«نيويورك تايمز»: «بي دي إس» فنية… فنانون ألمان يقودون حملات مقاطعة «إسرائيل»؟
قرر مهرجان فنّي كبير في ألمانيا أن يُخرج فرقةً فنيّة من المهرجان بسحب دعوته لها ليشتعلَ لغط لا دخلَ له بموسيقى المجموعة وفنّها، وإنما بحساسيات تعيشها ألمانيا ما بعد الحرب العالمية الثانيّة. حساسيات تجاه اليهود والصهيونيّة ودولة «إسرائيل». في هذا التقرير المترجم تقوم ميليسا إدي مراسلة صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية في برلين مع الصحافي أليكس مارشال باستعراض سريع لقضايا سياسية كدعم مقاطعة «إسرائيل»، وتأثيرها على الفن في ألمانيا، البلد المُحمّل بماضٍ حسّاس تجاه اليهود.
قلقٌ ألماني
اكتسبت فرقة الراب الاسكتلندية «الآباء الصغار» ثناءً نقدياً لمزجهم بين الهيب هوب وأسلوب الإلكترونيكا الموسيقي والإنجيلي. فازوا بالجائزة البريطانية المرموقة ميركوري لألبوم العام، وعروضهم الفنيّة تحت الطلب في أوروبا بحيويّتها وجوّها الرائق.
تدعم الفرقةُ علنياً حركة مقاطعة «إسرائيل» بي دي أس اختصاراً لـ«المقاطعة، وسحب الاستثمارات، وفرض العقوبات» على «إسرائيل». «بي دي أس» تطالب الشركات والناس بتجنب التعاون مع «إسرائيل» احتجاجاً على معاملتها للفلسطينيين. ولكن السياق في ألمانيا مختلفٌ تماماً: فالمناداة بمقاطعة «الدولة اليهودية» تحملُ في داخلها ارتباطاً تاريخياً بالنازيّة، ولذا يُرى الحراك على نطاق واسع كحراك مُعادٍ للساميّة.
خلافٌ متنامٍ حول حراك المقاطعة يمتدُ نحو المشهد الثقافي الألماني مع ازدياد الهجمات على اليهود في ألمانيا، ووقوع «إسرائيل» تحت ضغط قتلها للمتظاهرين الفلسطينيين على حدود قطاع غزّة. بسبب هذا الخلاف انقسمت مهرجانات فنية وموسيقية كان هدفها تعزيز الحوار الثقافي، بل أجّج الخلاف عداوةً بين عمدة مدينة ميونخ وَ«روجو واترز» من فرقة «Pink Floyd»، الفنان المحبوب في ألمانيا.
يروي التقرير ما يحصل الآن في ألمانيا: العمدة يخوضُ سجالاً مع الفنان واترز المحبوب بسبب «أمسية الجدار» التي أدّاها بعد سقوط جدار برلين. نشرَ العمدة تصريحاً على موقع المدينة مدفوعاً بالقلق من عرض ووترز الأخير في ميونخ، انتقدَه فيه على ملاحظات أبداها في الأعوام الماضية. اتهمَ العمدةُ الفنانَ بدعمه لـ«حملات المقاطعة المُعادية للسامية ضد «إسرائيل»، مُتوهماً وجود «لوبي يهودي غير عادي»، وراسماً مقارنةً بين الوضع السياسي في «إسرائيل» والجرائم النازية التي لا نظيرَ لها ضد اليهود في أوروبا».
مُحامي الفنّان واترز طلبَ خطياً من العمدة أن يسحب تصريحه قائلاً: «مُوكَّلي ناكف سياسة «إسرائيل» مراراً وتكراراً، وكان يدعو لأعوام عدّة إلى احترام حقوق الإنسان للجميع. لم يتحدث في أي وقت بشكل مسيء لليهود، ولن يُصرّح بشيء من هذا القبيل».
انتقاد «إسرائيل» مُعاداةٌ للساميّة؟
يُتابع التقرير حديثه عن بي دي أس، مُشيراً إلى أنّ حراك المقاطعة معروفٌ بإثارة المواجهات في حرُم الكليّات في الولايات المُتحدة، وبـ«إجبار» الفنانين على الوقوف في جانب دونَ الآخر. الآن وبدعم فنانين بريطانيين يرتفعُ سهم الحراك في ألمانيا، حيثُ عانى لجذب الانتباه.
عمر البرغوثي، أحدُ مؤسسي بي دي أس، قالَ في بريد إلكتروني: إن قرار المهرجان الفني بسحب دعوته للفرقة، بعدَ طلبه منهم أن يتخلّوا عن موقفهم من الحراك، يَعني «رقابةً» عليهم. هذا القرار اتُخذ بعد ردود أفعال من ممثلين آخرين أظهروا حساسية القضية.
يتلقى المهرجان مثل كثير من الفعاليات الثقافية غربَ ألمانيا تمويلاً حكومياً من الحكومة التي تشجب الحراك على مستويات مختلفة. الدعم الرسمي لـ«إسرائيل» أمرٌ لا يُناقش في ألمانيا ما بعد الحرب. في 2016، مرَّرَ حزب المستشارة أنجيلا ميركل، اليميني الوسطي، قراراً يعتبر أن «بي دي أس تروّج لمعاداة السامية على أنها مُعاداةٌ للصهيونية، حتى لو كانت هذه الدعوى مُقنعةً برداء القرن الحادي والعشرين، كرهُ اليهود يظلُّ كرهاً لليهود».
