«قسد» مستعدّة لتسليم مناطق سيطرتها للدولة السورية… وسوتشي اختبار أردوغان لقاء الحريري وباسيل لم يتمّ… ورعد: منسوب الثقة بالحكومة ورئيسها ينخفض
كتب المحرّر السياسيّ :
بينما التصعيد الكلامي الأميركي حول عدم تقيّد عدد من الدول الأوروبية والآسيوية بنظام العقوبات على إيران، أعلنت طهران رفع الإقامة الجبرية عن زعيمَيْ المعارضة مهدي كروبي وحسين موسوي وزوجتيهما، بينما أعلن الرئيس التركي رجب أردوغان أنه أبلغ الرئيس الأميركي دونالد ترامب عزم حكومته على مواصلة شراء الغاز من إيران رغم العقوبات الأميركية، بصورة أوحت للمراقبين بوجود تفاهمات ترعاها موسكو بين أوروبا وإيران وتشترك فيها تركيا والصين وباكستان والهند لإسقاط مفاعيل العقوبات الأميركية الهادفة لمحاصرة إيران في سوق النفط والغاز، لضمان بقاء إيران ضمن التفاهم النووي والحؤول دون مزيد من التصعيد بذهابها إلى التخصيب المرتفع لليورانيوم، وتمنع تعرّض سوق النفط والغاز للاهتزاز في حال إقدام إيران على إقفال مضيق هرمز بوجه ناقلات النفط إذا تعرّض نفطها للحصار.
النجاحات الروسية في الملف الإيراني، ترافقت مع نجاحات سورية روسية في ملف الحوار مع قيادة «قوات سورية الديمقراطية» الذي توّج بلقاءات كشفت عنها قيادة «قسد» تمّت في دمشق مع الحكومة السورية. وقالت قيادة «قسد» في تلخيص نتائجها، بأنها تضمّنت تفاهماً على تسليم مناطق سيطرتها لمؤسسات الدولة السورية العسكرية والمدنية مقابل التفاهم على صيغة لاعتماد اللامركزية في النظام الإداري لسورية الجديدة، من دون أن يكون للامركزية أبعاد أمنية أو عسكرية أو دبلوماسية على حساب الدولة المركزية، ودون أن تكون اللامركزية قائمة بين مناطق جرى توزيعها على أساس ديني أو عرقي. وقرأت مصادر روسية إعلامية في هذا التطوّر واحدة من نتاجات قمة هلسنكي، فالتشجيع الأميركي للقيادة الكردية ووضعها في أجواء التفاهم مع روسيا على الانسحاب من سورية، كان له دور أساسي في تخفيض سقوف القيادة الكردية التفاوضية.
في سوتشي يقارب الرئيس التركي رجب أردوغان، ملف وجود قواته في سورية بحرج شديد، في ضوء فشله في إنهاء الإرهاب في المناطق التي تعهّد تطبيق خفض التصعيد فيها، كما بقيت الجماعات المحسوبة تحت العباءة التركية خارج أيّ مبادرة جدية لفصل حضورها عن الجماعات الإرهابية أو الاقتراب من شروط الحلّ السياسي، بينما تقترب الذريعة الكردية التي يتغطى بها كسبب للبقاء في سورية، من السقوط، والجيش السوري يقترب من مناطق الانتشار التركية في مواجهاته التي بدأت في أرياف حماة واللاذقية وحلب، وفتح طريق حماة حلب الدولي وتسليمه للجيش السوري أوّل الاستحقاقات المنتظرة من أردوغان.
لبنانياً، بينما الحكومة في علم الغيب رغم الكلام التفاؤلي عن الحلحلة لأوساط الرئيس سعد الحريري المكلّف بتأليفها، لم ينعقد اللقاء المنتظر بين الحريري ورئيس التيار الوطني الحر وزير الخارجية جبران باسيل، وخرج كلام غير مسبوق نحو رئيس الحكومة عن رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد الذي اعتبر أنّ العقد تكمن في عدم وضع الرئيس المكلف معياراً واحداً لتشكيل الحكومة، مضيفاً أنّ منسوب الثقة بالحكومة ورئيسها ينخفض.
