باسيل يقرأ في «هلسنكي»؟
روزانا رمّال
كشف مصدر متابع لمسار التأليف الحكومي لـ«البناء» عن أن مسألة التعطيل ككل تقف عند حساب واحد يترجم «بخشية» من أغلب الأطراف التي أرادت إثبات حضورها بعد الانتخابات الأخيرة وحجز أماكن للمرحلة السياسية المقبلة المختلفة تماماً عن كل سابقاتها، حسب الإشارات الدولية نحو لبنان. الخشية تكمن بعدم الاستعداد بالاعتراف بالتغيّر الذي طرأ على ميزان القوى الإقليمي والدولي، خصوصاً ما يتعلق بالأزمة السورية التي صارت قيد الحسم في ما يتعلّق بصيرورة عمل رسمي سوري لبناني في ملف النازحين. وفي هذا الإطار يبدو الوزير جبران باسيل أكثر قارئي المشهد الإقليمي المتحوّل نحوه ونحو حلفائه بالأحرى، أكثر مَن يعمل على الاستفادة من هذا المتغيّر باعتبار أن نتائج الانتخابات النيابية أتت لصالحه وصالح من يؤيده. وهو بيت قصيد أغلب التهم التي تصيب مساعي التعطيل عند باسيل. ويختم المصدر «من الطبيعي أن يطالب باسيل بما يوحي تكبيراً للحصة، باعتباره راغباً بترجمة نتائج الانتخابات بمجموع يعطيه وحلفاءه بوجه خصومه لحظة تمكّنهم من الوقوف عند هذه الحقيقة. فوحدهم مَن يتهمونه بالتعطيل هم الذين لا يرغبون بالإقرار بتغير ميزان القوى بعكس سياسات خاضوها لسنوات. وعلى هذا يصبح الكباش الحكومي بين عدد حصص وعدد وزارات ضمن تخريجة حكومة الوحدة الوطنية الأكثر ضماناً لعدم كشف المتغير الكبير الذي يشبه ذلك الذي واجهته قوى 8 آذار عشية انتخابات 2005 و2009 في برلمان وحكومات كرّست الهوية السياسية لتلك المرحلة بشكل تلقائي لصالح فريق 14 آذار. فهل مَن يعترف اليوم بالتغيير؟».
هذا الكلام الذي يبدو واقعياً باتجاه الخروج من دائرة الحساب المحلي رافقه موقف لافت للوزير باسيل يكاد يعلن فيه «انتصاراً غير مباشر على الأفرقاء» المحليين، وذلك خلال نشاط تنظيمي في كسروان قال فيه إن لبنان يتحمّل تداعيات الازمة السورية منذ نشوئها العام 2011. وهو جزء من هذا الحصار الاقتصادي الذي فُرض على المنطقة، حيث أقفلت حدوده البرية، تحمّل سبع سنوات عبء هذا النزوح وحتى اليوم وحده التيار الوطني الحر يرفع الصوت عالياً… لكن الأهم في كلام باسيل كان استناده الى نتائج قمة هلسنكي التي جمعت الرئيسين الأميركي والروسي فيما شكل حدثاً دولياً من العيار الثقيل نسبة للمواقف التي فاقت التوقعات ليستشهد بها قائلاً «إن أولى نتائج قمة ترامب وبوتين كانت أن روسيا أعلنت عن افتتاح مكتب ومركز لعودة النازحين السوريين ولمساعدتهم وأعانتهم لعودتهم الى بلادهم». وكأن باسيل يرغب بلفت أنظار المعطلين الى ان ما قاله بوتين أتى على مرأى ومسمع من الرئيس الأميركي وأن ذلك لم يعد يحتاج لموافقة الأميركيين الذين أيدوا بلسان ترامـب إيجـاد حل للأزمة السورية إنقاذاً لآلاف الأرواح.
بوتين الذي سمّى لبنان والأردن والبلدان التي تحتمل اكثر من طاقتها بالاسم تحدّث ايضاً عن أهمية عودة النزوح على مسمع من ترامب أيضاً تحسباً لموجات جديدة من الهجرة نحو أوروبا. وكل هذا يعني حسم الملف بين الرجلين بالكامل، حتى بدون ربط حل اللاجئين بالحل الكامل للازمة السورية. وهو أهم نقطة ارتكاز يتسلح بها باسيل الذي بدأ بمطالعته باتجاه هذا الأمر قبل الدخول بالانفراجات الميدانية الكبرى للأزمة السورية، معتبراً أن لا داعي لربط العودة بالحل طالما ان هناك أراضي آمنة.
يعمل التيار الوطني الحر اليوم على تشكيل لجان أهلية تؤمن العودة الآمنة والسليمة كي يشعر السوريون أن اللبنانيين كما احتضنوهم في نزوحهم من سورية، يحتضنونهم مجدداً ويسهّلون عودتهم الى بلادهم. وهذا الشيء سيتابع كل أسبوع. وستبدأ الآلاف بالعودة من لبنان الى سورية. وهذا يكون «نصراً» جديداً تحقق للبنان ولسورية والتيار الوطني الحر هو الوحيد الذي رفع الصوت عالياً. وهو حتى اليوم يحمل هذه القضية، ليقول لنا إننا سنبقى مؤمنين بقضيتنا. هكذا يختم باسيل كلامه عن الملف الواضح بالنسبة لتياره، لكن المدير العام للأمن اللواء عباس إبراهيم خرج ليعزّز هذا الكلام بإعلانه أن «دفعتين من النازحين السوريين ستعودان إلى سورية في الأيام القليلة المقبلة الأولى من عرسال وتضم نحو ألفٍ، والثانية قد تكون من منطقة شبعا».
ومع انتظار باسيل الموقف الكبير من الرئيسين الأميركي والروسي ومؤشرات قمة هلسنكي التي يبدو أنه انتظرها ليقرأ فيها «صواب رهانه» لا يبدو أنه بصدد التراجع، بل إن موقفه سيزداد تمسكاً بفكرة العودة غير المشروطة بالحل النهائي للأزمة السورية، لكن هذا لن ينسحب على ملف اللاجئين بل أيضاً على فكرة «تراجعه» في مطالبته بحصص حكومية صار يرى أن الفريق الآخر خسر إمكانية التمسك بها لصالحه وصالح حلفائه الذين يمكنهم اليوم التنعم بهذا المتغير. وما كلام رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع الذي أكد فيه أن أحداً غير الحريري لن يشكل الحكومة والذي ضخّ جرعة دعم من خلاله للرئيس المكلف «المطعون» مسبقاً بمقدرته على ضبط الامور حكومياً، إلا ترجمة لهذا الزخم الذي ينطلق منه باسيل استناداً إلى قراءة سياسية واضحة لمتغيرات محلية انتخابية وإقليمية تصبّ لصالح فريقه.
باسيل يقرأ في «هلسنكي» والبقية مدعوّون.