب العدالة والتنمية العقلية ذاتها، فأفكاره مستمدة من الإسلام السياسي، والذي ينظر إلى الغرب كأيديولوجية مغايرة. في حين أن رؤية الحزب القومية أقل تمييزية تجاه الغرب، فهو ينظر إلى جميع الأجانب نظرة ازدراء، وبالتالي ستتأثر السياسة الخارجية التركية بشراكة أردوغان مع الحزب القومي، وذلك بسبب أيديولوجية الحزب، وسيتبع هذا عواقب محورية، في علاقة تركيا مع شركائها العالميين والإقليميين.
يتحدث الكاتب حول أنّ تحالف أردوغان مع الحزب القومي سيجبره على المناورة في القضية الكردية باعتبارها قضية أمنية تحتاج حلولاً لتسويات سياسية، وتعتبر جهود حزب العدالة والتنمية في القضية الكردية إيجابية، ففي عام 2015، أطلق الحزب مبادرات للحوار مع الدائرة الانتخابية الكردية والتي صدف أنها مدعومة من عبد الله أوجالان، القيادي في حزب العمال الكردي.
ستبقى رؤية تركيا إلى سورية مساحة لزيادة النفوذ الكردي، وبالتالي يوجد سعي دائم إلى تجنب وجود منطقة مستقلة كردية، معترف بها دستورياً في سورية. وبطبيعة الحال، فسيؤثر كل هذا على علاقة تركيا مع الولايات المتحدة الأميركية، وسيصبح تأثير الحزب القومي على السياسة الخارجية التركية أكثر مهاجمة لأميركا بسبب دعمها للجماعات الكردية السورية، بما يتضمن دعم وحدات حماية الشعب، وحزب الاتحاد الديمقراطي، والذي ينظر إليهم في تركيا على أنها أحزاب تخدم أجندات حزب العمال الكردي الإرهابي.
سيقود الحزب القومي بالتأثير على السياسة الخارجية التركية بجعلها أكثر «انفعالاً»، وستتصاعد الخلافات بشكل كبير، وتعتبر القومية المفرطة بالنسبة للحزب، مختلطة مع عداء شديد لأميركا، وسيلة لتعقيد إدارة العديد من الخلافات الثنائية القائمة. كخلاف تركيا مع أميركا فيما يخص فتح الله غولن، المنفي في ولاية بنسلفانيا الأميركية، وسيتأزم ملف العقوبات المقترح من أميركا ضد تركيا، في حال شراء أنقرة أنظمة الدفاع الجوية «إس-400» من روسيا، ووجود احتمالية غرامات كبيرة مفروضة على بنك الحكومة «بنك الخلق»، المتعلقة برفض أنقرة الامتثال لمجموعة العقوبات الصادرة ضد إيران، كما يوجد مساحات أخرى قد تخلق صراعات جديدة.
كما ستزيد إشكاليات علاقة تركيا مع أوروبا، وتعتبر رغبة تركيا في الانضمام لعضوية الاتحاد الأوروبي محلَّ شكٍ بالنسبة للحزب القومي. أثناء الحملة الانتخابية، دعت قيادة الحزب القومي إلى الوصول لنهاية لهذه الطموحات. ومن الواضح أنه لا رغبة لحكومة أردوغان لإنهاء محادثات الانضمام للاتحاد الأوروبي، رغم أن تعثرها واضح وجليّ وذلك لعدم وجود برنامج إصلاحي ديمقراطي على نطاق واسع من قبل أعضاء البرلمان.
يسهب الكاتب حديثه عن تطورات العلاقات التركية والاتحاد الأوروبي، وأنها مرهونة بإصلاح ديمقراطي، وتفعيلٍ كامل لدور القانون. ويعتبر البيان الأخير للاتحاد الأوروبي لتركيا، والذي صدر في 26 حزيران، متعلقاً فقط برغبة الاتحاد الأوروبي في التفاوض التجاري، ولم تظهر أي نية لتفعيل ملف محادثات الانضمام. تعتبر مهمة تحرير الأتراك من تأشيرة الاتحاد الأوروبي شنغن، مهمة صعبة في حالة استمرار تركيا مقاومة التغييرات للتشريعات الخاصة بمكافحة الإرهاب، والقامعة لحرية التعبير في الدولة. ولا يوجد حتى الآن أي نوايا لتسوية الخلاف مع قبرص، وأضاف الكاتب أن ذلك بفضل قيادة الحزب القومي التي تصنف أي صفقة خيانةً للوطن.
في ظل هذه الظروف، يبدو أنه لن يجمع تركيا والاتحاد الأوروبي أي قيم مشتركة، وإنما المصالح البحتة، ووجود ملفات مشتركة قليلة كصفقة تركيا والاتحاد الأوروبي في قضية اللاجئين، والتي تلزم تركيا بالحفاظ على 3.5 مليون لاجئ في أراضيها، ومنعهم من العبور إلى حدود الاتحاد الأوروبي، مقابل معونة مالية من الاتحاد. كما يوجد ملف التعاون في مكافحة الإرهاب.
قلّة الملفات المشتركة ستجعل تركيا في تساؤل عن جدوى هذا الترابط، وبالتالي ستقلل رغبة انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي، وفي غياب وجود إطار بديل للتعاون المستقبلي ستنعدم الملفات السياسية بين تركيا والاتحاد الأوروبي.
نمو تركيا الاقتصادي معتمد على الأسواق الغربية، ووجود مستثمرين أجانب، وصناعة التكنولوجيا، ويعتبر ابتعاد تركيا عن الغرب أحد عوامل حرمان الدعم المالي الدولي، الذي يصل إلى 250 مليار دولار سنوياً. الإرث القديم للجيل الماضي للقادة الأتراك، الذي اختار ترابط تركيا مع الغرب اقتصادياً، سيثبت حكمته وقوته، وستثبت النظرة السياسية السودواية فشلها.
يختم الكاتب مقاله بالحديث عن أن انفصال تركيا عن الغرب ليست نهاية حتمية، ولكنها قد تكون من تبعات زيادة نفوذ الحزب القومي في السياسة الخارجية التركية. ويستشرف أنّ مستقبل علاقة تركيا بالاتحاد الأوروبي ستعتمد على رغبة قيادة الحزب القومي، وطريقة استخدام نفوذه السياسي لكسب أهداف سياسية محلية أو خارجية، كما تعتمد على إدارة أردوغان لطموحات الحزب القومي. وفي النهاية، قد يجبر عناد الحزب القومي إدارة أردوغان على هجر حليفه، والسعي وراء تحالفات جديدة في البرلمان، كما أن هذه العلاقة التدافعية، الناتجة عن صراع النفوذ بين أردوغان وقيادة الحزب القومي، مُحدّدة لوجهة السياسة الخارجية التركية مستقبلاً.
«ساسة بوست»