هل تتمرّد تركيا على الهيمنة الغربية؟
حميدي العبدالله
يمكن القول إنّ الدولة التركية ما بعد انهيار السلطنة العثمانية مرت بثلاث مراحل: المرحلة الأولى، هي مرحلة أتاتورك مؤسّس الجمهورية التركية. ويمكن الاستنتاج أنه على الرغم من أنّ أتاتورك متأثرٌ بقوة بالثقافة الغربية، إلا أنه انتهج سياسةً مستقلة هدفها تعزيز استقلال تركيا عن التكتلات الدولية الكبرى، وهذه المرحلة انتهت برحيل أتاتورك.
المرحلة الثانية، بدأت بعد الحرب العالمية الثانية حيث وثّقت تركيا علاقاتها مع الغرب وخضعت للهيمنة الغربية اقتصادياً وسياسياً بذريعة الخوف من خطر الشيوعية الدولية التي توسّعت منظومتها بقوة بعد الحرب العالمية الثانية وفي ضوء نتائجها.
المرحلة الثالثة، بدأت مع وصول حزب العدالة والتنمية الذي دشّن بداية حكمه برفع شعار التوجه شرقاً، وعلى الرغم من الفشلِ الذريع في هذه السياسة وانهيار «سياسة صفر مشاكل مع دول الجوار» وتحوّلها إلى «سياسة صفر أصدقاء مع دول الجوار» بدأت تركيا أردوغان تتراقص على أحبال سياسة التوجه شرقاً التي باتت مجرد شعارات، ولكن مع اضطراب علاقاتها مع الغرب تواجه تركيا أردوغان اليوم اختباراً صعباً في سياستها الخارجية. الغرب لا يقبل من تركيا أقلّ من الإذعان الكامل وقبول علاقات التبعية كما كانت على امتداد السنوات التي أصبحت فيها تركيا عضواً في حلف الناتو، ولن يقبل منها تنويع مصالحها خارج الإرادة الغربية، وتحديداً الأميركية، حتى لو جاء هذا التنويع تحت ضغط عوامل جيواقتصادية، مثل العلاقات النامية مع كلٍّ من روسيا وإيران. لكن تركيا في ظلّ أردوغان تشكلت فيها مصالح الفئة التي يمثلها في السلطة عبر المصالح الناشئة مع إيران وروسيا، وبالتالي القطيعة مع هذه الدولة تلحق الأذى بمجموعة أردوغان الاقتصادية أكثر من أيّ جهةٍ أخرى.
لكن هل يجرؤ أردوغان على وضع تهديده للتوجه إلى حلفاء جدد، ردّاً على العقوبات الأميركية، موضع التطبيق؟
حتى لو أراد أردوغان ذلك، وحتى لو كانت مصالح بطانته الاقتصادية مرتبطة بهذا الخيار فإنه غير قادر على سلوكه، لأنّ الاقتصاد التركي بُنيَ على علاقةٍ وطيدةٍ مع الاقتصاد الغربيّ وأيّ محاولة للخروج من دائرة التبعية لهذا الاقتصاد ستقود إلى انهيار سيفضي إلى إسقاط حزب العدالة والتنمية وطرده من السلطة، ولعلّ أزمة الليرة التركية ليست أكثر من مجرد إنذار.