لافروف وباسيل: عودة النازحين منفصلة عن الحل السياسي… ولبنان لن يُترك رهينة صفي الدين: ننصح بعدم التلكؤ في تشكيل الحكومة… والمتلكئون أول الخاسرين
كتب المحرّر السياسي
فيما تجمّد واشنطن مشاريع ولادة حكومتي لبنان والعراق على توقيت ساعة عقوباتها على إيران واستهدافها للمقاومة ممثلة بحزب الله، يحضر الارتباك الإسرائيلي أمام المعادلات السورية الجديدة والعجز عن التأقلم معها وعن تغييرها في آن واحد. فما نقلته الصحف الإسرائيلية عن زيارة مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون لتل أبيب يكشف القلق من العجز عن تغيير المعادلات التي فرضها محور المقاومة، وبالتالي خطورة البقاء خارج أي تفاهمات بالمقابل، ليبدو اللقاء الذي سيجمع بولتون بمستشار الأمن القومي الروسي نيكولاي باتروشيف، مخصصاً لبحث الهموم والاهتمامات الإسرائيلية، التي لا يملك التهويل بالخيارات العسكرية فيها مصداقية في ضوء التوازنات التي يفرضها ميزان الدرع الذي يحكم علاقة القوة بين كيان الاحتلال ومحور المقاومة، ومقابل السعي لتبريد الجبهة الشمالية لكيان الاحتلال هماً أميركياً، تريد واشنطن تفعيل التجاذبات التي تحكم سائر الملفات، خصوصاً لمنح العقوبات على إيران والمقاومة فرصة إظهار القدرة على تغييرات في قدرة إيران على الصمود وفي ترويض المقاومة بملفات الشيطنة والتشويه والملاحقة التي أضيف إليها مجدداً استحضار المحكمة الدولية الخاصة بلبنان كما تبشر قوى الرابع عشر من آذار بقرب صدور أحكامها وتزجّ بها كعامل من عوامل التجاذب الحكومي.
لبنانياً، حيث التعثر الحكومي صار من المسلمات الراهنة، شكلت زيارة وزير الخارجية جبران باسيل إلى موسكو ولقاؤه بوزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف مناسبة لتظهير التطابق في الموقفين الروسي واللبناني تجاه قضية عودة النازحين السوريين، وتجاه مكانتها كأولوية في جدول أعمال الوزارتين، خصوصاً لجهة الفصل بين العودة والحل السياسي في سورية، واعتبار الربط المفتعل محاولة لأخذ النازحين رهينة وجعل لبنان رهينة وتحويل سورية رهينة أيضاً، والفصل بين العودة والحل السياسي يحرّر العناوين الثلاثة، وهو ما أكده الوزيران.
الحكومة كموضوع سياسي معلّق، حضرت في كلام رئيس المجلس التنفيذي لحزب الله السيد هاشم صفي الدين، الذي حذّر من خطورة التلكؤ في تشكيل الحكومة، مشيراً إلى أننا «اليوم نواجه مشكلة ومعضلة في لبنان هو تشكيل الحكومة. وهذا التلكؤ والتباطؤ ليس في مصلحة لبنان وليس في مصلحة أحد على الإطلاق، خصوصاً أن البلد على المستوى الاقتصادي والاجتماعي له استحقاقات كبيرة وكثيرة وخطيرة، لذلك فإن التلكؤ والتباطؤ سيضر بالجميع، حتى البعض الذي يتمادىفي التباطؤ أنا أعتقد أنه لم يلتفت إلى أنه يضيّع وقتاً على نفسه وعلى مشروعه إن كان يحمل مشروعاً». أضاف صفيّ الدين «نحن في لبنان واجهنا أنماطاً في السياسة معظمها فاشل وليس من مصلحة أحد»، مشيراً إلى أن «لبنان بحاجة الى ادارة سياسية قوية وفاعلة». وتابع بأن «هذا الاستحقاق يجب أن يعالج بجديّة ومسؤولية وليس بالتلكؤ كما نرى في أيامنا هذه من كثرة كلام سياسي بلا طائل. فالجدال والسجال والكلام العقيم الذي لا طائلة منه لا يفيد أحداً، لا في السياسة ولا في الاقتصاد ولا في توحيد اللبنانيين». وختم: «لبنان اليوم بحاجة إلى أعمال وإلى أفعال، وتكفينا الأقوال بلا طائل والكلمات التي تنطلق من هنا وهناك من أجل غريزة أو استقطاب طائفةٍ أو مجموعةٍ أو عصبويّة حزبية»، مؤكداً أن «هذا كلّه لا فائدة منه وليس وقته الآن».
