موسكو تضع عودة النازحين في خطة للتفاوض مع واشنطن… وللبنان نصيب الحريري من مدريد يرى الحكومة قريبة… والجميع في بيروت يراها سراباً

كتب المحرّر السياسيّ

صعد ملف عودة النازحين السوريين إلى الواجهة الدولية، بفصله عن ملف الحلّ السياسيّ، بقوة المبادرة التي أطلقها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من منصة قمة هلسنكي التي جمعته بالرئيس الأميركي دونالد ترامب، بعدما حوّلت وزارتا الخارجية والدفاع الروسيتان التفاهم المبدئي بين الرئيسين خطة أرسلت إلى واشنطن للدراسة والتفاوض، بصورة تضمن عودة أكثر من مليون ونصف مليون نازح من لبنان والأردن، بالتوازي مع توفير خطط تمويل لإعادة إعمار البنى التحتية المدمرة في العديد من الأماكن المرشحة للعودة. وانطلقت مقدمات الخطة الروسية من جاهزية النازحين للعودة من جهة، وفقاً لما قالته الوثيقة الروسية، وجاهزية الوضع الأمني في مناطقهم التي نزحوا منها من جهة ثانية، وجاهزية الدولة السورية لاتخاذ الإجراءات السياسية والقانونية والخدمية التي تشجعهم على العودة من جهة ثالثة. وتدعو الوثيقة إلى تشكيل لجان ثلاثية روسية أميركية لبنانية، وروسية أميركية أردنية، ولا مانع من ضمّ ممثلين للمنظمات الأممية إليها، لضمان توافر المساعدات الإنسانية وخطط تجهيز البنى التحتية. وترى الوثيقة أن العودة تشكل التشجيع الأهم على الحل السياسي. وهي سبب له وليست نتيجة لتحقيقه. فالعودة تجعل التعدد السياسي تفاعلياً وإيجابياً لا عدائياً وتناحرياً. والعودة غير المشروطة بالحل السياسي تُخرجها من طابع التحدّي وتخرج التفاوض نحو الحل السياسي من صفة الابتزاز، وتتعهّد روسيا بموجب الوثيقة بضمان أمن العائدين وحرياتهم السياسية، مقابل ضمان أميركي وأممي للتعاون في إطلاق صندوق دولي لرعاية العودة وتأمين مستلزماتها.

لبنان المعني الأول بهذا التحوّل الذي يشكل انتصاراً لموقف رئيس الجمهورية ووزير الخارجية ومسساعيهما ومواقفهما الداخلية والدولية تحت هذا العنوان، تلقى كلاماً أممياً داعماً للعودة بالمفهوم اللبناني، بعدما كانت المعارضة الأممية الابتزازية موضع تصادم بين وزارة الخارجية والمفوضية العامة لشؤون اللاجئين، لكن لبنان بلا حكومة تستطيع تلقي هذا التحوّل، كما هو بلا حكومة تستطيع الاستثمار على مصالحه الاقتصادية في مرحلة ما بعد فتح الحدود السورية مع الأردن والعراق كبوابات للترانزيت اللبناني نحو العراق والخليج، وجسور لتسويق الإنتاج اللبناني، في ظل اختناق الأسواق الداخلية بفائض زراعي وتجاري يبحث عن أسواق. ولبنان يعيش لعبة مزايدة في الموضوعين المرتبطين بالانفتاح على التعاون مع الحكومة السورية بفعل ارتهان بعض قادته لحسابات خارجية وأحقاد لا تخصّ الشعب اللبناني ولا مصالحه. ويتمسك بعض سياسييه على سبيل المثال بالحديث عن القانون رقم 10 في سورية كعائق أمام العودة، رغم أن الرئيس الأميركي قبل التفسير الذي قدّمه الرئيس الروسي للقانون كما قبله رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري وطلب من الرئيس بوتين حثّ الدولة السورية على شرح القانون وتبديد الهواجس حوله، بينما لا يزال القانون قميص عثمان يبرّر به البعض مواقفهم العدائية.

