لا تراهنوا على اختراق السويداء…
جمال محسن العفلق
استيقظت السويداء على أصوات تفجيرات الغدر والخيانة. راهن المعتدون على فكرة الصدمة وبث الرعب. خمسة تفجيرات توزّعت بين السوق المركزي وامتدّت الى الأحياء السكنية. تزامنت هذه التفجيرات مع هجوم على القرى الشرقية للمحافظة ومحاولة السيطرة على إحدى قرى طريق السويداء ـ الشام في محاولة لقطع الطريق الوحيد الرابط بين السويداء ودمشق العاصمة. إنّ نقطة انطلاق داعش هو البادية الشرقية، حيث تتمركز القوات الأميركية في التنف. ولمن لا يعلم انّ القوات الأميركية وما سمّي منذ سنوات التحالف الأميركي العربي لمحاربة داعش هي نفسها القوات التي تدعم تحركات داعش وتنسّق من خلال غرفة موك تحركات داعش والنصرة في محاولة فاشلة لفصل الجنوب السوري عن الوطن الأمّ سورية.
قد يكون أحد اهداف هذا الهجوم هو إشغال الجيش عن متابعة تحرير الأراضي في منطقة القنيطرة والحدود مع فلسطين، بعد عودة النقاط الحدودية مع الأردن وتسليم الدواعش وإخراجهم الى إدلب.
وما حدث ليس إلا محاولة فاشلة وسحابة صيف مرّت على السويداء رغم اعتقاد البعض وخصوصاً بعض القوى الطائفية في لبنان والتي ما زالت تراهن على ضمّ السويداء لما يُسمّى «الربيع العربي» وحمل السلاح ضدّ الجيش وعلى إمكانية إيجاد بيئة حاضنة للنصرة التي حاول بمرحلة ما وليد جنبلاط تسويقها على أنها حليف للدروز ومن سيحاربها سوف يُذبَح. إنّ كلّ المحاولات اليوم هي من أجل الكسب السياسي الذي يريد فرض صيغة مفاوضات القوي على الضعيف او المنتصر على المهزوم. فمن اختار هذا التوقيت اليوم يعلم تمام العلم انّ السويداء فيها ضيوف من كلّ أنحاء سورية، واستقبلت على مدار سنوات الحرب من كلّ المحافظات، وهي اليوم تعيش حالة من الاستقرار وترفض السير على طريق الدم بين الأخوة، ولكن إنْ جدّ الجدّ فأهل هذه المدينة يقفون عند حقهم ولا يتخلون عن أرضهم ولا يفرّطون بعرضهم، فمن سيفرض المعادلة السياسية اليوم هم أصحاب الأرض وليس الغزاة. لقد استطاع أهل المحافظة امتصاص الصدمة الأولى، وفور إعلان بنك الدم عن حاجته لمتبرّعين غصّ المركز بما لا يقلّ عن ألف متبرّع كباراً وصغاراً، نساء ورجالاً، داسوا بأقدامهم على الخوف غير آبهين بالموت والتفجيرات. وهذا أبسط دليل على أنّ اختراق هذه المحافظة والنيل من مواقفها هو وهم وخيال، وعلى المراهنين على المشروع الصهيوني الهادف الى صناعة الحزام الدرزي من جبل العرب الى الجليل في فلسطين أن يعلموا انّ رهانهم خاسر.
فمدينة السويداء قلب جبل العرب رفعت راية الانتماء للوطن قبل الطائفة او القبيلة. وسورية اليوم في عين السويداء كما السويداء في عين سورية. وكلّما اشتدّ العدوان الإعلامي أو العسكري على أهلها ازدادوا إصراراً على التمسّك بأرضهم والدفاع عن عرضهم.
