الجولاني لا علاقة له بالجولان وحريق إدلب ينتظر إشعال الفتيل!
محمد ح. الحاج
في إدلب لن يكون حريقاً عادياً، بل، سيكون بركاناً، وقد يسمّى في ما بعد «أمّ المعارك». في إدلب وريفها يسمع من بقي من أهل المنطقة وعائلاتها هدير الدبابات وصرير جنازيرها، كما ترتجّ الأرض على وقع أحذية الاستعداد للمعركة. هل حقاً قال أردوغان إنّ إدلب خط أحمر وإنّ مهاجمتها من قبل الجيش السوري ستجعله يجتاح اللاذقية وطرطوس ويصل دمشق خلال أيام قليلة…! تُرى هل يعتقد هذا المتغطرس أنه يذهب إلى نزهة متناسياً أنه يواجه جيشاً من أعرق الجيوش في المنطقة خبرة وتدريباً وتصميماً على الدفاع عن وطنه…؟
تركيا اليوم هي الدولة الأكثر ضياعاً في المنطقة. فهي في حالة من فقدان التوازن والاتجاه، هي عضو في الناتو وليست مقبولة في مجتمعات الغرب، ولن تكون عضواً في الاتحاد الأوروبي، تختلف مع حليفتها وحاميتها، الإدارة الأميركية وتتعرّض كما غيرها من الدول لعقوبات اقتصادية كما تتعرّض إيران وربما بالمستوى نفسه رغم الفارق بين الدولتين. إيران التي تقود وتدعم مقاومة شرسة ضدّ أميركا ومشروعها الصهيوني، وتركيا الحليف وقد نقول السابق ولست بالمتفائل ، الذي يهدّد بالبحث عن شركاء جدد رداً على عقوبات أميركا، وها أردوغان يقول موجّهاً خطابه لـ «زعيمة» العالم «الحر»، إن ّعصر البلطجة قد ولّى وانتهى، هل يمكننا القول إنّ عضوية تركيا في الناتو شارفت على نهايتها؟ أشكّ في ذلك.
فصول مسرحية العسكرة على ساحتنا المشرقية تتوالى، تخلط الأوراق بين الكوميديا والدراما، وما عاد لمراقب أو محلل القدرة على إثبات رؤية صائبة أو نتائج تستشرف الآتي، لماذا يهدّد أردوغان وهو الملتزم بمحاربة النصرة، ولماذا يجعل من نفسه موضع سخرية عندما يعلن أنه سيجتاح اللاذقية وطرطوس، بمعنى أوضح الساحل السوري بما فيه من قواعد عسكرية وقوات وكأنه يعيش حلم اجتياح واحدة من جمهوريات الموز…!
الحشد الإرهابي في إدلب، وبطبيعة الحال كان الدافع لهجرة أهل المنطقة ولجوئهم إلى المحافظات المجاورة، اصطحب معه العائلات التي يمثلها ويرتبط بها، وربما تكون الدرع المدني الذي يتذرّع بها. هذا الحشد على تعدّد مسمياته 128 فصيلاً تشكل أغلبها النصرة أو «جبهة تحرير الشام»، فهل تمكّنت تركيا عبر وجودها في إدلب من الفصل بين هذه «النصرة» المصنّفة إرهابية وبين باقي الفصائل، رغم أنّ وحدات من النصرة هي مَن سهّلت وقامت بمهام الدليل للوحدات التركية. هذا الأمر الذي لا يسمح بتصديق أيّ ادّعاء تركي بمحاربتها، بل يجب الأخذ بعين الاعتبار حماسة أردوغان للحفاظ على ميوعة الموقف ومنع تحرير المنطقة لأهداف قد لا تكون خافية على الدولة السورية ودبلوماسيتها.. الأطماع القديمة في الإقليم!
القائد في جبهة النصرة، الجولاني المهزوم من جرود لبنان يعلن أنه سيقاتل إلى النهاية، علماً أنه سيكون أول مَن يغادر عندما يصبح الأمر جدياً. سوف يهرب بعائلته وبما يحمل من ملايين الدولارات وهو الأكثر تعلقاً بالحياة من غيره. الرجل الذي يحمل اسم الجولان المحتلّ ما كان في يوم من الأيام معنياً بتحرير الأرض التي ينتمي إليها، حتى أنه لم يفكر بذلك مجرد تفكير ولا يقولنّ أحد إنّ دافعه الديني كان الغالب، فهو وأمثاله كان دافعهم المال.. الريال والدينار والدولار، مثلهم كمثل الطبيب الفلسطيني من حماس الذي نأى بنفسه عن قتال اليهود وهو على بعد خطوات منهم وفضّل المجيء إلى أراضي الدولة الأكثر دفاعاً عن حقوق شعبه، وكان أن فجّر نفسه في مكان يزدحم بالأبرياء ليقتل كما يدّعي أكبر عدد من «الرافضة والمجوس» وليعوّضه الله بسبعين حورية في الجنة بعد أن يتناول العشاء مع الرسول.
هكذا هو الإيمان المدفوع ثمنه، وهكذا يخدم هؤلاء المشروع الصهيوني ولا أقول عن غباء، فأغلبهم يعرف ويتجاهل.
عندما فاوض الجولاني للخروج من الجرود بعد هزيمته، كان همّه الأول إخراج الملايين من الدولارات قبل عائلته وأولاده وما بقي من مقاتليه. الجولاني وأمثاله يخدمون المشروع حتى النهاية مع ضمان سلامتهم والأهمّ أموالهم التي قبضوها ثمناً لتخريب الوطن وقتل أبنائه الأبرياء. هؤلاء سيغادرون وقبلهم الإرهابي السعودي المحيسني الذي نجح حتى اليوم في الاحتماء من النيران والموت، لأنه لم يكن على جبهة أبداً. الرجال الذين يقودون جنودهم وهم في المقدّمة نالوا شرف الشهادة، عنيت قادة من الجيش السوري ومن المقاومة، بينما بقي الجرذ السعودي سالماً يتنقل من جحر إلى آخر، وغداً قبل أن يطبق الجيش على أمكنة اختباء هؤلاء الأدوات وتوفر لهم تركيا والدول الداعمة ممرات آمنة وطرقاً محروسة، ولن تتأخر الحوّامات الأميركية عن نقلهم كما فعلت مع قادة داعش والضباط الخبراء من متعدّدي الجنسيات.
مسموح لأردوغان أن يقول ما يشاء، يهدّد ويتوعّد، لكنه لا يستطيع التنفيذ لأنّ الجنرالات الأتراك لن يسمحوا ولن يشاركوا بحرب ولن يزجّوا وحداتهم في قتال نهايته بالحدّ الأدنى العودة إلى ما قبل 2011 مع إغلاق تامّ للحدود السورية ومعابرها ومعها الحدود والبوابات العراقية بوجه حركة التجارة مع الدول العربية وهي التي رفعت من مستوى الاقتصاد التركي وساهمت برفع مستوى الدخل الفردي ونجاح ما يُسمّى حزب العدالة والتنمية الذي يشبه بقرة تحلب كميات كبيرة، لكنها تدوس الوعاء فتندلق على التراب… حزب أردوغان نجح في بداياته وعلاقاته مع كلّ من العراق والشام، لكنه اليوم يخرّب هذه العلاقات ليس معهما فقط، بل مع أغلب دول المنطقة، هو الغرور الذي يدفع بالرئيس الأهوج لقول ما يقول وإطلاق التهديدات والوعود ويعلم أنه عاجز عن تحقيقها سواء عن طريق الحرب أو السلم بعد أن قطع حبال التواصل مع الجميع عدا الصهاينة الذين ينتمي إلى محفلهم.. أردوغان لا يجرؤ على الحنث بقَسَمه… أبداً.
لأميركا وحدها أن تلعب بالجزرة والعصا كما فعلت في المسألة الكورية. هكذا هي توتّر الأجواء مع تركيا وروسيا وإيران وغيرهم، لكنها من جانب آخر تتواصل مع أغلبهم وتعرّض الحوار مع ألدّهم عداء عنيتُ إيران لكن إيران هي مَن ترفض بموجب فتوى مرشدها، أما تركيا فتصرخ وتهدّد بالردّ، وترامب يضحك ساخراً، الإدارة الأميركية تتلاعب حتى بالحلفاء، وإذ تصل الأمور إلى حافة الهاوية تعدّل الاتجاه وتستبدل لهجة الخطاب ويبدأ المندوبون بالوصول سراً وعلانية وتعود الأمور إلى سابق عهدها. السياسة الأميركية لا تعرف الثأر ولا تهتمّ بما جرى وما قيل، تتقبّل الشتيمة والنقد والتشكيك، لكنها ترفض الهزيمة وتجد المخارج جاهزة، فباسم السلم العالمي تبرّر نهج الحوار مع الدولة الصغيرة الفقيرة كوريا الشمالية، وكانت العدو الأكبر، فما بالنا والعلاقة مع تركيا الحليف والبوابة الأهمّ التي تطلّ منها على آسيا الصغرى وشرق أوروبا وغيرها من الدول.
الأحاديث تكثر والتنبّؤات تتضارب ولا يعرف الساعة الصفر إلا القيادة السورية، فهي صاحبة القرار وهي من يأذن بإشعال الفتيل ليكون التحرير الموعود.