في عيد الجيش.. تحية لسواعد النصر في حرب الوجود والهوية
سماهر الخطيب
كانا جيشاً واحداً قبيل «سايكس بيكو» واليوم باتا جيشين، لكنهما موحّدان في العقيدة والانتماء، موحّدان في العزيمة والوفاء، موحّدان في القضية والبوصلة.
واليوم وبعد أكثر من سبعين عاماً لا زال العيدُ «حبلاً سرياً» موحّداً. ففي الأول من آب يضيء الجيش اللبناني ــ السوري الشمعة الثالثة والسبعين لميلاد العزة والكرامة، ميلاد ولد من رحم المقاومة، ميلاد وطن أبى أن يكون إلا قرباناً لحريته واستقلاله.
ميلاد جيشٍ أذهل العالم بثباته وشجاعته وإقدامه في الذود عن الوطن وتقديم الروح رخيصة لأن كان التراب هو الثمن، جيش تصدى ببسالة أسطورية لمجموعات إرهابية تكفيرية، ساقها أعداء الإنسانية مزوّدين بمختلف الأسلحة، بما فيها المحرّمة دولياً، للعدوان على أرضنا وعلى شعبنا.
لطالما كانت الرهانات والتشكيكات تعلو المنابر والمجالس عن تماسكه وصموده، قبل الحرب الإرهابية على أرضنا. إنما بات الحديث والتصريح والإعلان يتمحور حول قدراته وإمكاناته، لا بل حول إنجازاته وبطولاته، بل وأكثر فقد أصبحت ساعات العالم أجمع تضبط عقاربها على وقع الميدان المفعم بالانتصارات والتضحيات.
جيش ما هاب الموت يوماً، وما برح القتال لحظة، ولا استكان عن غمار المعارك في سعيه نحو نصر ما اعتاد إلا أن يعزف سيمفونيته. فكانت سيمفونية النصر على درب الحياة التي أرادها حياة عز وفداء.
مع كل ما مرّ على هذه الأرض من حروب وعدوان واعتداء، قام بواجباته ومسؤولياته بشجاعة قلّ نظيرها في التاريخ الحديث، رغم كل محاولات التهويل والتشويش والتشويه التي استهدفته من يهود الداخل والخارج. فكانت المهمة شاقة وطويلة، لكنه رحّب بها، فلم يثبط معنوياته أو يثنه شيءٌ عن أداء واجبه ومهامه القومية، منطلقاً من إيمانه بقضيته التي يقاتل من أجلها وضرورة الحفاظ على أرضه ووطنه الواحد الموحّد، وعلى صون قراره المستقل وكل ما يتصل بسيادته، ومدافعاً عن ثوابته القومية والوطنية التي تربّى عليها مهما كلفه ذلك من تضحيات.
هذا الجيش الذي شرّف التاريخ بمحطات خطّها بدمائه الطاهرة، من حرب تشرين الأول 1973 التي خاضها الجيش السوري حتى حرب تموز 2006 التي خاضها الجيش اللبناني وتجاوزا معاً الحرب على الإرهاب في حلب ودير الزور والرقة وجرود عرسال وجرود رأس بعلبك وريف حمص الشرقي وحماة والغوطة والقنيطرة، وفي كل شبر من أرض الشام ولبنان، لصالح قضاياه القومية والوطنية، فحُقَّ له أن يطلق عليه نواة جيش الوطن وجيش الأمّة الأول.
تعزّزت النظرة للجيش، في لبنان والشام، داخلياً وخارجياً، بعدما جيء بهذه الذئاب البشرية إلى الأرض السورية، من أجل القتل والخطف والسرقة والترهيب وتدمير الحضارة التي امتدت آلاف السنين، فاستبسل الجيشان في التضحيات وكانا كطائر الفينيق محلقاً فوق سماء الوطن ليحميها من كل الأخطار التي تربّصت بها.
إنّ المناقبية العالية التي ترجمت بصور مختلفة، على أرض البلاد كاملة، بمكوّناتها وفسيفسائها النسيجية المجتمعية كافة، جعلت عطاءه بلا حدود، من أجل أن تحيا سورية بأمان وعزة وكرامة، وأثبت أنه جيش قادر، وأنه جيش أخلاقي، قبل أن يكون جيشاً عقائدياً، فكان يعلم دائماً القاعدة الذهبية بأنّ «الأخلاق هي في صميم كل نظام يمكن أن يُكتب له أن يبقى».
وبعد سنوات عجاف، بما حملته من إرهاب وحروب ومعارك ضارية، ومآسٍ وويلات، أنه كان من البديهي بأن يجود بالنفس والعمل الدؤوب من دون «استراحة محارب»، تمكّن الجيش السوري من أن يحجز لنفسه، وعن جدارة مكانة بين الجيوش العالمية، بل ويجعل أعتاها قوة وعداوة له، أن يفكر ملياً قبل الإقدام على المسّ بأيّ من أهدافه أو مواقعه أو وطنه، بشكل مباشر، لأنّ التكلفة ستكون باهظة الثمن. وهذا ما أكده قائد القوات الأميركية المشتركة الجنرال «مارتن ديمبسي».
فلولا هذه التضحيات الجسام التي مازال يقدّمها أبناء المؤسسة العسكرية العظيمة بمبادئها وقيمها السامية والنبيلة، لما كنا وما كان الوطن. بل آمنوا بأنّ الحياة وقفة عزّ لا بدّ مـن أن نحياهـا لمـن أراد أن يحيا بعزة وكرامة.
لقد كانت هذه الحرب التي يخوضها بواسل ونسور الجيش السوري واللبناني، بالنيابة عن العالم أجمع عموماً، بخاصة مَن يزعمون أنهم من عالم «حر»، بمثابة اختبار قاسٍ له ولقدراته، حيث استطاع النجاح والثبات فيها، كما استطاع تطويعها والتأقلم معها بشكل تعجز عنه كبرى الجيوش العالمية النظامية، بدفاعه عن القيم الإنسانية والروحية والأخلاقية الحقيقية من دون التنازل عن الثوابت والمفاهيم التي حاول أعداء الإنسانية تشويهها، تحت مسمّيات وشعارات باسم الحرية ونشر مبادئ الديمقراطية، بما يخدم أهدافهم الاستعمارية التوسعية.
هذا الجيش فيه قوة لو فعلت لغيرت وجه التاريخ، وها هي تفعل وتغيّر وتبدّل موازين القوى، ولذلك نُعلي كل هذا الجهد والعطاء الذي تنحني أمامه القامات وتتواضع أمام عظمته الكلمات.
واليوم، كما الأمس من حق هذا الجيش العظيم، في عيده السنوي، أن ننحاز إلى جانبه أكثر، ونعتنقه أكثر، بعد اجتيازه للامتحان المرّ الذي فرض عليه من عملاء الداخل وأعداء الخارج.
وإن على ما حققه هذا الجيش العظيم وما سيحققه ستبنى خارطة عالم جديد. من هنا، من قلب دمشق، ومن قلب بيروت، تحية للسواعد التي تخوض حرب الوجود والهوية، وتعطي دروساً في الولاء والانتماء، وسلام عليه وله اليوم وغداً وكل يوم.