مناصب ولكن؟
نعيش مع الأسف إنسانية افتراضية، تتعاطف مع الصور وتتجاهل الواقع. عندما نقرأ سيراً ذاتية لعلماء قدامى قدّموا للبشرية جلّ ما يملكون من العلم والفائدة سندرك أيّ تيار يجرفنا في أيامنا هذه مع ما يقدّمه مسؤولو البلاد لشعوبهم المطيعة. فالجميع يعرفون التضحية لكن هناك مَن يضحّي لك، وهناك مَن يضحي بك…
قام وزير صحة بزيارة مصحّة للأمراض العقلية وسأل المدير: كيف تُميّزون العاقل من المجنون في هذه المصحّة، فمن الممكن أن يتهم الناس عاقلاً بالجنون ويرسلونه إلى هنا؟
فكان جواب مدير المصحّة: الأمر بسيط سيدي الوزير، نملأ هذا البانيو الذي تراه ماءً، ونضع أمام المريض ملعقة، وفنجاناً، وسطلاً، ثمّ نقول له: قُم بإفراغ هذا البانيو من الماء.
عندها قال الوزير بحماسة تسبقها فكرته البرّاقة: بالتأكيد إنّ العاقل سيختار السطل !
فقال مدير المصحّة والذي أدرك أنه سيطرد من وظيفته بعد جوابه لمعاليه: العاقل سوف يرفع سدادة البانيو، هل نختار لك غرفة خاصة، أم تجلس مع الشباب في العنبر.
هذه القصة تحاكي الكثير من الواقع المعيش في وطننا العربي، فيصعب على أمثالنا دام الله عزّكم أن يعرف الأسس أو المعايير التي يتمّ تعيين الوزراء وفقاً لها. قرارات كثيرة تتخذ وقد يكون الوزير لم يسمع بها إلّا من قبيل الصدفة، ومن القرارات التي صدرت مؤخراً تشديد الرقابة على كافة الأسواق والمحال التجارية التي تبيع الألبسة المستعملة البالة وضبطها ، وبعد الغضب الذي صدر من الناس على هذا القرار تبيّن أنّ القرار وقّع من معاون الوزير بالتفويض أو غيره.
طبعاً لا سبيل للإنكار أنّ بعض الوزراء يستحقون مناصبهم التي هم فيها، ولكنّ اللافت في عمل الوزارات أنّهم يضعون الرجل المناسب في المكان غير المناسب فتقسيم الحقائب الوزارية في الآونة الاخيرة يتم على أساس المراضاة بين الأحزاب أو حتّى الطوائف أو قد يكون من باب القرابة أيضاً. حدث مرة في بلد عربي أن أصبح وزير الدفاع في الحكومة القديمة وزير التربية في الحكومة الجديدة، ثمّ ما لبث أن أصبح وزير زراعة! لنفترض أنّ هذا الوزير كان مختصاً في التربية، فما علاقة الدفاع والزراعة بمجال اختصاصه؟ لهذا لا يُستغرب إذا اجتمع بنقابات المزارعين ومسؤولي الاستيراد والتصدير الزراعي ومزارع الدواجن أن تكون اقتراحاته لحل المشاكل كاقتراح وزير الصحّة أعلاه لإفراغ البانيو !
بالإضافة إلى أنّه في دول بوليسية لا يمكن لوزير أن يتخطّى ضابطاً مهما كانت رتبته، وهكذا تضيع الجهود سدى، لأن الأمن فوق كلّ اعتبار ولو كانت الوزارة لا تمس الأمن أساساً، ولكننا في بلاد من السهولة أن تتهم حلقة تحفيظ قرآن أو أناشيد دينية بأنها منبت إرهاب ولو كانت تحت رعاية وزارة الأوقاف! يبدو أنّ غياب التخطيط هو ما أودى بنا إلى هذا الواقع المزري.
صباح برجس العلي