الحريري يؤكد صلاحياته… يتفادى السجال حول المحكمة… ويوحي بتفاؤل توقّعات بلقاء قريب يجمع رئيسَي الجمهورية والحكومة يضع النقاط على الحروف
كتب المحرّر السياسيّ
لا يزال فصل الحرب على الإرهاب في إدلب مصدر قلق لدى الغرب، خصوصاً لدى الأميركيين، طالما أنه سيضع الخطوة التالية على أبواب المناطق التي تنتشر فيها القواعد الأميركية، والتي فشلت واشنطن بتأمين استراتيجية خروج آمن لها، رغم تقدم المحادثات التي تجريها قوات سورية الديمقراطية مع دمشق، بسبب الربط الأميركي للانسحاب بضمانات تتصل بأمن «إسرائيل»، رفضت روسيا تقديمها والحلول مكان الدولة السورية ومسؤوليتها السيادية، ورفضتها سورية، كما بات معلوماً بعد لقاء مستشاري الأمن القومي الأميركي جون بولتون والروسي نيقولاي باتروشيف. وكما كشف اللقاء الذي بات معلناً بين مسؤولين أمنيين كبار ورئيس مجلس الأمن الوطني في سورية اللواء علي مملوك.
استحضار وضع إدلب إلى مجلس الأمن الدولي يجري لتوظيف الشأن الإنساني في خطة توفير الحماية للجماعات الإرهابية، كما جرى من قبل في حلب وغوطة دمشق وجنوب سورية، واستخدام كل تحضير لمعركة حاسمة لإثارة حملة دبلوماسية وإعلامية تحت شعار الخوف من موجات نزوح وخسائر بين المدنيين، من دون تقديم أي حلول للمشاكل الإنسانية التي يجري تضخيمها للابتزاز، أو يتم تقديم المساهمة في حسم أمر الجماعات الإرهابية، ولو من باب دعم المساعي التي كشفت عنها روسيا للتفاوض مع الجماعات المسلحة وتحييدها من المعركة مع جبهة النصرة، بما لا يترك مجالاً للشك في أن الهدف هو توفير الحماية لهذه الجماعات وتعطيل أي عمل عسكري جدي يستهدفها، بينما يتمّ التهويل بمخاطر مزعومة لاستخدام الجيش السوري للسلاح الكيميائي تمهيداً لاستهدافه عسكرياً بهذه الذريعة بهدف تقديم الدعم الميداني والمعنوي للجماعات الإرهابية، كما قال السفير السوري في نيويورك الدكتور بشار الجعفري، وحذرت التصريحات الروسية المتعاقبة، وكان لافتاً في جلسة أمس إقدام رئيسة المجلس ممثلة بريطانيا على قطع نظام الصوت عن السفير الجعفري أثناء إلقاء كلمته، خلافاً لكل أعراف العمل الدبلوماسي.
لبنانياً، بدت المناخات السياسية المحيطة بملفي المحكمة الدولية والحكومة أقرب للهدوء، فمن جهة تخفيف من وطأة ربط الحكومة بالمحكمة، ورغبة بتفادي فتح سجال حول الربط أظهره الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة سعد الحريري رغبة بطمأنة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله بعدم وجود نيات عدائية ضد الحزب تفسر التعثر الحكومي، بعد التحذير من اللعب بالنار الذي أطلقه السيد نصرالله قبل أيام وبعد كلام النائب السابق وليد جنبلاط عن أن البلد أهم من المحكمة، بينما برز الهدوء في الشأن الحكومي بإشارات تفاؤلية صدرت من عين التينة بعد لقاء تجمع النواب السنة من خارج تيار المستقبل برئيس المجلس النيابي نبيه بري ونقلهم عنه تفاؤلاً بولادة قريبة للحكومة ومن بيت الوسط بما نقلته أوساط الرئيس الحريري عن إشارات إيجابية خلال الأيام القليلة المقبلة، توقعت أن تشهد لقاء يجمع رئيس الجمهورية ميشال عون بالرئيس المكلف ويجري خلاله التداول بآخر مستجدات التشكيلة الحكومية قبل انصراف الحريري لوضع مسودتها وتقديمها قبل نهاية الأسبوع الأول من ايلول المقبل.
مناخ الهدوء لم يحجب السجالات حول شروط التشكيل من التداول، خصوصاً بين القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر، ولا منع قيام الرئيس الحريري بخوض معركة صلاحياته كرئيس مكلف، بالردّ على الدعوات لتحديد مهل لتشكيل الحكومة أمام الرئيس المكلف، وتتويج ذلك باجتماع لرؤساء الحكومات السابقين في بيت الوسط بهدف تأكيد الإجماع على رفض المساس بصلاحيات رئيس الحكومة في فترة تأليف الحكومة وإلزامه بمهل وشروط.
الحريري: سأسمّي المعرقلين إن لم تُشكَّل الحكومة
بانتظار الاتصالات التي سيجريها الرئيس المكلف سعد الحريري في الأيام الفاصلة عن الأول من أيلول يمكن القول إن الأمور تتراوح مكانها، لا سيما في ضوء تأكيد المعنيين بمسار التأليف أن العقدة الدرزية قابلة للحل، إذا فكت العقدة المسيحية – المسيحية وجر التفاهم بين القوات والتيار الوطني الحر على الحصص الوزارية.
وأشار الرئيس المكلّف سعد الحريري أنّ «موضوع تشكيل الحكومة لا علاقة له سوى بحصص وأحزاب سياسية تُريد حصصاً وحقائب إضافية فقط».
وقال في دردشة مع الصحافيين: «أنا رئيس مكلف وأعرف صلاحياتي. وإذا كان لدى أحد ملاحظات فليضعها أمامي»، وتابع: «إن لم تُشكل الحكومة قريباً سأسمّي المعرقلين بأسمائهم».
أمّا عن موقف حزب الله من المحكمة الدولية، فاعتبر انّه «واضح منذ زمن وليس جديداً» وتابع: «موقفي من المحكمة معروف».
وأكمل: «لم نقفل أبواباً على سورية، وفتحنا أبوابنا للاجئين ومَن هم مع النظام كانوا يسافرون من مطاراتنا ومؤسف ما يحصل من الطرف الآخر».
لفت إلى أنّه نسق مع وزير الخارجية جبران باسيل قبل سفره الى روسيا وبعده، وقال: «ننسق مع الروس بملف النازحين. وكلنا نريد عودة النازحين، ولكن بإرادتهم وبمساعدات دولية. والنقاش بهذا الامر لا يتم بفتح حوار مع النظام».
وأجرى الحريري اتصالاً أمس، برئيس الجمهورية ميشال عون وتشاور معه في ملف عملية تأليف الحكومة واتفق على لقاء قريب يعقده معه في بعبدا.
ومساء أمس، عُقد اجتماع في بيت الوسط ضمّ إلى الحريري الرئيسين نجيب ميقاتي وفؤاد السنيورة بينما غاب الرئيس تمام سلام بداعي السفر. وجرى البحث في الملف الحكومي وذلك في إطار دعم الحريري بعد ما نُشر من مطالعات حول تحديد مهل للتكليف.
خيارات بعبدا…
وأمام واقع العرقلة، يتردّد أن رئيس الجمهورية سيبادر الى خطوات دستورية لدفع عملية التأليف الى الأمام ولم تُعرف طبيعتها. وقالت أوساط سياسية مطلعة على موقف بعبدا لـ «البناء» إن «الرئيس عون لا يزال حتى الآن متمسكاً بالحريري لتأليف حكومة العهد الاولى انطلاقاً من تمسكه بالتسوية الرئاسية وصون الميثاقية واحترام الديمقراطية، لكنه بالوقت نفسه لن يسمح بأن يستمر الوضع على ما عليه طويلاً، لأن ذلك يؤثر على العهد اولاً وعلى مصالح اللبنانيين ثانياً، ويعرّض لبنان لأخطار داخلية وخارجية كبرى».
وأوضحت الأوساط أن الرئيس عون ربما يجد نفسه مضطراً في شهر ايلول للجوء الى خطوات دستورية لحثّ الحريري على التأليف وليس بهدف دفعه للاعتكاف»، وكشفت بأن «عون أبلغ الحريري بذلك وبضرورة تقديم تشكيلة إليه لمناقشتها».
ومن الخيارات المتاحة لدى الرئيس، بحسب المصادر، «رسالة يوجهها عون للمجلس النيابي الذي كلف الحريري التأليف بهدف وضعه أمام مسؤولياته ويعلل عون خلال الرسالة الأسباب الموجبة التي دفعته لذلك. ويطلب من البرلمان تقديم اقتراحات وخيارات للخروج من الأزمة منها إعادة الاستشارات النيابية».
ولفتت أوساط بعبدا الى أن «سحب الأكثرية النيابية التكليف من الحريري خطوة غير دستورية، لأن التكليف غير موجود خطياً وقانونياً لكي يُسحب، بل كُلّف الحريري شفوياً بموجب الاستشارات النيابية الملزمة. وعندما يؤلف الحريري الحكومة تصدر المراسيم الثلاثة خطياً: قبول استقالة الحكومة والتكليف ومرسوم تأليف الحكومة».
بري: سأدعو إلى جلسات تشريعية
ونقل زوار رئيس المجلس النيابي نبيه بري عنه لـ «البناء» أن «هناك جهوداً جديدة وجدية تُبذَل على صعيد تأليف الحكومة، لكن لا تقدّم يُذكر حتى الآن مجدداً الدعوة للإسراع بتشكيل الحكومة لمواجهة الاستحقاقات المقبلة»، ولفت بري بحسب زواره الى أنه «في حال استمرّ الوضع الحكومي على ما هو عليه، فسيبادر الى دعوة المجلس النيابي الى عقد جلسات مكثفة تحت عنوان تشريع الضرورة حينما تنتهي اللجان المشتركة من دراسة اقتراحات ومشاريع القوانين، فلا بدّ للمجلس أن يأخذ دوره التشريعي في ظل الفراغ الحكومي القائم، فلا يمكن للبلد أن يبقى من دون حكومة ومجلس نيابي». وقد فاتح بري الحريري في لقائهما الأخير بالأمر و»لم يوافق الرئيس المكلف لكن لم يُمانع ذلك»، وأكد الزوار بأن «لا مبادرة حالية للرئيس بري بالملف الحكومي وهو يدعو الى تأليف حكومة وفقاً لنتائج الانتخابات في إطار معايير موحدة تسري على الأطراف كافة».
والتقى بري وفد اللقاء التشاوري للنواب السنّة ودعا النائب عبد الرحيم مراد بعد اللقاء الى «تشكيل حكومة على القاعدة التي طرحت في البداية، اي التوازن وفق نتائج الانتخابات النيابية وأن يتمثل الجميع ولا يُحرم أحد من القاعدة على اساس كل 4 نواب يتمثلون بوزير في الحكومة».
وقالت مصادر اللقاء التشاوري لـ«البناء» إن «اللقاء مصرّ على تمثيله في حكومة وحدة وطنية بوزير واحد على الأقل بموجب نتائج الانتخابات وإلا ما جدوى الانتخابات؟». وحذرت المصادر الرئيس المكلف من «محاولة إقصاء اللقاء عن التركيبة الحكومية ما ينزع صفة الوحدة الوطنية عن الحكومة ويضرب نتائج الانتخابات والمعايير الموحّدة للتأليف وسيدفعنا الى الانتقال الى ضفة المعارضة».
وأكد رئيس تكتل «لبنان القوي» الوزير جبران باسيل أن «حصة رئيس الجمهورية الوزارية لا ترتبط بمرحلة معينة». وتابع غامزاً من قناة القوات اللبنانية: «لا تجب العودة الى أخطاء استراتيجية ارتكبت منذ الطائف بهدف تحقيق مكسب سياسي». ولفت باسيل بعد اجتماع التكتل إلى أنّ أكثر من سفير سأله عن التشكيل وقال: «كنت أجيب بكل دبلوماسية وتهذيب ان هذا شأن داخلي ونأمل اعتماد هذا النفس الوطني في التأليف».
وعن أزمة النازحين، أشار باسيل إلى أنّه «لا يمكن حل أزمة النزوح من دون قرار وطني مستقل»، معتبراً انّ «المبادرة الروسية تكرّس توازناً على المستوى الدولي حتى لا تربط العودة بالحل السياسي ونحن منخرطون بإنجاحها». اضاف: «مدعوون للنظر الى مصلحة لبنان واقتصاده ومصلحة الشعب السوري بالعودة وليس الى مصالح اقليمية».
السفير السوري
الى ذلك، أكد السفير السوري في لبنان علي عبد الكريم علي بعد لقائه الرئيس بري في عين التينة، أن «العلاقة قائمة بين لبنان وسورية ما دمت انا سفيراً في لبنان وهنالك سفير للبنان في سورية، وثانياً الروابط الأخوية بين البلدين تفرض خطاباً أكثر واقعية وأكثر مقبولية وأكثر احتراماً لمضمون الخطاب».
وردّ السفير السوري على الذين يستهدفون هذه العلاقة بالقول: «بعض الكلام يدعو للرثاء وللشفقة على من يقوله. أما معبر نصيب أو الحدود السورية اللبنانية أو السوريون الذين يريدون العودة الى وطنهم فهذا نتيجة انتصار حققته سورية رئيساً وجيشاً وشعباً واصدقاء وحلفاء. الأعداء الآن يحاولون البحث عن مخارج للنزول عن مكابرتهم، فكيف بالبلد الشقيق الذي كل حدوده البرية مع سورية مضافاً اليها فلسطين المحتلة والبحر. أي كلام هذا وعلى ماذا يستند؟ سورية طبعاً تحتاج لبنان ولكن لبنان يحتاجها أكثر، وكلا البلدين تحكمه علاقة جغرافية وتاريخ وعائلات واحدة، وأي كلام خارج هذا السياق يجب أن يعيد صاحبه النظر فيه، لان هذا الكلام مخجل».
على صعيد المحكمة الدولية، غرّد النائب اللواء جميل السيد على «تويتر» بالقول: «مصادر تيار المستقبل: «لا تلعبوا بالعدالة»، رداً على قول سماحة السيد عن المحكمة الدولية: «لا تلعبوا بالنار»! كل النفاق أن يتحدّثوا بالعدالة بعدما حوّلوا التحقيق ومحكمة رفيق الحريري إلى مسخرة ومهزلة في أيدي محمد زهير الصديق وشهود الزور! يكفي متاجرة به، واتركوه يرتاح في قبره».