فيما تتراكم من حول لبنان الفرص التي تهدّد بتحولها فرصاً ضائعة، تتعقد مساعي تشكيل الحكومة، بحسابات قالت مصادر متابعة إنها لا تتصل بمعارك افتراضية على رئاسة الجمهورية المقبلة، ولا على ملفات إقليمية بدأت التحولات الدولية بتسخيف الرهان على المكابرة لمنعها كملف النازحين والانفتاح على الحكومة السورية، ولذلك تقول المصادر إن القطبة المخفيّة في مكان آخر. وهو السعي لتأمين ثلث معطل لمنع تعديل قانون الانتخاب بصورة تعزّز التعددية في قلب الطوائف والمناطق، حيث تتلاقى مصالح تيار المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي والقوات اللبنانية، على منع تعديلات على قانون الانتخابات تسمح للمقترعين بالانتخاب من أماكن إقامتهم واعتماد البطاقة الممغنطة. وهي إجراءات تفيد القوى التي لا تملك بلوكات جاهزة للتحميل إلى صناديق الاقتراع، وتعتمد على شعبية عائمة وهلامية، تمنعها كثيراً الأوضاع المغلقة السائدة في مناطق الاقتراع من المشاركة. واللافت على المسار الحكومي أن الرئيس المكلف سعد الحريري أطلق من مدريد توقعاته برؤية قريبة للحكومة الجديدة، بينما كان إجماع في بيروت أن لا جديد يفسر هذا التفاؤل، وأن الوعد بالحكومة لا يزال سراباً.

في لبنان، كما في المنطقة انشغال بالقانون الذي أقره كيان الاحتلال حول الهوية اليهودية لكيانه، مؤكداً بخطوة جديدة تعقب اعتماد القدس عاصمة له، ابتعاده عن خيارات التسوية، وإغلاقه فرص التفاوض، في ما الحرب على غزة بين التصعيد ومساعي الهدنة، والمقاومة تردّ وتقتل ضابطاً في جيش الاحتلال، والمواقف العربية والفلسطينية المندّدة بالقانون الصهيوني الجديد، لقيت مثلها في لبنان، حيث صدرت بيانات عن حزب الله وحركة أمل والأحزاب الوطنية، وتيار المستقبل ونواب التيار الوطني الحر، بينما أعلن الحزب السوري القومي الاجتماعي موقفاً متكاملاً من القانون ربطه بعنصرية كيان الاحتلال والدعوة لإعادة الاعتبار للقرار الأممي بتصنيف الصهيونية كشكل من أشكال العنصرية، معتبراً أن القانون يشكل إعلاناً لحرب إبادة بحق الشعب الفلسطيني، خصوصاً في المناطق المحتلة عام 1948، داعياً للاستثمار على خيار المقاومة كشكل وحيد للرد على هذا التحدي المصيري والتاريخي.

«القومي»: قانون الدولة اليهودية امتداد للقوانين العنصرية

أكد عميد الإعلام في الحزب السوري القومي الاجتماعي معن حمية أنّ «إقرار الكنيست الصهيونية لما يُسمّى بقانون «الدولة القومية اليهودية» هو امتداد لقوانين عنصرية مماثلة، لا سيما ما يُعرَف بقوانين العودة وأملاك الغائبين وغيرهما، وكلّها تمثل النهج العنصري الاستيطاني الذي يعتمده العدو الصهيوني منذ احتلاله فلسطين. ولذلك فإنّ مواجهة هذا النهج الصهيوني العنصري الإجرامي، لا تتمّ بمواقف الإدانة والاستنكار وحسب، بل بخطوات جادة وعملية، وحراك واسع النطاق، وخطة للمواجهة ترتكز على حق الفلسطينيين الثابت بالمقاومة سبيلاً وحيداً لتحرير فلسطين، كلّ فلسطين».

وأشار حمية في بيان إلى أن «القانون» «الإسرائيلي» المذكور، يشكل تحدياً صارخاً للمواثيق الدولية التي تؤكد حق الشعوب في مقاومة الاحتلال وحق تقرير المصير، فإنه أيضاً يشكل تهديداً وجودياً للفلسطينيين إذ يطلق مرحلة جديدة من العدوان الصهيوني عن طريق تنفيذ جرائم الإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين بهدف الوصول إلى «الدولة القومية اليهودية» المزعومة!

واضاف: «أنّ ما قام به الاحتلال الصهيوني، هو إعلان حرب إبادة جماعية ضدّ أبناء شعبنا، والمسؤولية عن هذا الإعلان تتحمّلها الولايات المتحدة الأميركية والدول التي اعترفت بالقدس عاصمة لكيان الاحتلال، والمسؤولية الأكبر تقع أيضاً على كلّ الدول المشاركة في مخطط تصفية المسألة الفلسطينية من خلال «صفقة القرن»، وعلى وجه الخصوص عرب التطبيع الذين أخرجوا علاقتهم مع العدو الصهيوني من السرّ إلى العلن».