بالتوازي سجل ارتفاع في منسوب التخاطب السلبي بين النائب السابق وليد جنبلاط والوزير طلال أرسلان، حيث ردّ أرسلان على كلام جنبلاط حول مجزرة السويداء من دون أن يسمّيه، في حفل تأبيني أقامه في دارته في خلدة تحدث خلاله السفير السوري علي عبد الكريم علي، الذي قال إنّ سورية ستزفّ نصرها قريباً، بينما قال أرسلان موجهاً كلامه للذين حللوا دم الدورز، قاصداً جنبلاط، لن نسمح بتحويل الدروز حراس حدود لـ «إسرائيل»، لا في لبنان ولا في سورية.
غياب المعايير الموحّدة يؤخّر ولادة الحكومة
على الرغم من أن مفاوضات تأليف الحكومة تسير على خطى بطيئة جداً، غير أن ذلك لن يمنع تشكيل الحكومة قبل عيد الجيش إذا صدقت النيات. فالتجارب السابقة خير دليل على ذلك. فحكومة استعادة الثقة تألفت فجأة مساء يوم الأحد في 17 كانون الاول من العام 2017، في أعقاب أجواء تشاؤمية خيّمت على الاسبوع الذي سبق التأليف وأنذرت بأن الحكومة بعيدة المنال.
ومع ذلك، تؤكد مصادر متابعة لعملية التشكيل لـ»البناء» أن «اتصالات الأسبوع الماضي لم تخرج بأية أجواء إيجابية، بدليل أن عطلة الأسبوع كانت خالية الوفاض من أي بحث في التوليفة الحكومية، علماً بأن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون كان قد تمنّى على الرئيس المكلف سعد الحريري الاستمرار في لقاءاته واتصالاته مع المكوّنات الأساسية من أجل الوصول الى صيغة حكومية ترضي جميع الأطراف وتعتمد المعايير الواحدة الموحّدة بعيداً عن الاستنسابية. وفيما كان منتظراً أن يلتقي الرئيس المكلف رئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل للبحث في الملف الحكومي، فإن الاجتماع لم يحصل لأسباب مردّها، بحسب مصادر التيار الوطني الحر لـ»البناء» غياب أي جديد يذكر على الصعيد الحكومي، فيما من المفترض أن يقدّم الحريري على وضع معايير محددة، على أساسها تمثل الأحزاب في الحكومة بعيداً عن المطالب المضخمة. فالحكومة ستتشكل وفق النتائج التي أفرزتها الانتخابات.
وإذ غابت اللقاءات والاتصالات عن بيت الوسط بشكل كامل خلال عطلة نهاية الأسبوع، لفتت مصادر قيادية في تيار المستقبل لـ»البناء» إلى أن «الرئيس المكلّف سعد الحريري يقوم بجهود ولقاءات للمسارعة في تأليف حكومة وحدة وطنية، مشدّدة في الوقت عينه على أنه «يسعى لتذليل العقدتين الدرزية والمسيحية، فالخلاف بين التيار الوطني الحر وحزب القوات حيال الحصص الوزارية لا يزال يراوح مكانه، مع تمسك كل منهما بموقفه، هذا فضلاً عن تمسّك النائب السابق وليد جنبلاط بمطلب ثلاثة وزراء دروز».
فيما توقعت مصادر بيت الوسط لـ «البناء» ان «يستفيد الحريري من الأجواء الايجابية التي ظللت الاجتماع مع الرئيس عون الأربعاء الماضي والعمل على استكمال الاتصالات بدءاً من اليوم». وأشارت المصادر الى أن «لا موعد للقاء بين الحريري وباسيل حتى الساعة»، موضحة أن «اللقاء مع باسيل سيأتي في إطار جولة جديدة من المشاورات سيجريها الحريري مع قوى سياسية عدة لا سيّما جنبلاط ورئيس القوات سمير جعجع».
وبحسب معلومات «البناء» فإن «الحريري قدم طرحين لعون خلال اللقاء الأخير: الأول حكومة من 30 وزيراً وصيغة ثانية من 24 وزيراً تتضمّن وزيرين درزيين بدلاً من ثلاثة يسميهما جنبلاط وتستبعد تمثيل الحزب الديمقراطي، وبالتالي تشكل هذه الصيغة مخرجاً لحل العقدة الدرزية، كما تتضمن 3 وزراء لحزب القوات اللبنانية وبالتالي مخرجاً للعقدة المسيحية على أن تنخفض حصة كل الكتل الأخرى».
في المقابل أعلن الوزير باسيل من الهرمل احتفاظ تكتل لبنان القوي بوزارتي الخارجية والطاقة والمياه.
الى ذلك، أكد عضو «اللقاء الديمقراطي» النائب هادي أبو الحسن، «التمسك بحقوقنا في التشكيلة الوزارية احتراماً للأمانة، التي منحنا إياها الناس في الاستحقاق الانتخابي الأخير».
وفي موقف بارز من الموضوع الحكومي يعكس وحدة الموقف بين حزب الله وبعبدا ورئيس التيار الوطني الحر، ويضع الكرة في ملعب الرئيس المكلف ويشير الى أن غياب المعايير الموحدة يؤخر ولادة الحكومة، لفت رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد إلى أن «معضلة تشكيل الحكومة سببها يعود إلى أن الرئيس المكلف الذي لا يعتمد معياراً واضحا ومحدداً». ودعا رعد إلى «حكومة تضامن وطني يتمثل فيها مختلف الفرقاء اللبنانيين كل بحجمه وموازين الأحجام أظهرتها نتائج الانتخابات النيابية ويظهرها الواقع يومياً، فلماذا لا نعتمد هذا المعيار. اما ان نتصرف شتاء وصيفاً على سطح واحد، فأعتقد أنه أمر موجب لتخفيض منسوب الثقة بالحكومة وبرئيسها». وقال «الحكومة اللبنانية المقبلة من أولى مهامها أن تشرع في التأسيس لعودة العلاقات الدافئة مع سورية من أجل حلّ الكثير المشاكل والتخفيف من الأعباء على لبنان، ومن اجل فتح الأبواب امام مساهمات اللبنانيين واستثماراتهم في إعمار سورية وإعادة البناء فيها».
وكانت لافتة المواقف التي أطلقها عضو المكتب السياسي في حركة «أمل» الشيخ حسن المصري خلال تمثيله رئيس مجلس النواب نبيه بري في حفل تدشين سد وبحيرة اليمونة، بحضور باسيل ووزير الطاقة سيزار ابي خليل، حيث أكد المصري أن «البلد بحاجة الى حكومة وحدة وطنية تؤازر العهد، فنحن لا نقبل لأي قوة في الدنيا أن تفشل هذا العهد الممثل بالرئيس ميشال عون».
أرسلان: دروز لبنان في صدارة محور المقاومة
في موازاة الجمود الذي لا يزال يسيطر على المشهد الحكومي، عاد الانقسام السياسي داخل «البيت الدرزي» ليخيّم على الساحة الداخلية، مع ارتفاع منسوب التوتر بين القيادات الدرزية في لبنان وتبادل الرسائل التصعيدية بين رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط ورئيس الحزب الديمقراطي النائب طلال أرسلان. فبعد الخلاف على ملف الانتخابات النيابية ثم الصراع وشدّ الحبال القائم على الحصص الحكومية، اتسعت دائرة الانقسام حيال الأحداث الأمنية الأخيرة في السويداء، مع مخاوف من أن تؤجّج هذه السجالات التباين الدرزي – الدرزي في لبنان وتنعكس على الشارع، بعد أقل من شهر ونصف على سقوط ضحية من الحزب الاشتراكي إثر الاشتباكات المسلحة بين أنصار الحزبين.
وبعد مواقف جنبلاط في الوقفة التضامنية مع شهداء السويداء منذ أيام والتي هاجم خلالها الدولة السورية، شنّ النائب أرسلان أمس، هجوماً لاذعاً على رئيس الاشتراكي، وذلك خلال خلال حفل تأبين وتقبل تعاز بضحايا السويداء في دارته في خلدة، بحضور السفير السوري في لبنان علي عبد الكريم علي والمعاون السياسي للأمين العام لحزب الله الحاج حسين الخليل ووفد من التيار الوطني الحر. وأكد أرسلان أن «مَن يعتقد أن بإمكانه رشوتنا بوزارة من هنا، ونيابة من هناك، فصحتين على قلبه الوزارات والنيابات والمراكز كلها، اسمنا وخطنا وموقفنا أشرف من كل مراكز العالم». وقال: «ليس طلال أرسلان وأخي الرئيس بشار الأسد مَنْ حلّل دم الدروز، وما قاله شيخ العقل الغريب لأنه كان شاهداً، وكثر من المشايخ كانوا شهوداً، حين طلب منه سماحة الشيخ أن يكونوا الدروز أمانة في أعناقكم، وردّ الرئيس الأسد أمام الجميع، كلا فبشار الأسد وما يمثل هو أمانة في أعناق أبناء التوحيد الدروز».
وشدّد أرسلان على أن «للموحّدين الدروز في لبنان دورهم وقدرهم أن يكونوا في صدارة محور المقاومة مع سورية وليس أعداء لسورية. ولن نسمح لأحد بأن يحوّل الموحدين إلى حراس لحدود الكيان الغاصب لفلسطين العربية».
وأوضح بأن «مَنْ يريد أن يحيّد نفسه في معركة المصير الوطني – القومي، تحت أي عذر من الأعذار، يكون قد استقر في أحضان الإسرائيلي وأن محاولات تبرئة «إسرائيل» من مذبحة السويداء وغيرها من المذابح يكذّبه أهلنا في الجولان والمناضل صدقي المقت، قبل أيٍّ كان، كما يكذبه أهلنا في السفح الشرقي من جبل الشيخ، وخصوصاً حضر وأهلها الأبطال، الذين خاضوا المواجهات المباشرة ضد الجيش الإسرائيلي حين هجم الأخير لمساعدة المنظمات الإرهابية».
بدوره، أكد رئيس حزب «التوحيد العربي» وئام وهاب أن « السويداء بخير، وهي في قلب الدولة السورية ومحمية من الجيش السوري، لكن هناك ثغرة كانت قد حصلت في القرى القريبة من الصخرة مما أدى الى دخول المسلحين».
واعتبر وهاب أنه «تجب معالجة الأمور بهدوء والعمل على التشاور مع المشايخ والعقلاء بدلاً من التهويل واتهام الآخر. فمزاج الناس لا يتقبل هذا الأمر»، لافتاً الى أن «هاجسي هو مصير الدروز وليس الحصول على شيء من السلطة. ومصلحة الدروز ان يكونوا الى جانب العروبة والى جانب محور المقاومة ».
دفعة جديدة من النازحين إلى سورية
على صعيد آخر، تمكّن الأمن العام اللبناني وبالتنسيق مع مفوضية شؤون اللاجئين بتأمين العودة الطوعية لـ 722 نازحاً سورياً من منطقتي شبعا والبقاع الأوسط عبر مركز المصنع الحدودي باتجاه الأراضي السورية. وقد واكبت دوريات من المديرية العامة للأمن العام، بحسب بيان للمديرية النازحين الذين انطلقوا بواسطة باصات أمّنتها السلطات السورية لهذه الغاية، اعتباراً من منطقة شبعا والبقاع الأوسط عبر معبر مركز المصنع حتى نقطة جديدة يابوس الحدودية.