هل قرّرت «إسرائيل» لعب أوراقها جنوب سورية؟
ناصر قنديل
– لو شغّلت جماعات أميركا والسعودية و»إسرائيل» الجنرال غوبلز رئيس قسم الدعاية لدى هتلر في إدارة حملة دعائية للتلاعب بالعقول تجاه ما شهدته منطقة السويداء جنوب سورية، لما أفلحت أطنان الأكاذيب ومعها ذرف الحلفاء لدموع التماسيح، في أنه يمكن الفصل بين إسقاط «إسرائيل» طائرة السوخوي السورية فوق الجولان في ذروة المعركة مع تنظيم داعش، وبين انطلاق مجموعات داعش المسلّحة نحو السويداء لارتكاب مجرزة هائلة ومروّعة من منطقة قريبة من قاعدة التنف الأميركية، والمرور تحت أنوف الأميركيين، وبين فشل زيارة وزير الخارجية ورئيس الأركان الروسيّين لتل أبيب في صياغة تفاهم حول العودة إلى اتفاق فك الاشتباك، وبين تأجيل أميركي للقمة بين الرئيسين الأميركي والروسي من خريف هذا العام إلى العام المقبل، وتبديد مناخات التفاؤل التي رافقت قمة هلسنكي بين الرئيسين.
– الأصوات التي تريد الذهاب بأبناء السويداء نحو صيغ استنفار طائفية، سواء لجهة قراءة المذبحة استهدافاً طائفياً لهم، أو لجهة قراءة الهوية الطائفية لمن يقف وراء المذبحة، ليست إلا التتمة الطبيعية للمذبحة نفسها. وهذه الأصوات التي تدّعي حباً وحرصاً على أهل السويداء تريد تجريدهم من هويتهم الوطنية، ومن صلة ما تعرّضوا له بالحرب التي تشنّ على بلدهم ودولتهم وجيشهم منذ سنوات، والهدف منها كلها، التأسيس لمعادلة رمت «إسرائيل» بثقلها سابقاً ومعها جماعات مموّلة سعودياً وجماعات تابعة للمخابرات الأردنية وجماعات تقودها المخابرات الأميركية مباشرة، عدا عن الجماعات التي تؤثر عليها مخابرات الاحتلال، وعنوان هذه المعادلة الضغط لطلب الحماية «الإسرائيلية»، من دون أن يحرج «إسرائيل» علاقتها العلنية بجبهة النصرة وتنظيم داعش. فالرسائل الدموية والسياسية ذات مضمون يتكامل بعضه مع بعض، ومضمونها إرضاء «إسرائيل» وحده يضمن الأمن، لأنّ بيدها وقف تهديدات داعش.
– تدرك «إسرائيل»، ربما ما لا يدركه سائر أعداء سورية، والمراهنين عليها خصوصاً، أنّ الأمل بإنعاش داعش وسائر الجماعات المسلحة لخلق توازن عسكري جديد مستحيل، وأنّ هول المجزرة يخلق لحظات ذهول، لكنه لا يوفر فرص تغيير موازين القوى، وأنّ الأوراق باتت مكشوفة، فالرهان على موقع روسي منفصل عن سورية أثبتت محادثات تل أبيب أول أمس أنه مستحيل، والرهان على تشقق جبهة سورية مع إيران وحزب الله مستحيل هو الآخر، والرهان على خلق واقع سياسي جديد على أساس تقاسم الجنوب بين ميليشيات طائفية قد سقط إلى غير رجعة، وأنّ قرار تحرير كامل الجنوب السوري حتى حدود الجولان والأردن والعراق متخذ ولا رجعة عنه، وأنّ على «إسرائيل» في نهاية المطاف وهي تستعمل كلّ أوراقها الآن، بما فيها الإيحاء الأميركي بتجميد تفاهمات هلسنكي في شقها المتعلق بالجولان وسورية، أن تختار بين ثلاثة احتمالات، الذهاب للحرب أو قبول التساكن بلا فك اشتباك مع واقع السيطرة السورية على حدود الجولان ومواصلة حرب الاستنزاف عن بُعد وتحمّل تبعاتها، أو القبول بالصيغة الروسية لفك الاشتباك.
– الرهان «الإسرائيلي» هو على خلق إرباك للدولة السورية وحلفائها سياسياً وعسكرياً وأمنياً، أملاً بتعديل شروط التفاوض سريعاً، وقبل أن تنهي الدولة السورية معركتها في الجنوب، للوصول إلى عرض روسي أفضل، لذلك كان الجواب الحاسم لأهل السويداء ومقاتليهم وشيوخهم وللجيش العربي السوري ولسلاح الجو السوري وسلاح الجو الروسي ومقاتلي الحلفاء في المقاومة، للقول إنّ شيئاً لن يتغيّر إلا نحو المزيد من التصميم على تعليق كلّ حديث في السياسة حتى يُحسَم أمر الجنوب عسكرياً، وعلى «إسرائيل» أن تقرّر ما يناسبها إزاء هذا الوضع.