ولفت الى أنّه «أمام هذا التحدي الخطير، نجدّد تأكيد أهمية التمسك بالثوابت والخيارات النضالية دفاعاً عن شعبنا وأرضنا، والتمسك بحق شعبنا في مقاومة الاحتلال والعنصرية ومخططات الاستيطان والتهويد، وضرورة أن تتوصّل كلّ القوى والفصائل الفلسطينية إلى برنامج موحّد مرتكز على ثوابت الحق ومسار نضالي عماده المقاومة وخوض مواجهة مفتوحة ضدّ كيان الاحتلال الصهيوني العنصري الذي دخل مرحلة الإجهاز على المسألة الفلسطينية بهدف تصفيتها نهائياً».

وتابع: «إنّ إعادة الاعتبار لخيار الكفاح المسلح في الصراع المصيري ضدّ العدو الصهيوني، عدو فلسطين والأمة، يُعيد المسألة الفلسطينية إلى الصدارة، ليلتفّ حولها مجدّداً أبناء شعبنا والشعوب العربية التي غرق بعضها في وحول «الربيع العربي» المتأسرل».

ما هو مطلوب اليوم، ليس فقط إطلاق مواقف تدين الاحتلال الصهيوني وعنصريته وإجرامه، بل آليات للمواجهة، وحشد للطاقات، وبذل للجهود، وخطاب متحرّر من كلّ مفاعيل الاتفاقات والتسويات التي جلبت المزيد من الويل على فلسطين والفلسطينيين.

وقال: «في ظلّ وقوف الولايات المتحدة والغرب إلى جانب «إسرائيل»، فإنّ المطلوب أيضاً، تحرّك باتجاه الأمم المتحدة والمنظمات الدولية لتتحمّل مسؤولياتها حيال ما يتهدّد شعبنا وقضيتنا، ودعوة الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى تثبيت قرارها رقم 3379 بمساواة الصهيونية بالعنصرية واعتبار الصهيونية شكلاً من أشكال العنصرية والتمييز العنصري. وهو القرار الذي تمّ إلغاؤه في العام 1991 في بداية مرحلة التفرّد الأميركي بالهيمنة على العالم».

واعتبر عميد الإعلام في «القومي» أنّ «الإعلان «الإسرائيلي» المتمثل بما سمّي قانون «الدولة القومية اليهودية»، يحتّم على شعبنا المواجهة، وعلى الشعوب العربية أن تتحرّك وتضغط، وعلى العالم أجمع أن يتحمّل مسؤولياته، فالصهيونية العنصرية إرهاب، والإرهاب خطر على الإنسانية جمعاء».

باسيل: سنكون أكثر تصلباً في حقوقنا

وإذ لم يخرج مسار تأليف الحكومة من دائرة المراوحة، أصرّ الرئيس المكلف سعد الحريري الموجود في مدريد على تفاؤله بولادة حكومية قريبة، إلا أن أي خرق لم يسجل أمس، على صعيد العقدتين المسيحية والدرزية وسط ارتفاع جدار المواقف ومزيد من تصلب القوى السياسية لا سيما من الحزب التقدمي الاشتراكي والقوات اللبنانية والتيار الوطني الحر مع إعلان رئيسه الوزير جبرن باسيل أمس، «اننا سنكون أكثر تصلباً في كل معركة سياسية تمس دورنا السياسي الذي قاتلنا كثيراً من أجل استرداده».

وما يزيد الوضع تعقيداً هو الأصوات العونية التي بدأت تخرج الى العلن التي تتوجه بالعتب على تيار المستقبل بأنه لم يبادل التيار الحر الوفاء بالشأن الحكومي بعد وقفته مع الرئيس سعد الحريري في أزمة 4 تشرين الثاني الماضي، ومقارنة موقف المستقبل بموقف حزب الله الذي بادل العونيين الوفاء بانتخابات رئاسة الجمهورية. ما يعكس تباعداً سياسياً بين التيارين البرتقالي والازرق بدا يطفو على سطح الخلاف الحكومي. فعن أي حكومة يتحدّث الحريري؟ وأي معطيات يستند عليها وعلى ماذا يراهن؟

«المستقبل»: لن نتنازل عن الموقع والصلاحيات

أوساط قيادية في تيار المستقبل تصف الكلام المنقول عن التيار الحرّ بكلام «نسوان الفرن» وليس كلاماً سياسياً مسؤولاً، «لأنّهم يعرفون أن لبنان بلد التوازنات ولا يستطيع الرئيس المكلف تحديد أحجام الأطراف السياسية ولا يستطيع ايضاً التبرّع من كيسه لإرضاء كافة الكتل النيابية»، وإذ رفضت الدخول في سجال مع التيار الحر، شدّدت الأوساط المستقبلية لـ«البناء» على أن «الحريري يسعى قدر طاقته الى تأليف حكومة تحقق الاستقرار السياسي وتواجه الأزمات الاقتصادية وتنجح العهد بعيداً عن العنتريات والكلام الذي يزيد منسوب التوتر»، وردّت على الوزير باسيل بالقول: «التصلّب لا ينفع في بلد كلبنان وإذا استطاع رئيس التيار تأليف حكومة وحده فليفعل. الدستور واضح».

وعن حصة رئيس الجمهورية لفتت الأوساط الى أن «لا الحكومة ولا الحصص ملك لرئيسي الجمهورية والحكومة، إذ إن لا الدستور ولا الاعراف تمنح رئيس الجمهورية 5 وزراء»، موضحة أن في الحكومات السابقة مُنِح رؤساء الجمهورية 3 وزراء فقط لأنهم لم يملكوا حزباً سياسياً وكتلة نيابية كبيرة كحال الرئيس ميشال عون اليوم، مضيفة: «يمكن أن يتنازل رئيس الجمهورية عن حصته الى 4 وزراء»، وتضيف الأوساط «لم تعد القضية تنازل الحريري بل موقع وصلاحيات رئاسة مجلس الوزراء ولن نتنازل عن حقوق دفعنا ثمنها كثيراً منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري»، ولفتت الى أن «الحريري يراهن على صبره وسعة صدره وقدرته على تدوير الزوايا وعلى يقينه بأن الكتل ستخفض مطالبها وشروطها في نهاية المطاف».

وعن موقف الحريري من العقدة الدرزية وتوزير النائب طلال ارسلان، لفتت الى أن «حل العقدة الدرزية تكون بتوزير أرسلان لكن بموافقة جنبلاط».

وإذ أكدت الأوساط تمسك فريق 14 آذار بالثلث المعطل في الحكومة، لاحظت بأن «المستقبل بات أقرب الى القوات من التيار الحر، لأنها تتمسك فعلياً باتفاق الطائف، لكننا متمسكون أيضاً بالتسوية مع الرئيس عون». ولفتت الى أن»تحديد مهلة للرئيس المكلف خرق للدستور ويندرج في إطار التهويل لأن أي أمر من هذا النوع يحتاج الى تعديل دستوري غير ممكن الآن، موضحاً أن «تيار «المستقبل» منفتح على كل بحث دستوري، وبالتالي أي تعديل يجب ان يُدرس داخل مجلس النواب بعد أن تتألف الحكومة». لكن مصادر رأت في كلام المستقبل مناورة، إذ أن أي تعديل دستوري يحتاج الى موافقة ثلثي الحكومة. الأمر غير المتوفر في الحكومة العتيدة في ظل نيل فريق 14 آذار الثلث المعطل».

وأكد الرئيس الحريري «ان تشكيل الحكومة بات قريباً، وشدد على أهمية احترام التوافق بين معظم المكونات والأحزاب بسبب التنوع والتعددية في لبنان. وقال خلال لقائه صباحاً عدداً من الطلاب اللبنانيين في جامعة IE لإدارة الاعمال في مدريد «لا يمكن تشكيل حكومة على قاعدة اكثرية وأقلية، وقد جربنا هذا الأمر في الماضي ولم ننجح، لذا فالتوافق هو الحل الوحيد في البلد».

خرق للهدنة بين التيار والقوات

الى ذلك سجل يوم أمس، خرق للهدنة بين التيار الحر والقوات اللبنانية، وذلك بعد تراشق إعلامي بين رئيس القوات سمير جعجع وباسيل أمس الأول، ورد وزير العدل في حكومة تصريف الأعمال سليم جريصاتي على جعجع، وقال عبر «تويتر»: «كم تجنٍ يرتكب باسمك أيتها الهدنة. مشكلتكم مع جبران أنه دخل في الوجدان الوطني والمسيحي بالموقف الحازم من القضايا المصيرية وبالشرعية الشعبية الأقوى. هذه العقدة لا حلّ لها عند جبران، لأنها لم تعد ملكه».

في المقابل، أفادت مصادر إعلامية نقلاً عن أوساط في القوات: أن «هجوم جعجع على باسيل جاء بعدما خرق باسيل اتفاق التهدئة الذي أتى به اجتماع الديمان»، وشددت على أنه «لا حديث مع باسيل بعد اليوم، لأنه لا يريد ذلك وعليه أن يتحدث مع رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري لأنه يعلم مطالبه».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى