بيرج قسّيس: سنبقى ننتج موسيقى تقاوم الحرب وتحتفي بالوطن
كتبت بشرى سليمان من اللاذقية سانا : يعتبر المايسترو بيرج قسيس أحد أهم الموسيقيين في المشهد الموسيقي السوري، خاصة في مجال التأليف والتوزيع الموسيقي، إذ استطاع بموهبته أن يبدع عدداً كبيراً من الألحان التي أضافت الكثير إلى المكتبة الموسيقية العربية، وترك بصمة خاصة به من خلال عمله كقائد لأوركسترا البيت العربي في اللاذقية.
يقول قسيس حول تجربته مع أوركسترا البيت العربي «إن وجود أوركسترا في اللاذقية هو مكسب مهم للشارع الثقافي في الساحل السوري عامة، وهو ضرورة مجتمعية، لكن التأسيس هو مجرد خطوة أولى تحتاج إلى خطوات أخرى ضرورية، فالمدينة تعاني عدم توافر عازفين مؤهلين على آلات محددة مثل الكونترباص والفيولا والساكسفون، وسورية لا تملك جميع مكونات الأوركسترا السمفونية، إلا في دمشق، مع ضرورة تمويل الأوركسترا بصفتها مؤسسة غير ربحية لا تستطيع أن تحقق عائداً مادياً من خلال الحفلات التي يكون بعضها مجاني والآخر خاسر»، مضيفاً: «إن من يتعلم على آلة لديه مشكلة في كيفية توظيفها في حياته من ناحية، ومن ناحية أخرى في كيفية إقامة نشاط للعزف على هذه الآلة والكسب منها. أما المهارة المطلوبة من أي عازف يريد أن يصبح مايسترو فهي كيفية الكتابة لهذه الآلة والتوزيع الموسيقي وأن تأخذ كل آلة دورها المناسب بحسب تعبير الآلة وبحسب قدرة الطالب وموهبته على العزف وهنا تكمن الصعوبة. أما المايسترو فعليه معرفة كيفية إخراج شيء من لا شيء، سواء من الطالب أو العازف، وتوظيف جهودهم ومهاراتهم، فتعليم الموسيقى هو مساعدة الطالب لكي يتخطى المراحل، وثمة في الأوركسترا حالة خاصة وجو من العمل الحقيقي البعيد عن البيروقراطية وعلاقاتها، ما سهل دخولي في هذا المجال وأسعفني في مساعدتهم في خلق موسيقى نوعية، فضلاً عن أن الأوركسترا ترسخ فكرة العمل المؤسساتي»، معتبراً أن أهم صفة تستحقها الأوركسترا هي روح العمل المؤسّسي التي تتطلبها ولا تقوم إلاّ من خلالها، فالعزف المنفرد ترتد نتائجه إلى الفرد، سلباً أو إيجاباً، أما العزف الأوركسترالي فيحتاج نجاحه إلى كامل المجموعة، إذ أن لكل عازف وظيفته التي يعتمد نجاحها على دور باقي العازفين.
يؤكد قسيس «أن العزف الجماعي يتطلب الانسجام والتكامل بين الأصوات المختلفة والتركيز العالي، ففي العزف الفردي لا يظهر النشاز واضحاً وقد لا يؤثر في قيمة المعزوفة، أما في العزف الجماعي فعلينا الموائمة بين ثلاثة مصادر، أولها النوطة المكتوبة، ثم العازفون الذين يتشاركون العزف وثالثاً المايسترو الذي يقود الفرقة، وبقدر ما يكون هنالك توافق بين الأطراف الثلاثة يكون العرض نظيفاً خالياً من النشاز، ولا يتحقق ذلك بسهولة بل يحتاج إلى تدريب طويل وتفاهم ومحبة للعمل الذي نؤديه»، مشيراً إلى أن الموهبة تحتاج إلى تربية وتوجيه، فكثير من الموهوبين لا يدركون قيمة موهبتهم ولن يعرفوها إذا لم توجه وتبوب وترعى، ويرى أن الفنان الحقيقي لا يهمه كثيراً إذا قدره المجتمع أو لم يقدره فهو من اختار الطريق وآمن به من دون تنازلات.
حول تجربته الإبداعية وحضوره قادماً من حلب مدينته إلى اللاذقية في خضم الحرب على الإرهاب يقول قسيس إنه رغم الجروح والألم والبعد عن المدينة الحاضنة للفن والطرب، ما زال الحلبيون يبدعون أينما حلوا وما برحوا يقولون للعالم أجمع نحن شعب نستحق الحياة، فنحن صدرنا ألحانها عبر الفن والطرب الأصيلين، لافتاً إلى أنه أدار ظهره لأصوات الرصاص وراح يؤلف ألحاناً تنتشر عكس تيار الحرب في مناخات الحب والوطن.
يختم قائلاً: «إن الإرهابيين يعملون على قتل الحضارة بينما نحاول نحن بعناد الحفاظ عليها من خلال الأنشطة التي نقوم بها، وهذا مهم جداً إذ نتحدى به من يتربص بالشعب السوري ونوصل من خلاله رسالة محبتنا وتمسكنا بالحياة، فلا بد من أن يعلو صوت الموسيقى على صوت الرصاص في نهاية المطاف. هذا هو تاريخ السوريين».