ما هي حكاية المحكمة الآن؟
ناصر قنديل
– منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري وقضية الاغتيال والتحقيق والمحكمة، قضية سياسية لا مكان لأي بُعدٍ يحمل مصداقية السعي القانوني في كشف حقيقة وتحقيق عدالة، كما يدّعي أهل التحقيق الدولي والمحكمة الدولية، وهم لا ينفكّون يهددون بهما خصومهم السياسيين، حتى كان هؤلاء عندما يريدون توجيه الرسائل السياسية للخصوم يقولون نلتقي في لاهاي في إشارة إلى مقدرتهم على جلب مَن يعارضهم إلى المحكمة، ولا حاجة للتذكير بحكاية شهود الزور ولا بالاعتداء على الكرامات وتوجيه الاتهامات، ولا بفبركة وقائع بغرض جعل الخصم السياسي هو المتهم، وجعل التبرئة من التهمة سياسية أيضاً.
– جرى استخدام الاغتيال والتحقيق لفرض سيطرة الفريق التابع للرياض وواشنطن لبنانياً، على الأجهزة الأمنية باسم التحقيق عبر وضع قادة الأجهزة الأمنية في قفص الاتهام بداية. ثم جرت السيطرة على المجلس النيابي والحكومة بقوة التحريض المذهبي والتهديد بالفتنة، وجرى اتهام سورية ثم تبرئتها، كما اتهام الضباط الأربعة وتبرئتهم، من دون أن يعرف أحد ما الذي سيجري في ملاحقة شهود الزور ومَن قام بتصنيعهم. وقد بني الاتهام على إفاداتهم وبُنيت التبرئة على دحضها، وأكمل التحقيق نحو اتهام جديد وكأن شيئاً لم يكن، وضرب عرض الحائط بحجم الأذى الذي لحق بمن تمّ اتهامهم وتبرئتهم، فلم يتبقّ من معنى للعدالة إلا اسمها. وصارت اللعبة علنية، مَن يخاصم واشنطن عليه الاستعداد للمثول أمام المحكمة.
– ليس غريباً في هذا السياق استحضار المحكمة اليوم في ذروة الحرب التي تشنها واشنطن على المقاومة، ولم يعد بين يديها ما ترمي به في ساحة المواجهة، إلا استعادة فتح دفاترها القديمة، لكن الغريب أن الفريق المحلي المعني بتشكيل الحكومة لم يخفِ علاقته بالاستحضار ووظيفته، فخرج فوراً ينصح المقاومة بقبول ما يُعرَض عليها في الحكومة الجديدة قبل أن تقول المحكمة كلمتها، ويصير ملاحقاً بجريمة الاغتيال، وينفلت الغضب في الشارع في مناخ تشنّج لا يمكن فعل شيء خلاله، ما لم تكن الحكومة التي تضم الجميع موجودة، فيلحق بالمقاومة ما لا تحمد عقباه. وهل من تفسير لوظيفة المحكمة في خدمة السياسة، ومن تفسير لعرقلة تشكيل الحكومة، أشدّ وضوحاً؟
– لمزيد من الإيضاح يرفق أهل المحكمة والحكومة في مجالسهم ما ينسبونه لمصادر دبلوماسية غربية، فيقولون إن الحكم الذي سيصدر عن المحكمة في الخريف سيطال حزب الله كحزب وليس مجرد محازبين، وأن اسم الأمين العام لحزب الله وأسماء قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني وقادة سوريين وإيرانيين ستكون ضمن الحكم المنتظر عن المحكمة. وأن مذكرات جلب دولية ستصدر بالأسماء. وتذكر المصادر بكون المحكمة منشأة وفقاً للفصل السابع ويشكل التعاون معها إلزاماً لجميع الدول، لتستطرد بالقول إن لبنان سيكون مهدّداً بالعقوبات ما لم يتعاون مع أحكام المحكمة.
– رسائل تهديد واضحة ومعلنة تتم تحت عنوان مزدوج أميركي سعودي ووظيفته المحلية تدعيم مواقع جماعاتهما في الملف الحكومي بعد خسارة الانتخابات النيابية، والجواب هو التراضي على انتظار ما بعد تشرين، ولنرَ مَنْ سيربح ومَنْ سيخسر، والرابح يشكل الحكومة وفقاً لدفتر شروطه.