الجسور السعودية – السورية تخضّ الأوساط السياسية اللبنانية
روزانا رمّال
كشف مصدر محلي مطلع لـ «البناء» عن تحوّلات باتت حتمية سيعيشها الوسط السياسي اللبناني بالانتقال الى فترة ما بعد التشكيل الحكومي وخلالها وأسس التشكيل وتوزيع نوعية الحصص وإسناد «الحقائب» والتي ستأخذ بعين الاعتبار متغيّرات إقليمية بالجملة وتأثيرها على الساحة اللبنانية وأهمها ما يتعلق بالعلاقة اللبنانية الرسمية المقطوعة منذ أكثر من 8 سنوات مع سورية، بما في ذلك أسماء تضمن البدء في فتح صفحة العلاقة الجديدة مع سورية في ملفات النزوح التي تعنيه مباشرة وإعادة حركة التجارة بين المعابر المشتركة وصولاً إلى إعادة الإعمار، حيث تسعى أطراف معروفة لاستجرار دعم إقليمي ودولي من أجل إيجاد فرصة مناسبة تحدث خرقاً في هذا الإطار. وأضاف المصدر لـ «البناء» شكّل خبر إعلان مكتب سياحي سعودي عن بدء تنظيم الرحلات البرية من مدينة جدّة السعودية إلى سورية عبر الأردن لأول مرة منذ بدء الأزمة «خضّة» كبيرة لدى الوسط السياسي المعادي لسورية الذي بدأ بمجموعة اتصالات محلية وإقليمية لاستشراف الخبر اليقين، لأن فكرة عودة العلاقة بسورية تشكّل وحدها عنواناً عريضاً يذكّر بقلب الموازين. وإذا كان هناك من يجب طرح علامات استفهام حقيقية فهو الرئيس المكلف سعد الحريري للسعوديين. فالحريري على ما يبدو بعيد عن هذه الأجواء التي لم تحطه بها الرياض ومع أي تطور بهذا الإطار بدون شك سيكون امام تيار المستقبل مرحلة حرجة من إعادة ترتيب الأولويات بعد أن يتأكد ان السعودية عقدت العزم على التمهيد لـ «إعلان» تقارب مع دمشق تدريجياً.. مستشهداً بموقف لمرجعية سياسية كبرى يؤكد فيه على ان البلاد امام «فيلم سوري طويل» في المرحلة المقبلة.
وبالتوازي كشف مصدر دبلوماسي لـ «البناء» أن التواصل السعودي السوري بدأ منذ أكثر من سنتين بأشكال وأطر مختلفة. وأن مسألة بقاء الاسد حسمت منذ سنة عند السعوديين، حيث اكد ولي العهد تعاطي السعودية مع بقاء الرئيس السوري بشار الاسد بشكل واقعي. وأضاف المصدر «العلاقة مع سورية ليست موضع بحث في الرياض التي تعتبر أن إيران هي الخصم الأول راهناً وأن مسألة التحدي في الملف السوري لم تعد منتجة. وفي الوقت الذي يأخذ الملف اليمني كل التركيز السعودي، تجري الأمور في الملف السوري من دون اي حرج سعودي». وختم المصدر «السعودية ومعها دول خليجية أخرى لم تقطع التواصل مع قيادات أمنية في سورية في السنتين الماضيتين والأرضية صارت اليوم أقرب لإعادة العلاقات الدبلوماسية الى طبيعتها من أي وقت مضى».
في تفاصيل الخبر الذي أحدث هذا الإرباك المحلي إعلان مكتب سياحي عن انطلاق أول رحلة بريّة فجر يوم الخميس المقبل، في الوقت الذي تستعد فيه دمشق لإعادة فتح معبر نصيب الحدودي مع الأردن الذي أغلق قبل سنوات بعد سيطرة المسلحين على المعبر.
اول رحلة سياحية برية منذ 8 أعوام من جدة الى سورية تعني الكثير بالنسبة الى مفهوم «النأي» بالنفس مستقبلاً وإذا كانت المملكة العربية السعودية قد أجازت لأحد المكاتب بتسيير اول رحلة على ان أمراً من هذا النوع لن يتم بدون موافقة الجهات المعنية في الرياض على رمزيته، إلا أن الاشارات التي يجب تلقفها محلياً صارت أوضح وبعد أن شكل التموضع خلف الحريري والخلاف مع سورية ملفاً حاسماً باتجاه فرض شروط محلية في ادارة العمل السياسي ومسألة «الخلاف» على الاستراتيجيات، فإن التحول «الكبير» ينذر بعودة مرحلة النفوذ السياسي السوري السعودي من جديد الى لبنان. مع العلم أن هذا لن يكون وارداً بوجود حزب الله الذي صار يُمسك بمفاصل التوازن السياسي لحلفاء سورية وثانياً بعد أن أسندت دمشق إليه دورها السابق الذي فقدته في لبنان وما لبثت أن استرجعته عبر حزب الله المنتصر وحلفه «نيابياً».
التساؤل المحلي حول جدوى إطالة أمد الخلاف مع سورية يتصاعد يوماً بعد الآخر ومستوى الليونة المطلوب بهذا الاتجاه صار محوراً أساسياً لجلسات مغلقة وصالونات السياسة المحلية واحداً لم يعد يبحث بعمق الخلاف إنما بضرورة الانتقال من مرحلة الى مرحلة بسلاسة وبأقل الأدوار. هذه الأجواء أشيعت منذ انعقاد قمة هلسنكي التاريخية بين الرئيسين الأميركي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين والتي أرخت مقرراتها في ملف النزوح بشكله العريض على الساحة اللبنانية، في حين يلفت إلى أن فريق وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل تلقف الإشارات الغربية التي أقرّت ببقاء الرئيس السوري وقرب طي صفحة الخلاف العربي العربي معه وصعد من مستوى مطالبته الرئيسية للمجتمع الدولي من أخذ ملف النازحين على محل الجدّ وإلا فإن الاعتراض اللبناني جاهز.
بالمحصلة، تحرّك ملف النزوح عبر المبادرة الروسية التي سبقها الأمن العام اللبناني في تطويق الملف من كل الجهات، في ما بدأت مراكز الأمن العام المعنية بتأمين عودة النازحين الراغبين الى بلادهم وتسهيلها.
النأي بالنفس سيصبح ماضياً حكماً بفعل فتح المعابر التجارية الحدودية وإشارة السعودية باتجاه سورية التي ستكون لها تداعيات كثيرة على المشهد اللبناني، خصوصاً في ما يتعلق بحدة التصريحات باتجاه النظام السوري وبالحدّ الأدنى تكون «المهادنة» أول الغيث. فهل تصدق مقولة أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله في معرض نصحه الساسة المحليين بأن عليهم أن يسارعوا للمصالحة مع سورية قبل أن يصبحوا آخر المنضمّين العرب الى الركب؟