بري يرفع السقف ولا مبادرة…
يبدو أن استحقاق تأليف الحكومة بدأ يأخذ مساراً انحدارياً مع تبدُّد الفرص الجدية لإحداث خرق لـ«الستاتيكو التعطيلي» الذي يفرضه ثلاثي تيار المستقبل والقوات اللبنانية والحزب الاشتراكي واستمراره بسياسة حرق الوقت تلبية لرغبات خارجية.
وإذ غادر الرئيس المكلف سعد الحريري البلاد لتمضية إجازة عائلية في ايطاليا، تترقب الساحة الداخلية خطاببن مفصليين: الأول للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله الأحد المقبل في ذكرى التحرير الثاني والانتصار على الإرهاب حيث يستكمل ما بدأه في خطابه بذكرى انتصار تموز، والثاني للرئيس نبيه بري في ذكرى تغييب الامام السيد موسى الصدر في 31 آب الحالي، حيث سيرفع رئيس المجلس سقف موقفه إزاء تعطيل تأليف الحكومة وعرقلة عودة العلاقات الرسمية مع سورية الى طبيتعها، بحسب ما علمت «البناء» لكن بري لن يعلن مبادرة وطنية إنقاذية أو حلول لعقد التأليف، إذ إن ظروف إنتاج مبادرات جديدة غير موجودة الآن.
عون: سلّفت الحريري ولم أُعامَل بالمثل…
ونقلت أوساط رئيس الجمهورية عنه لـ«البناء» امتعاضه حيال المنحى الذي تتخذه عملية التأليف بعد مرور 88 يوماً على التكليف، إذ لم يقدَّم الرئيس المكلف حتى اللحظة مسودة للحكومة»، واستغرب الرئيس ميشال عون سلوك المعنيين بالتأليف، فـ«رئيس الجمهورية قدّم تنازلات عدة وسهّل مهمة الحريري الى أقصى حدود وهو سلف الجميع التسهيلات والإيجابية لا سيما الحريري منذ التسوية الرئاسية حتى الآن، لكن لم يُقابل بالإيجابية نفسها ولم يُعامل بالمثل لا سيما في تأليف الحكومة، بل يتمّ حرق الوقت وتجاوز نتائج الانتخابات النيابية والضغط على العهد للتنازل في مسائل وطنية». وترى مصادر مقربة من رئيس الجمهورية الى أنه «كان الأجدر بالرئيس الحريري تأليف حكومة بالتنسيق مع الرئيس عون وليس إرضاء القوات والاشتراكي». وتحذّر المصادر من أن «محاولات عرقلة حكومة العهد الأولى تخفي في طياتها ضرب التسوية الرئاسية وبالتالي إضعاف العهد وكأن الأمر مخطط له سابقاً»، محذرة من أن «الحكومة باتت في مهب الريح».
ورأى الرئيس عون أن «الظروف التي تحيط بلبنان ودول المنطقة تفرض تضافر جهود الجميع لتمكين لبنان من مواجهة التحديات الماثلة وإنجاز الاستحقاقات وأبرزها تشكيل حكومة جديدة لاستكمال عملية البناء والنهوض بالبلاد لتكون على قدر تضحيات اللبنانيين وطموحاتهم، لاسيما الجيل الشاب منهم».