لا ينسى أهل جبل العرب بيان القائد العام للثورة السورية الكبرى سلطان باشا الأطرش الذي أكد فيه أنّ الدين لله والوطن للجميع، وانّ مَن يراهن على الوتر الطائفي عليه أن يفهم انّ سورية طائفة واحدة وهي طائفة الوطن، ولا صوت يعلو على صوت الوطن في المحن والشدائد. لقد قدمت السويداء حوالي مئة وخمسين شهيداً، والعدد في تصاعد، وأكثر من مئة وخمسين جريحاً، وما سمعته من الناس محصور بعبارة واحدة: «لن نرحل والنصر حليفنا حتى لو اجتمع كلّ العالم علينا، فسورية مهرها غالٍ وما قدّمناه ونقدّمه اليوم فداء للوطن».
إنّ الإعلام الذي مهّد منذ ثماني سنوات، لهذه الغزوات يحصد اليوم فشله في اختراق ضمير الناس ولم يستطع الإعلام القطري والسعودي انتزاع روح المقاومة من صدور أهل سورية. فحربنا اليوم هي حرب وجود لا حرب حدود، والصراع اليوم في أوجه بين الشرّ والخير، ورغم الخيانة العربية الرسمية للشعوب العربية وللشعب السوري خصوصاً إلا أننا مؤمنون بالانتصار. فغرفة موك في عمّان والقاعدة الأميركية بالتنف التي تموّل داعش والعصابات الصهيونية وقطعان جيش الاحتلال هي وراء هذه الجرائم الإرهابية التي طالت أهل السويداء. وكلّ قطرة دم سقطت هي في رقبة كلّ مَن دعم وموّل وسوّق للجماعات الإرهابية وكلّ مَن تحالف معها.
ولم يعد خفياً على أحد انّ أميركا هي رأس الإرهاب العالمي، وأنّ ذراعها السعودي هو المموّل الرئيسي لهذا الإرهاب. وكلّ ادّعاء غير ذلك هو تشويه وكذب وتزوير للحقيقة التي أصبحت واضحة كالشمس. فهذا التجييش الطائفي والمذهبي والذي أدارته الغرف السوداء طيلة السنوات الثماني لم يكن له هدف إلا تمزيق المنطقة. وما الاتصالات العربية ـ «الإسرائيلية» اليوم إلا نتاج لهذا المدّ الطائفي الحاقد على المنطقة. فمنذ احتلال بغداد وحتى اليوم تعمل أدوات الإرهاب الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية على نشر السموم وشراء الذمم من أجل إحياء مشروع يهودية ما يسمّى «إسرائيل».
لقد عمل المال العربي الفاسد على اختراق مفاصل بعض الدول العربية مثل الأردن، وجعل منه غرفة عمليات لإدارة الإرهاب، كما استطاع شق الصف اتجاه المقاومة كما فعل في لبنان، حيث وجدت قوى تخدم مصالحه على حساب مصالح الوطن. ونحن نعلم انّ هذه الحرب وما دفع عليها من مال لن تغيّر الواقع ولن تعطي العصابات الصهيونية إلا بعض الوقت. فالصهيونية إلى زوال وكلّ الأنظمة الداعمة لهذا السرطان ستزول. وعلى أصحاب هذا المال الفاسد ان يعلموا انّ الشارع العربي ما زال ينبض بالحياة، فقوة الحق خلاقة والشعوب لا تستكين فنحن أمة من قبل سبعة آلاف سنة وسورية منارة الحضارة، ولا يمكن أن يُهزَم شعب له جذور في الأرض وصدّر النور الى العالم.
إنّ تموز شهر الانتصارات والمقاومة وحكاية تموز لم تنته بعد ولن تتكلل الا بالنصر، ومعارك اليوم في الجنوب السوري ستكون آخر المعارك قبل التوجه الى إدلب، حيث الخزان الإرهابي المدعوم من تركيا أردوغان، وهناك سيُدفن الإرهاب كما دُفن في الغوطة وحمص ودرعا… وكما دفن بالأمس في السويداء بفضل عزيمة أهل سورية وحلفاء سورية من المقاومين الشرفاء في العالم.