المال السعودي لتمديد الحرب على سورية…!
جمال محسن العفلق
استطاعت الصهيونية العالمية الاستيلاء على المال العربي واستثماره في مشاريعها، وكنّا على مرّ التاريخ ومنذ احتلال العصابات الصهيونية لفلسطين نعلم أنّ العصابات الصهيونية تُموَّل بالمال العربي.
وقد استطاعت الشركات الصهيونية تسخير المال العربي ليكون في خدمتها من خلال دعم الأنظمة الحاكمة لهذا المال وتطويعها. فالمنفعة متبادلة… دعم البقاء في الحكم مقابل المال، الطائرات التي قصفت بيوت الآمنين ودمّرتها كان وقودها النفط العربي. وفي الوقت نفسه الأنظمة كانت تحاصر دول الطوق اقتصادياً وعندما قُطع الدعم العربي عن سورية ولبنان والمقاومة الفلسطينية، كانت الأموال العربية تودع في المصارف الصهيونية في الولايات المتحده الأميركية وأوروبا، وتُستقبل الشركات الصهيونية تحت أسماء أوروبية وأميركية وتمنح الامتيازات والتسهيلات للاستثمار في السعودية ودول أخرى.
وقبل إعلان الحرب على سورية كان المال العربي يصل إلى الجماعات الإرهابية والسلاح يعبر الحدود من الأردن ولبنان وتركيا… والمموّل عربي، وخلال الحرب ورغم ادّعاء السعودية وقطر في حينها أنهما ترسلان مساعدات إنسانية كان الواقع يكشف عن أسلحة متطوّرة مصدرها السعودية وقطر ودول أخرى. فالحرب على سورية كانت بالمال العربي والسلاح الأميركي ومرتزقة جيء بهم من كلّ أصقاع الأرض لتدمير آخر عواصم الرفض ومناهضة التطبيع، ومن أجل سلب إرادة شعب جريمتة الوحيده أنه دعم المقاومة ورفض الذلّ والعار.
ورغم ادّعاء السعودية، وما سمّي بـ «أصدقاء الشعب السوري»، أنهم يريدون السلام لهذا الشعب، إلا أنهم كانوا أدوات التنفيذ لقتل هذا الشعب، فمجموع ما أنفقته دول الخليج على الحرب في سورية يساوي ميزانية العالم العربي بكامله لخمس سنوات. ولكن بالتأكيد لم يكن هذا المال ملكاً حقيقياً لأصحابه، بل هو تحت سيطرة الصهيونية العالمية وشركاتها التي تقرّر سياسة الدول التابعة لها في الخليج خصوصاً وفي العالم العربي عموماً.
واليوم بعد سقوط الأقنعة، وتحوّل الخيانة مجرد وجهة نظر تعلن السعودية دفع مبلغ مئة مليون دولار لدعم جريمة تقسيم سورية، ولتمديد الحرب على سورية، فهذا الدعم العلني هو سداد فواتير طلبها ترامب في برنامجه الانتخابي، فلا شيء بالمجان، والدفع اليوم يجب أن يكون بالعلن، ولإبقاء القوات الأميركية في قاعدة التنف على السعودية الدفع صاغرة وتنفيذ طلبات إدارة ترامب، فإعلان السعودية تزامَن مع تصريح قوات الاحتلال الأميركي بالبقاء في قاعدة التنف، وهي القاعدة الداعمة لتنظيم داعش الإرهابي، الذي حاول احتلال قرى السويداء الشرقية. وهذا بالتأكيد جريمة جديدة تُضاف الى جرائم السعودية بحق العرب والمسلمين، فحكام الحجاز ونجد اليوم هم مجرمو حرب وأياديهم ملطخة بالدماء من بغداد الى الدار البيضاء، وفضح هذه الجرائم هو أقلّ ما يمكن فعله اليوم.