«القوات»: ستكون لنا حصة وازنة
في المقابل تستمر القوات اللبنانية بالتهجم على التيار الوطني الحر وعلى العهد، فقد شبّه رئيس القوات سمير جعجع ممارسات العهد باستدعاء بعض الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي بممارسات عهد الوصاية، ولفت جعجع الى «أننا سنحصل على حصّة وازنة في الحكومة وستكون لنا إمكانيّة أكبر للتأثير في مجريات الأحداث»، مذكراً بمضمون تفاهم معراب، مشدداً على أننا «لن نتخلى عنه وسنعود إليه في كل مرّة . فنحن قد اتفقنا على أن أي حكومة تتشكل من 30 وزيراً يكون للرئيس 3 وزراء فيها فيما البقية تنقسم على «التيار» وحلفائه من جهة و»القوّات» وحلفائها من جهة أخرى. كما اتفقنا على أن يتم تشكيل لجنة نيابيّة مشتركة بعد الانتخابات يتم عبرها تحديد سياسات العهد، لذلك نحن متمسكون بالتفاهم الذي لا يمكن أن يلغى إلا بإرادة طرفيه ومحاولة أحدهما التملص منه لا يمكن اعتباره سوى انقلاب لأحد الفريقين على الاتفاق». بينما أشار النائب جورج عدوان الى أن «مشكلة الحكومة ليست في سورية إنما هي بالمطالب التي يريدها التيار الوطني الحر ولم يستطع تحقيقها رغم محاولاته بطرق متعددة».
حزب الله: نُحذّر من التلكؤ
غير أن اللافت هو ما يعمد اليه إعلام وسياسيو 14 آذار من قلب للحقائق عبر اتهام 8 آذار بربط تأليف الحكومة بالتواصل الرسمي مع سورية، فيما الحريري هو الذي ربط تأليف الحكومة بالعلاقة مع سورية وليس قادة 8 آذار. فالحريري الذي جاهر منذ أيام بالقول بأن لا حكومة تنسّق مع سورية، ما يعني بأن فريق 14 آذار يستخدم الاتهام المعاكس للتغطية على سياسة التعطيل التي يمارسها وعلى ارتهانه للخارج، علماً بأنه عندما تأتيه الإشارة من الخارج كما درجت العادة حينها لا يعدّ التواصل مع سورية بمفهومه شرطاً مانعاً للتأليف!
وحذرت مصادر 8 آذار من أن «رئيس الحكومة المكلف ينتهك البيان الوزاري ويخرق دستور الطائف الذي ينص على العلاقات المميزة مع سورية، كما يقفز فوق مصلحة لبنان الاقتصادية ولا يعير اعتباراً مصالح اللبنانيين في حياتهم اليومية في الكهرباء والزراعة والصناعة والتجارة الخارجية، حيث يعتبر التواصل مع سورية المدخل الرئيسي والأسهل لتوفير ذلك فضلاً عن حاجة لبنان القصوى الى حل أزمة النازحين السوريين والمشاركة في إعادة إعمار سورية، فإلى أين يأخذ الحريري الحكومة ولبنان؟».
بدوره رأى رئيس المجلس التنفيذي في حزب الله السيد هاشم صفي الدين أن «التلكؤ والتباطؤ في تأليف الحكومة ليس في مصلحة لبنان ولا مصلحة أحد على الإطلاق، خصوصاً أن البلد على المستوى الاقتصادي والاجتماعي له استحقاقات كبيرة وكثيرة وخطيرة، لذلك فإن التلكؤ والتباطؤ سيضرّ بالجميع، حتى بعض الذي يتمادى في التباطؤ، أنا أعتقد أنه لم يلتفت إلى أنه يضيع وقتاً على نفسه وعلى مشروعه إن كان يحمل مشروعاً». أضاف في كلمة له في الجنوب: «نحن في لبنان، واجهنا أنماطاً في السياسة معظمها فاشلة وليست من مصلحة أحد»، مشيراً إلى «أن لبنان بحاجة إلى إدارة سياسية، قوية وفاعلة».
