قمة أميركية إيرانية بلا «نتائج».. غير واردة!
روزانا رمّأل
ليس مستغرباً طرحُ الرئيس الأميركي دونالد ترامب الكثير «المغامرات» سياسياً والأشجع على الإطلاق بين شخصيات حزبية أميركية ليس بواردها العمل الحزبي خارج إطار رئاسة البيت الأبيض أن يدعو الرئيس الإيراني حسن روحاني إلى طاولة حوار بدون قيد أو شرط بمثل هذه الأيام لا «قبلها». والسؤال الأساسي قبل البحث في إمكانية ذلك هو لماذا الدعوة الأميركية الآن الى مثل هذه القمة وليست في وقت سابق؟
الدولة العميقة في الولايات المتحدة لا تزال قائمة وموجودة وكل شيء يُوحي لأن المؤسسة الأميركية لا تزال قادرة على ضبط السياسات الخارجية، إذا ما تفلتت من المنطق المعمول به رئاسياً أو في مؤسسات أمنية أو استخبارية لكن من الخطأ اعتبار الرئيس الأميركي أي أنه كان غير قادر على المبادرة ضمن ما يسمح له الدستور من صلاحيات واسعة. وبالعودة لصلاحيات الرئيس الأميركي فهي شبه مطلقة، محصورة بيده وبفريقه الذي يشبهه ولا تُعد مخالفة دستورية إذا تطرّق بالموضوعات الداخلية مع الدول المنافسة أو الخصمة إلى مبادرات أو دعوة الى لقاءات. كما ان هذا لا يتطلب بالضرورة الرجوع إلى الكونغرس او ما وراء المكوّن الأميركي القومي العتيق.
في حالة الرئيس دونالد ترامب الذي بادر الى الطلب بعقد لقاء «قمة» مع الرئيس الإيراني. فإن هذا واحد من صلاحياته الطبيعية. ولكل رئيس الحق بالمغامرة في عهده. والمبادرة أيضاً «لكتابة التاريخ». هذا الأمر هو نفسه كان موضع انتقاد عند ترامب الذي اعتبر أن توجّه الرئيس السابق باراك أوباما نحو مصالحة كوبا وباتجاه الاتفاق النووي الإيراني الشهير سقطة أميركية تُحجّم الهالة الأميركية وقدرتها. وعلى هذا الأساس صارت حملة ترامب الرئيسية في الانتخابات واقعة ضمن شعار «إعادة العظمة للولايات المتحدة». واليوم لافت أن يخطو ترامب الخطى نفسها باتجاه الخصوم ومنهم أعداء تاريخيون. وإذا كان من تشابه بين الحالتين الأميركيتين أو التجربتين «ترامب أوباما»، فإن القاسم المشترك قد يكون الجندي المجهول الذي يدير الدولة العميقة في الولايات المتحدة الأميركية. وهذه الجهة غالباً ما تقرأ الأمور ببراغماتية بعيداً عن «العنتريات» البائدة وإذا كان السؤال حول هوية المتعاطين في هذه الأصول البعيدة عن الأضواء، فهي تماماً نفسها الجهات التي تحمي هذه العظمة ومؤلفة من لجان ومفكرين منتشرون في أغلب المؤسسات الكبرى.
الولايات المتحدة في تغيّر مستمرّ بما يتعلّق بالنظرة إلى ملفات المنطقة. وسياسات التقارب نفسها التي خاضها الرئيس أوباما لا تزال تحكم دونالد ترامب وأول الغيث كان القمة التاريخية في هلسنكي مع العدو التاريخي «روسيا»، بقيادة الرئيس فلاديمير بوتين، حيث بدأت نتائجها تظهر بشكل سريع في الجنوب السوري وبالتوجه نحو الحسم السريع في إدلب، إضافة الى تحريك ملف النزوح والخطوة التي سبقتها كانت القمة التاريخية مع الزعيم الكوري الشمالي في سنغافورة التي أتت بشكل مفاجئ تماماً، كما هي الحال بدعوة ترامب «الجريئة جداً» إلى عقد قمة مع الإيرانيين مع فوارق كبيرة!..
يكرر الإيرانيون غالباً التذكير بأنهم دعاة حوار. وبالواقع كانت دعوات السعودية خلال السنوات الماضية للجلوس إلى طاولة مفاوضات واحدة كثيرة. وقد أتت على لسان وزير الخارجية محمد جواد ظريف غير مرّة من دون ردود سعودية في هذا الاتجاه، كما أن إيران التي تعرضت لمخاطر دعم قطر للإرهاب في سورية استطاعت تخطي هذا الأمر، رغم كل ما تعرّضت له بعثاتها الميدانية في سورية وكل الخسائر الي تصبّ ضمن جدول عمل حلف واحد استهدف سورية وقررت التعاون مع قطر والتواصل معها عملاً بمبدأ الحوار مع دول الخليج. وهو مطلق بالنسبة إليها إلا أن الحوار الأميركي معها أو مجرد طرحه مختلف تماماً.
يؤكد مصدر متابع لـ«البناء» استحالة عقد أي قمة على طريقة القمة الأميركية الكوبية أو القمة الأميركية الكورية الشمالية من دون التوصل الى خواتيم واضحة وناجعة. وقد لا يكون هذا ممكناً عند الإيرانيين من دون النزول عند شروط طهران. أبرزها وقف الحرب الأميركية الاقتصادية على إيران وغيرها، لأن هذا بحد ذاته نوع من المفاوضات تحت التهديد، لكن هذا ليس وحده السبب في عدم التقدم نحوها على الرغم من عدم نفي الرئيس الإيراني لها بـ«المبدأ»، بل إن العالم الذي ينتظر صدمة إيجابية من هذا النوع ينتظر نتيجة كبيرة من أي قمة بحجمها. وعلى هذا الأساس صار التطلع نحو ظروف عقدها أهم، فهل توفرها الولايات المتحدة الأميركية؟
يختم المصدر «إن الأهم من عقد قمة هو النية بإنجاحها، لأن أي فشل هو إعلان لتصعيد جديد في المنطقة، على الرغم من أن الدعوة بحد ذاتها تعني مراجعة أميركية واضحة لقدرات إيران وعدم إمكانية التوصل لحلول في المنطقة من دونها أكان في سورية والعراق وافغانستان والبحرين واليمن ولبنان.. كما أن طهران ليست بوارد إهداء الرئيس الأميركي أي هدية مجانية يستخدمها لرفع شعبيته عبر إثارة الجدل من ملف إيران الدسم والمصيري».