فالمال القذر هو المعطل الأول للحياة الدستورية في لبنان، وهو الذي يفرّق العراقيين، والمال نفسه هو الذي استخدم لخنق الشعب الأردني وتدجينه وإذلاله، لم يتحمّل حكام أرض الحجاز أخبار الانتصارات في سورية، ولم تتقبّل القيادة السعودية مشهد خروج الإرهابيين من حوض اليرموك آخر معاقل داعش. وهزيمة داعش في معركة السويداء قلبت الطاولة على الجميع. فالمنطقة الجنوبية لم يعُد بالإمكان تحويلها جيباً صهيونياً، كما خطط الغزاة.
وعلى المقلب الآخر يذهب أمير قطر للاستثمار في تركيا ولدعم أردوغان واقتصاده، وهذا الدعم لم يأت من فراغ ولا بإرادة حرة من أمير قطر، بل هو ينفذ أوامر أميركا. وهي اللعبة نفسها بالتجاذب الإعلامي بين الخصوم، السعودية تدفع للأكراد وقطر تدافع عن تركيا وأمام مَن…؟ أمام الحاكم الأميركي صاحب أكبر قاعدة عسكرية في المنطقة والموجودة في قطر!
هذه المسرحية الأميركية حول العقوبات على تركيا والبذخ السعودي من جانب والقطري من جانب آخر، ليس لها أيّ تفسير سوى أنّ ترامب سوف يجرّد هذه الدول من كلّ ما تملك وأنّ حكام هذه الدول يقامرون بشعوبهم ومقدّرات تلك الشعوب.
فالمال السعودي يسعى لتنفيذ ما عجزت عنه حرب السنوات الثماني. فكلّ الأموال التي دُفعت في الحرب ذهبت أدراج الرياح وفشلت السعودية في رسم قواعد اللعبة وبقيت المملكة خارج القرارات المهمة في هذه الحرب إلا في المال الذي تتلقى الأوامر لدفعه، كما المال القطري الذي يريد الحفاظ على خادم الحركة الصهيونية في تركيا أردوغان. وكلّ هذا خدمة للصهيونية والعصابات الصهيونية، ومحاولة من المحاولات الفاشلة الكثيرة في إحراز نصر ولو على ورق في العدوان الدولي على سورية. فمشكلة الحكام في الحجاز ونجد أنهم يعتقدون أنّ المال يصنع كلّ شيء، ولا يفهم هؤلاء أنّ إرادة الشعوب هي الأهمّ. فبناء القصور أهمّ من بناء الإنسان في اعتقادهم، ولم يتعلّم هؤلاء من دروس وعِبر حرب تموز وماذا فعلت حرب الثلاثة والثلاثين يوماً بجيش كان يُقال عنه إنه أقوى جيش في المنطقة، ولم يفهموا أنّ مجموعة من المجاهدين عطّلت جيشاً بأكمله…
حكام الخليج يعتقدون أنّ العالم بحاجة إليهم، فيما الحقيقة هي أنّهم مجرد دول محتلة، ومَن يحكم البلاد هي السفارة الأميركية ودورهم فقط هو تنفيذ الأعمال القذرة بالنيابة عن الحاكم الأميركي.
لقد غرق حكام الحجاز ونجد بالخيانة، وأغرقوا شعوبهم معهم واستطاع ترامب أخذ مالهم وإذلالهم. وكلّ هذا ليس بشيء أمام تسويق صفقة القرن التي تريد أميركا عقدها والرابح الوحيد من هذه الصفقة هي العصابات الصهيونية.
أما إعلان السعودية عن هذه المنحة الجديدة فقد أتى بعد جرائم التحالف السعودي في اليمن، ومن أجل التعتيم على تلك الجرائم، ولن يتوقف الرقم على مئة مليون دولار. فالمطلوب أكثر من ذلك لأنّ ترامب تحدّث عن سبعة تريليون دولار خسرتها الولايات المتحدة، وسيكون على السعودية دفع مبالغ إضافية لإغلاق ملفات كثيرة أهمّها دورها في تمويل الإرهاب الدولي. وهذا سيكون كفيلاً بأفلاسها وقد يكون مقدّمة بسيطة لمشروع حدود الدم الذي يشمل تقسيم الخليج دويلات وخلق حرب تبقى آبار النفط والغاز بعيدة عنها وتحت سيطرة الشركات المنتجة فقط…