خريطة طريق لتطبيق المبادرة الروسية
وفي مقابل الجمود الداخلي كان الحدث في موسكو التي شهدت مباحثات معمّقة بين وزير الخارجية اللبنانية جبران باسيل ونظيره الروسي سيرغي لافروف، حيث وضع الطرفان خريطة طريق لتنفيذ المبادرة الروسية لإعادة النازحين السوريين.
وجدّد باسيل تأكيد أن «موقف لبنان هو دعم العودة السريعة المتدرجة الآمنة المستدامة للنازحين السوريين من دون أي ربط بينها وبين بالحل السياسي». وقال في مؤتمر صحافي مشترك مع لافروف في موسكو عقب اجتماع بين الوفدين اللبناني والروسي: «طرحنا بعض الأفكار العملية لتشجيع النازحين على العودة وبحثنا العلاقات الثنائية وضرورة تعزيزها في كل المجالات، خصوصاً الاقتصادية والعسكرية»، وأشار باسيل «الى أننا «تحدثنا مع لافروف عن فتح تواصل مباشر بين وزارتي الخارجية اللبنانية والروسية ومؤسسات البلدين لتحويل مبادرة العودة الى الناحية التنفيذية»، مشدداً على ان «العلاقات البنانية السورية قائمة ولبنان يجب أن يكون منصة لإعادة إعمار سورية. ومن هنا ضرورة إعداده لهذا الدور من خلال التعاون بين لبنان وروسيا». أما لافروف، فأكد أن «روسيا تدعو دائماً لاحترام سيادة واستقلال لبنان وندعو اللبنانيين لإيجاد الحلول الداخلية من خلال الحوار ومن دون تدخل خارجي». واذ اشار الى ان «لبنان لا يجب ان يكون رهينة لمشكلة النازحين»، أكد «اننا بحثنا مسائل متعلقة بفرص إعادتهم وكيفية تأمين العودة الآمنة والكريمة لهم»، موضحاً أن «خلال الشهر الماضي فقط عاد أكثر من 7000 لاجئ سوري من لبنان ونحن جاهزون لمواصلة العمل على الملف».
وقالت مصادر مطلعة لـ«البناء» إن «أميركا وحلفاءها حوّلوا ملف النازحين الى جزءٍ من ملف الاشتباك مع سورية وحزب الله وإيران»، مشيرة الى أهمية ما يقوم به الوزيران باسيل ولافروف في إعادة النازحين الى سورية، غير أن العقدة ليست عند الطرفين بل عند المحور الأميركي الغربي السعودي الذي شنّ الحرب على سورية، فخسر المعركة العسكرية بعد 7 سنوات ويعمل اليوم على استبدال الحرب العسكرية بمعركة منع عودة النازحين للاستفادة منهم في الانتخابات الرئاسية المقبلة في سورية، وكما كان يربط الحرب على الإرهاب بالحل السياسي يربط عودة النازحين بالحل السياسي».
واستقبل الرئيس عون سفير لبنان في سورية سعد زخيا وعرض معه ملف النازحين السوريين وعدداً من المواضيع المرتبطة بالعلاقات اللبنانية – السورية.
«إسرائيل» تتوعّد لبنان
في غضون ذلك، وفيما ينشغل بعض اللبنانيين في قضاء إجازاتهم في الخارج ويمارسون سياسة تقطيع الوقت وإهمال معالجة الأزمات والقضايا الوطنية والمعيشية، توعّدت «إسرائيل» لبنان أمس، بحرب جديدة في وقت يحتفل اللبنانيون بالذكرى الثانية عشرة لانتصار تموز، وقد كشف رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي السابق الجنرال يعقوب عميدرور عن احتمال دخول الجيش الإسرائيلي في حرب على الجبهة الشمالية والاستعداد لحرب محتملة مع حزب الله.
وذكرت صحيفة «معاريف» العبرية أن الضابط الإسرائيلي السابق أوضح أنه «من المحتمل دخول الجيش الإسرائيلي في حرب على الجبهة الشمالية، وبأن على بلاده الاستعداد للحرب مع حزب الله اللبناني، والاهتمام بالجبهة الشمالية على حساب الجبهة الجنوبية مع قطاع غزة».