أردوغان يقلق من قمة هلسنكي ويلغي حالة الطوارئ…
د. هدى رزق
كانت القمة بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الأميركي دونالد ترامب في هلسنكي مثار اهتمام في تركيا. حيث ركزت أنقرة على ما يمكن أن تنتجه القمة لسورية. فأنقرة تعي أنّ مجرد اشتراط واشنطن الحدّ من نفوذ إيران في سورية مقابل مغادرتها الأراضي بعد تراجعها عن دعم مقاتلي المعارضة، أمر يزيد من مخاوفها لما يمكن أن يحمله الاتفاق من بنود غير معلنة تطال الأكراد.
تريد تركيا القضاء على مقاتلي وحدات حماية الشعب الكردية المدعومين من الولايات المتحدة في شمال سورية ومنع كيان كردي مستقلّ أو حاصل على لامركزية إدارية. وتزيد بوادر اتفاق الرئيس السوري مع الأكراد في المناطق التي تسيطر عليها حالياً وحدات حماية الشعب من مخاوف أنقرة. التي تخشى من كلّ تقارب دولي روسي أميركي، لأنها تعتقد انّ الأطراف الإقليمية هي المعنية بالحلّ أكثر من روسيا وأميركا.
أجرى أردوغان محادثة هاتفية مع ترامب مباشرة بعد قمة هلسنكي وسعى إلى الاتصال ببوتين للقاء معه. تريد الولايات المتحدة احتواء إيران، أما روسيا فما يهمّها هو استعادة الأراضي السورية إلى الدولة وتثبيت قواعدها.
القضية الكردية هي الأهمّ بالنسبة إلى تركيا باعتبارها أهمّ بند في جدول أعمالها الآن، لا سيما أنّ الحرب في سورية هي في طور البحث في النهايات بعد الهزيمة التي تلقاها ما يُسمّى «الجيش الحر» المدعوم من تركيا في الجنوب. بالنسبة لأنقرة فإنّ مشكلتها الكردية في سورية لا تزال من دون حلّ.
أما نداءات موسكو لتركيا من أجل تسليم المناطق التي احتلتها من وحدات حماية الشعب في شمال سورية إلى سورية، فهي تسبّبت في إثارة الانزعاج في أنقرة. لا سيما أنّ روسيا تدعم مشاركة الأكراد في أيّ دستور مستقبلي لسورية. ويدرك المسؤولون الأتراك أنّ واشنطن وموسكو لا تشاركانها مخاوفها بشأن وحدات حماية الشعب والكرد السوريين.
ومع تصريحات لافرنتيف دعم مشاركة الأكراد في اللجنة الدستورية السورية بعد اجتماع لمسؤولين روس وإيرانيين في جنيف في يونيو/ حزيران الماضي. حاولت تركيا اختيار أسماء صديقة للأتراك لتمثيل الأكراد في المحادثات من أجل الدستور السوري الجديد.
من جهة أخرى انزعجت تركيا من تحذير روسيا لـ «الجيش الحر» من أنّ إدلب في الشمال ستكون الهدف التالي للدولة السورية في أعقاب عملياته الناجحة في الجنوب. في الوقت الذي تنتشر فيه القوات التركية في إدلب في مناطق خفض التصعيد المتفق عليها من قبل روسيا وإيران وتركيا.
تخشى أنقرة من تدفق اللاجئين من المنطقة وانتقال المسلحين إلى الداخل التركي.
كما أنّ تركيا، أنفقت على عملياتها في سورية درع الفرات وغصن الزيتون مبالغ ساهمت في زيادة العجز في الموازنة، لكنها تواجه اليوم احتمال تقاسم الحدود مع الدولة التي عملت منذ 7 سنوات على إسقاطها، ويمكن أن يكون هناك احتمال مشاركة الحدود مع الأكراد. يخشى اردوغان أن ينعكس الأمر على دعم القوميين له فيفقد إنجازاته بعد أن استغلّ هذه الإنجازات في دعم القوميين له في الانتخابات الرئاسية وتحالفه معهم في البرلمان.
وفيما أنهى في 19 يوليو/ تموز حكم الطوارئ الذي ساد في تركيا لمدة عامين، طرح حزبه العدالة والتنمية مشروع قانون أمني جديد قدّمه إلى البرلمان، في إشارة إلى أنه قد وعد في الواقع بإنهاء حكم الطوارئ المؤقت لكن لصالح مجموعة دائمة. التدابير المقترحة المندرجة في «مجموعة تدابير مكافحة الإرهاب» مكوّنة من 30 مادة تبشر بحكم الطوارئ غير المعلن.
واحدة من تلك التدابير تتعلق بالموظفين العموميين الذين طالتهم عملية تطهير واسعة بعد الانقلاب الفاشل، حيث استخدمت الحكومة المراسيم التشريعية لفصل ما يقرب من 130,000 موظف عمومي من دون تحقيق أو محاكمة. ستسمح المادة المقترحة بتطهير الموظفين من خلال اللجان التي أنشئت في المحكمة الدستورية ومحكمة الاستئناف ومجلس الدولة والمجلس الأعلى للقضاة والمدّعين العامين لاتخاذ قرار بشأن إنهاء عمل الموظفين العموميين المشتبه في صلتهم بمنظمات إرهابية. وستُنشأ لجان مماثلة للجيش والشرطة والجامعات والوزارات ومكاتب المحافظين. ولا يتطلّب الفصل من العمل نتائج أو أحكاماً قضائية تؤكد أنّ الشخص المعني مرتبط بالفعل بمجموعة إرهابية.
فالموظفون العموميون الذين واجهوا الطرد بعد الانقلاب، وتمّت إعادتهم الى العمل بعد التحقيق معهم من قبل لجنة خاصة لحالات الطوارئ. يمهّد الحكم الجديد لتخفيض عددهم أو حرمانهم من فرصة المطالبة بالتعويض عند فصلهم.
أما في المجال الأمني ، فستمدّد هذه المقترحات حالات الاعتقالات الجماعية. لمدة 24 ساعة إلى 48 ساعة وإلى أربعة أيام في حالات معينة.
كما يمنح مشروع القانون صلاحيات خاصة للحكام. في الحالات التي تعتبر تهديداً للنظام العام والأمن كما سيكون لدى المحافظين سلطة تقييد الحركة داخل وخارج مناطق معينة.
سيُسمح للجنود بإجراء عمليات تفتيش جسدية من دون أمر قضائي. ويمكن للسلطات حظر التظاهرات العامة.
يأتي مشروع قانون مكافحة الإرهاب على رأس أولويات أردوغان وفي ظلّ نظام الحكم الجديد في تركيا، سيكون بمقدوره إصدار مراسيم، بما في ذلك التدابير المتعلّقة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية ذات التأثير البعيد المدى. لقد كان لدى مجلس الوزراء ومن ثم البرلمان سلطة تشكيل حالات الطوارئ، لكن مشروع القانون الجديد يمنح الحكام وكبار المسؤولين الحكوميين «حالة طوارئ لا حدود لها» في التمويه. وفي الوقت الذي أعلنت المعارضة فيه حذرها من هذه الحزمة رفعت ألمانيا العقوبات الاقتصادية عن تركيا وخففت نصائح سفرها إلى البلاد، بعد أن أنهت أنقرة حالة الطوارئ التي استمرّت عامين.
وألغت وزارة الخارجية الألمانية أيضاً تحذيراً على موقعها على شبكة الإنترنت حول مواطنيها الذين يواجهون مخاطر عالية بالاعتقال عند زيارة تركيا. وهذا كان متوقعاً بعد فوز أردوغان في الانتخابات الرئاسية وتلطيف لهجته مع الأوروبيين…