كلاوس ليدرر، وزير الثقافة، من حزب «اليسار» المُتطرّف، قال في تصريح عبر البريد الإلكتروني للصحيفة أن قيادة بي دي أس تنشر «الكذب والحقد المطلق»، ويؤكد أن أياً كان من يروّج لحملات المقاطعة «يجب أن يُسمى بمعادٍ للساميّة، وأن يستعد للتعامل مع مقاومتنا الثابتة». تنكر الحركة تُهم معاداة السامية قائلةً أنها تحتجُ على «السياسات الإسرائيلية»، وليس على اليهود. وتشير إلى وجود مُتابعين يهود داخل الحراك.
تقولُ شتيفاني شيولار- شبرينغورم، رئيسة مركز أبحاث معاداة السامية في جامعة برلين التقنيّة: إن دعوات مقاطعة «إسرائيل» في ألمانيا تستحضرُ الدعوة الشبيهة التي انطلقت عام 1933 كدعوة وطنيّة لمقاطعة أعمال اليهود وتجارتهم، حين رُسمت نجمة داود على نوافذ المحلّات اليهودية. «المقاطعة في ألمانيا وجهٌ صعب من وجوه الاحتجاج»، تتابع شتيفاني: «تاريخياً لهذه الدعوة رنين مختلف تماماً، ببساطة كأولى خطوات النازية ضد أقلية إثنية. ولذا فالمقاطعة ببساطة غير مقبولة».
قرار مهرجان «ruhrtriennale» بدعوة الفرقة كان غريباً منذ البداية، بما أن موقفها من «إسرائيل» مُعلن منذ وقت طويل. في العام الماضي انسحبت الفرقة من مهرجان «ثقافةُ البوب» في برلين بعد أن علموا أن السفارة «الإسرائيلية» تقدم دعماً مادياً لفنانين «إسرائيليين» يقفون في صفّها. عدّة فنانين انسحبوا لنفس السبب مُنذرين بما قد يحصل حين يُلغي المهرجان حضور الفرقة في هذا العام.
صرَّح المهرجان في بيان له في 13 حزيران الماضي أنّه لا يعتبر الفرقة ولا انتقادَ السياسات «الإسرائيلية» مُعادياً للسامية. و«على كل حال ينأى المهرجان بنفسه عن كافة أشكال بي دي أس، وترجو أن لا يكون هنالك أية روابط مع الحملة»، حملة المقاطعة.
تهديدٌ فنيّ
بعيداً عن صياغة البيان المُنمقة، ستّة ممثلين، بما فيهم فنانون لبنانيون، انسحبوا من المهرجان مُعلقين على حرية التعبير. وهدّدت لوري أندرسون، الموسيقيّة والفنانة الأميركية، بالانسحاب. وقالت في بريد إلكتروني لها: «لدي مشكلة كبيرة مع أن أكون جزءاً من مهرجان يطلبُ من الفنانين أن يفصلوا أنفسهم عن قناعاتهم والتزاماتهم، مهما كانت».
أمام خطر خسارة فنانٍ أساسي مثل لوري ومن المحتمل فنانين آخرين أيضاً قلبَت مديرة المهرجان، ستيفاني كراب، الدفّة نحو الاتجاه المُعاكس، مُعلنةً في 21 حزيران أنها طلبت من الفرقة أن تنضم مرةً أخرى إلى التشكيلة، مع التأكيد على أنها لا «تشاركهم موقفهم تجاه بي دي إس». وعلى موقع المهرجان صرَّحت ستيفاني: «أؤمن أننا نحتاج لإتاحة المجال لمنظورات وروايات مختلفة».
رفضت الفرقة العرض الجديد كما يقول جيمس ستانسون، مدير أعمالها، الذي قال في مقابلة هاتفية أنهم شعروا بعدم الارتياح للعودة إلى فعالية رفضتهم. واعتبرَت الفرقة في تصريح سابق أنَّه «خطأ وظالم بشدّة» أن يطلب «المهرجان منّا أن نُبعد أنفسنا عن مبادئنا لحقوق الإنسان كي يُسمح بظهورنا» في الفعالية. لن تنفّذ الفرقة أي فعالية في ألمانيا تتلقى دعماً حكومياً في المستقبل المنظور، كما يقول ستانسون، لاحتمال وقوع نفس المشكلة. النزاع حول البي دي أس قد انطلق بالفعل.
مهرجان في مدينة أوسنابروك الشمالية الغربية رفض دعوات لمنع سامر الظاهر، منتج موسيقى إلكترونية سوريّ، من المشاركة كعازف دي جيه. مجموعة من المُحتجين قالت إن الظاهر دعمَ البي دي أس. وفي تصريحٍ للمهرجان أنكرَ الظاهر اتهام كونه عضواً في الحراك، وأضافَ على كلامه مدير المهرجان أنَّ «المساواة بين انتقاد سياسات «إسرائيل» ومعاداة السامية تبسيطٌ وخَطير». وفي برلين قالَ عدّة فنانين يدعمون حراك المقاطعة أنهم لن يشاركوا في مهرجان ثقافة البوب لهذا العام في آب.
ولكن حتى الآن لم ينسحب أيّ فنان ألماني. أنطون تايخمان، الذي يُدير شركة تسجيل من برلين ولديها عرض في الاحتفال قال إن الفنانين الألمان يجدون صعوبة في التحدث علناً عن هذه القضية. وفي بريد له أضاف: «يُفترض في الموسيقى أن تجمع الناس، وللأسف أصبحت الآن مرتبطةً باتخاذ موقف».