ماليزيا وباكستان وإيران وتركيا: الدينار الذهبي الإسلامي
ناصر قنديل
– يعرف خبراء المال والاقتصاد أن الفارق كبير بين دعوات البعض للعودة إلى الذهب كضامن للاحتياط النقدي للحكومات كضامن لعملتها الوطنية، وبين إصدار عملة جديدة لدولة بعينها أو لدول عدة معاً. وبالمقابل معنى أن تكون العملة الجديدة ذهبية، خصوصاً عندما تكون جامعة لمدى يتخطى دولة واحدة، فالخيار الأول بات غير واقعي منذ خروج الولايات المتحدة الأميركية من اتفاقية بريتون وودز التي أقرّت عام 1945 وربطت الدولار بالذهب بسعر ثابت مقابل اعتماد الدولار عملياً لتسعير سائر العملات، وفي عام 1971 فكت واشنطن ربط الدلاور بالذهب وبقي الدولار مهيمناً على سوق العملات، وأي عودة تستدعي موافقة أميركية مستحيلة، وشمولاً عالمياً مستحيلاً أيضاً، هذا عدا عن ميل الحكومات بلا استثناء للحفاظ على حرية إصدرات نقدية بلا عبء توفير تغطيتها الذهبية وتحمل نتائجها التضخمية للالتفاف والمناورة على الأزمات التي تواجهها في الأسواق والموازنات.
– معلوم أن إصدار عملة جديدة في أي بلد هو شأن سيادي خاص، أكانت ذهبية أم ورقية، كحال الجنيه الاسترليني والجنيه الكندي الذهبي المابل ومثلها رغم قلة التداول عملات الباندا الصينية والجاموس والنسر الأميركيين، وكذلك إصدار عملة عابرة لعدد من الدول شأن يخص الدول المتعاقدة كما هو حال اليورو بين دول الاتحاد الأوروبي، والذي مرّ بمرحلة تساكن مؤقتة بين دول الاتحاد قبل أن يصبح بديلاً كلياً لها، كما هو معلوم أن الخروج الأميركي من ربط الدولار بالذهب عائد إلى كون ثلاثية العملية المالية الأميركية عبر العالم تتكوّن من المكانة التجارية للبضائع الأميركية كشريك تجاري أول لكل بلاد العالم، والمكانة المصرفية للمصارف الأميركية كمهيمن على اللعبة المصرفية، والضلع الثالث لهذا الثنائي هو العقوبات التي استفحل استخدامها، وصارت قيداً حقيقياً على الاستقلال الاقتصادي والنمو لاقتصادات العالم، وصار التفلّت منها ومن آثارها المدمرة أمام التوحش الأميركي في اللجوء إليها مرهون بتحرير التجارة البينية للدول، أي عمليات المتاجرة التي لا تتم مع أميركا ولا بواسطتها، من قيد المرور بالمصارف الأميركية والعملة الأميركية.
– تصطدم محاولات اللجوء إلى العملات القوية الموجودة في التداول لإجراء العمليات المالية والتجارية بواسطتها، بمخاطرة تهرّب المصارف الكبرى في دول المنشأ للعملات القوية من إغضاب المصارف الأميركية وخشيتها من التعرّض للعقوبات الأميركية بداعي المضاربة غير المشروعة على الدولار، ولذلك تأتي الحاجة لبدائل من خارج السياق التقليدي المألوف، خصوصاً في تبادل السلع الاستراتيجية كالنفط والغاز، والتي تشكل حساباتها المالية مصدر قوة لسيطرة الدولار الأميركي وعبره السياسات الأميركية في العالم، وسبباً للتحكم الأميركي بدول وحكومات، ومحاولات إخضاع وترويض للبعض الآخر، وفي الأشهر الأخيرة دخل العالم مع حالة من اللاعقلانية الأميركية تهدد بتدمير اقتصادات دول، في ظل أزمة اقتصادية أميركية يجري السعي لمواجهتها بالاستناد لسياسة ضرائبية وجمركية تتغوّل تدريجاً لتصير أقرب للعقوبات وفرض الغرامات والخوّات على الاقتصاد العالمي، وفي ظل عجز أميركي عن فرض الهيمنة عبر القوة العسكري فتحل العقوبات بديلاً منها، وصار البديل العقلاني للتعامل الحصري بالدولار الأميركي، وليس للبديل الدائم ولا الشامل عنه ضرورة اقتصادية وتنموية وسياسية للعديد من الدول.
– عام 2003 قام الاقتصادي الآسيوي رئيس حكومة ماليزيا يومها والعائد إلى الحكم الآن، مهاتير محمد، وأثناء انعقاد القمة الإسلامية في بلده وترؤسه لها بطرح مشروع الدينار الذهبي الإسلامي، الذي لاقى ترحيباً نظرياً واسعاً يومها، وبات واضحاً أن جهوداً أميركية حثيثة بذلت لإطاحته ومن ثم إطاحة مهاتير محمد نفسه، وليس خافياً كم كان للسعودية دور محوري في المهمتين. ولم يكن بعيداً عن الإسناد للموقف السعودي بطلب أميركي كل من حكومتي تركيا، العضو في حلف الأطلسي والساعية لنمو تحت العباءة الأميركية يومها، وباكستان الواقعة تحت نفوذ أميركي سعودي مزدوج، والمعتمدة على الدعم المالي السعودي والدعم العسكري الأميركي، يومها، وفيما رحّبت إيران بالمشروع ذهب ترحيبها أدراج الرياح بصفتها دولة واقعة تحت الحصار والعقوبات من الجانب الأميركي وقد وجدت متنفساً في المشروع.
– اليوم وفيما تتحرّر باكستان بفوز حزب الإنصاف ورئيسه عمران خان المناوئين لأميركا والسعودية بالأغلبية النيابية، وتصادم أنقرة وواشنطن على الصعيدين السياسي والاقتصادي وصولاً لحرب عملات تخوضها واشنطن على العملة التركية. ويعود مهاتير محمد إلى سدة القرار الماليزي بمواجهة الهيمنة الأميركية السعودية، وتستعدّ إيران لمواجهة حزمات العقوبات المتصاعدة، يبدو التطلّع للعودة لمشروع الدينار الذهبي الإسلامي أكثر من ضرورة للدول التي يشكل مجموعها السكاني، قرابة نصف مليار نسمة، ويشكل حجم اقتصاداتها ما مجموعه قرابة ثلاثة تريليونات دولار، وفيما تشكل إيران الدولة الوحيدة المنتجة للنفط والغاز تشكل تركيا وباكستان أهم ممرات لأنابيب النفط والغاز وتشكل ماليزيا اهم دولة لمصافي النفط وصناعة البتروكيمياويات، وتشكل تجارة النفط والغاز وصناعة المشتقات قرابة نصف تريليون دولار في الدول الأربع وحدها كقطاع يمكن البدء به فوراً باعتماد الدينار الذهبي الإسلامي كعملة لتبادل النفط والغاز ومشتقاتهما وصناعاتهما، بينما يوضع الدينار الذهبي الإسلامي في سلة العملات المتداولة عالمياً، ويمكن تبادل السلع بواسطته مع دول كروسيا والصين وسائر دول البريكس، وعدد من الدول الأوروبية، عدا أن وضعه في التداول سيتكفّل وحده عبر تسعير العملات المحلية بالقياس له بحماية هذه العملات من الحرب الأميركية عليها وتردّداتها.