«مهرجانات صور الدولية» تختتم فاعلياتها بليلة فريدة مع شعراء الحبّ والقضية الفلسطينية

الجنوب – مصطفى حمود

طغت القصائد التي أُلقيت في الليلة الأخيرة من ليالي «مهرجانات صور الدولية» في قلعة الشقيف على القضية الأم فلسطين والحالة التي وصلنا إليها من تراجع لكرامة الإنسان والاستهزاء بالحكّام، وكان للمرأة حيّز كبير في عدد من قصائد الشعراء المشاركين من فلسطين ومصر ولبنان.

قدّم الحفل الشاعر سليم علاء الدين مؤسس جمعية وديوان «أصل الحكي».

البداية كانت مع الشاعر اللبناني طارق ناصر الدين الذي اعترف فيها بزوال براكين الغضب التي تجتاحه قلبه عندما رأى أهل الجنوب كيف يقاومون اليأس بالأمل، وكيف يصنعون من الاحتلالات انتصارات. «الأمير» المعروف بشاعر عيد النصر انتقد الحكّام والمسؤولين من دون أن يسمّيهم، وألقى نظره على فلسطين من قلعة الشقيف مستبشراً بعهد جديد رسمته الشقراء عهد التميمي وبزوال اليهود بطائرة من ورق .

وفي قصيدة محكمة التاريخ استحضر كل الحكّام الديكتاتوريين الذين مرّوا عبر التاريخ من جنكيزخان وهولاكو للوصول الى ترامب الذي بشّره بنهاية تشبه نهاية الذين سبقوه لتكون عبرة لمصيرهم المذلّ. وختم بوصية توجّه فيها إلى الأجيال القادمة بمواصلة النضال وحمّلهم الدروع محذراً من التخلي عن الأمانة حتى ولو زلزلت الأرض زلزالها معتبراً اليهودي عدوَّنا الأبدي.

شعر «الأمير» كلاسيكي على الوزن والقافية، ولكن من حيث المعاني هناك روح تجديد بكتاباته، يختار القصائد الخفيفة بموضوعاتها والتي يعرف كيف تلامس مشاعر الجمهور بمناسبات كهذه.

أما شاعر فلسطين أنور الخطيب كانت بدايته بقصيدة «دار زينب»، التي تقول :

«يا دار زينب بالشقيف تكلّمي

وعمي مساء كلما سكبوا دمي

إني عشقتك والهوى شيم الذين

تلثّموا بجنوب بحرك فاقدم

هي قلعة، لا، إنما أرواحهم

نبتت كصخر ضمّخته بأنجم

يا دار زينب قد فقدتُ ملامحي

وأنا هنا ليُعادَ رسمي فارسمي».

أما قصيدة «القدس» فكانت بعنوان ليس للقدس إلا قدسها، فقد ثار فيها على تقسيمها بين شرقية وغربية، فهو يرفض القسمة ويريدها كلها، وكذلك غزّة والضفة والشمال والجنوب رافضاً باعتبارهم أقضية، فسمّاهم قضاء القلب والروح شلالها، مكرراً رفضه للقسمة راضياً بما قسم الله له من الحنين والتين والزيتون والبلد الأمين.

يأخذك هذا الشاعر المرهف الإحساس الى فضاء فلسطين ومن ساحات عكا وحيفا ويافا، ينتقل في قصيدة «بار الرمل» بوصف مجازي يعبر فيه كيف عالمنا العربي يعيش بالمقلوب متسائلاً ماذا يفعل السبعون في حضانة الأطفال؟ والمرأة العشرينية في دار المسنين؟ وأستاذ التاريخ في دار الأزياء؟

الخطيب مشهور بالنص الجميل والصوت المنخفض الذي يحرّك فيك الحنين والحلم بوطن كما تشتهيه.

أما الشاعر اللبناني الدكتور إبراهيم خليل شحرور فقد قدّم مجموعة منتقاة من ديوانه الأول «أسوار من تعب» أطربت السامعين ببساطتها وحلو كلامها. فهو يتقن تركيب أربعة أبيات، وفي البيت الأخير يقول لك المعنى .

ففي «غربال الوقت» بداية قصائده التي ألقاها يقول :

عمري ع غربال الوقت حطيت

فكّرت لما بغربل الماضي،

بيهرّ عمر لراح عالفاضي …

هزّيت غربال الوقت،

لاقيت

من فوق فاضي،

ومن تحت فاضي».

وكان له استعارة من موّال أغنية فيروز «جايبلك سلام» للأخوين رحباني قال فيها:

«لما هوا أيلول يعزف بالحقول

وترقص وراقا الصفر علحن الغنا،

الورقة اللي بالاول بتوقع

رح تقول :

يمّي وما بعرف ليش نقاني أنا».

لدى الشحرور موهبة شعرية واضحة يبني قصائده على طريقة الزجل، كيف لا وهو الإبن البكر لشاعر المحكيّة اللبناني الراحل خليل شحرور أول مؤسس لنقابة الشعراء الزجليين وأول نقيب لها، ومهندس عشق الشعر منذ الصغر وظهرت موهبته باكراً .

ومن أرض الكنانة مصر الشاعر حسن شهاب الدين الذي قدّم بطاقة تعريف بقصيدته فهو لم يختَرْ اسمه ولا أبويه، بل اختار قصائده إن حكت تحكي طفل الجنوب بوصلة الحنين والعمر يشدّه إليه والرحيل عنه يندفع دماً، والنجوم إن أضاءت شموعها وزرعتها تجد الشهيد يزين الطرقات، وقلعة الشقيف تعيد له ساعة الزمن، فيرى نفسه فيها جميلاً .

اشتهر شهاب الدين بالحديث عن الإنسان أينما كان. فالإنسان عنده هو القضية كيف لا وهو الذي بدأ حياته مربّي الأجيال يدرّس اللغة العربية وهو أحد الفائزين في برنامج الأوائل له العديد من الدواوين الشعرية. حسّه مرهف وكلماته تناسب لتدخل الوجدان دون استئذان.

وآخر الشعراء المشاركين كان مهدي منصور الذي قدّم مختارات من ديوانَيْ «سهرة الانتظار»، «أخاف الله والحبّ والوطن»، وقصيدة «تغيَّرتُ جداً» التي تحكي وجع الانسان العربي على مرّ الزمن، وقصيدة «أنساك من عتبي عليك» تحكي الاشتياق والحبّ وفيها الكثير من الحنين. وكانت له في قصيدة «من تراب لون جلدتنا، ومن تعب الزمان عيوننا». وهي بمثابة حملة من أجل العمّال الكادحين الذين يذهب تعبهم وعرق جبينهم هدراً.

في شعر منصور تنسجم الأصالة والحداثة معاً، حتى لكأنهما تبدوان قُبلتين لثغر واحد فهو يكتب بلغة عصره، ولكنه يحافظ على الإيقاع الموسيقيّ الذي يميّز الشعر العربي.

رافق الشعراء عدد من طلاب كلية الفنون الجميلة والعمارة برفقة ممثلة الأساتذة في الفرع الأول المهندسة نوال بوداني صعب رافقوا الشعراء بلوحات ورسومات رقمية الكترونية زينت قلعة الشقيف أبهرت الحضور .

حضر هذه الأمسية الثقافية إضافة إلى رنده بري، رئيس مجلس الجنوب قبلان قبلان، مستشار السفارة الإيرانية محمد شريعة مدار رئيس اتحاد بلديات الشقيف الدكتور محمد جميل جابر، رئيس بلدية أرنون فواز قاطباوي ورؤساء وأعضاء بلديات المنطقة ومخاتير وفاعليات ثقافية وفنّية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى