الراعي: لو سلك أصحاب السلطة نهج التفاني لما كنا وصلنا إلى الأزمات التي تتآكلنا
اعتبر بطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي في عظته، خلال القداس الاحتفالي في الذكرى الأولى لتثبيت تمثال مار شربل في فاريا: أن قرار الكنيست بأن القدس هي عاصمة «إسرائيل» وأن اللغة العبرية دون العربية هي اللغة الشرعية «مشين ومنافٍ للعولمة»، ووجّه نداء «الى منظمة الأمم المتحدة لإبطاله».
كلام البطريرك جاء خلال ترؤسه قداساً احتفالياً، على قمة جبل الصليب ومار شربل فاريا، أقامته بلدية فاريا ورعية مار شليطا، شارك فيه النائب شامل روكز ممثلاً رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، النائب فريد الخازن ممثلاً رئيس مجلس النواب نبيه بري، ونواب المنطقة وفعالياتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
وأردف: نرجو أن يسلك بحسب هذا النهج أصحاب السلطة السياسية، بحيث يتحلون بالتجرد عن مصالحهم الخاصة، ويتعالون عن مكاسبهم المالية غير المشروعة وصفقاتهم وتقاسم المغانم على حساب المال العام وحقوق المواطنين، ويتفانون في خدمة الخير العام ويعملون على قيام الدولة المنتجة ودولة العدالة والقانون والمؤسسات، ويكرّسون طاقاتهم وأحزابهم وانتماءهم الديني والمذهبي من أجل تكوين الكيان اللبناني التعددي في الوحدة! فالتعددية الثقافية والدينية هي ميزة لبنان ورسالته في محيط يعتمد الأحادية في الدين والرأي والحكم. وها هي بكل أسف دولة إسرائيل التي احتلت أرض فلسطين تعلن نفسها «دولة قومية، وطناً للشعب اليهودي»، فيما الغرب يروّج لها دولة ديموقراطية. إن قرار الكنيست يعتبر أيضا أن «القدس الكاملة والموحدة هي عاصمة إسرائيل»، وأن «اللغة العبرية هي اللغة الرسمية». هذا القرار مرفوض وغير مقبول لأنه يُقصي الديانتين المسيحية والإسلامية، كما يُقصي شعبنا المسيحي بكل كنائسه الكاثوليكية والأرثوذكسية والبروتستانتية، ويقضي على القضية الفلسطينية ومسار السلام. إن لنا هناك أبرشيات ورعايا ومؤسسات وشعباً. فلا يحق للشعب اليهودي، وللدول التي تدعم قراره، التمادي في الاعتداء والإقصاء. وإنا نوجّه النداء الى منظمة الأمم المتحدة ومجلس الأمن لإصدار قرار يبطل قرار الكنيست المشين والمنافي للديمقراطية والعولمة وتعايش الأمم والشعوب، ويعيد التأكيد على القرارات الدولية السابقة ذات الشأن».
وختم الراعي: «أما في لبنان، فلو سلك أصحاب السلطة بحسب نهج التجرد والتفاني، لما كنا وصلنا إلى الأزمات التي تتآكلنا: أزمة تأليف الحكومة التي ينتظر أن تكون على مستوى التحديات الراهنة والانتظارات، وأزمة الاقتصاد المتراجع والأزمة الاجتماعية، المعيشية والسكنية والتربوية والاستشفائية وأزمة البنى التحتية ولا سيما الماء والكهرباء والطرقات وأزمة الفساد الأخلاقي والسياسي والإداري. أليس من المريب، أمام كل هذه الأزمات، أن تكون عقدة تأليف الحكومة الجديدة محصورة بتوزيع الحصص من أجل المغانم والمكاسب بدلاً من إيجاد حكومة تضم خبراء تكنوقراط يحققون الإصلاحات في الهيكليات والقطاعات كما حددها مؤتمر باريس CEDRE، ويوظفون المساعدات المالية الموعودة بين قروض ميسرة وهبات بقيمة أحد عشر مليار ونصف المليار دولار أميركي! ولئن كان هذا الكلام لا يدخل ربما عقول المسؤولين، فإنا نقوله راحة لضميرنا، ومخاطبة لضمائرهم. وهذا هو دور الكنيسة المحرر من كل مصلحة ذاتية. إننا في كل حال، نبقى جماعة الرجاء بانتصار صليب المسيح وشفاعة القديس شربل، «قديس لبنان». فنرفع نشيد المجد والتسبيح للثالوث القدوس: الآب والابن والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين».