انسجام الخطاب «الشيعي» بلسان بري ورسائل للأميركيين
روزانا رمّال
في الوقت الذي ينتظر فيه الجمهور» الشيعي» في لبنان قرار المحكمة الدولية المرتقب ورفعه لأعلى مستويات مؤشرات المخاطر المحلية بشكل «مستجدّ» بعد أن كان قد تناساه وتناسى معه أغلب اللبنانيين المحكمة الدولية المخصصة للبحث في اغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريري بكل تفاصيلها. وفي الوقت الذي تتصاعد فيه حدة التحذيرات وآخرها تحذير أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله بأن لا يتم الاستغلال او الارتهان لنتائج المحكمة وتعطيل البلد والحكومة بعدم تشكيلها، مطلقاً العبارة الأشهر حالياً بوجه خصومه… بأن «لا تلعبوا بالنار» يخرج رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي يرأس الكرسي الشيعي الاول في البلاد بخطاب يكشف الانسجام الكامل بين أكبر الأحزاب السياسية بهذه الطائفة، وذلك في الاحتفال بغياب إمامها المغيب لأربعين عاماً السيد موسى الصدر.
الدراسات التي توصلت اليها المعاهد الأميركية والإسرائيلية مجتمعة أوصلت الى نتيجة واحدة مفادها أن النيل من حزب الله وبعد أن بدت كل السبل غير ناجحة من الحروب الى الحروب بالوكالة، وبعد ان صار منطق التطويق ساقطاً، بانتشار عناصر حزب الله من سورية حتى اليمن، وبعد أن تأكدت «إسرائيل» استحالة استعادة الوضع كما كان عليه قبل الأزمة السورية على الحدود مع سورية وتحديداً الجنوب السوري والجولان المحتل، فإن الضغط على حزب الله من داخل بيئته صار الهدف الأقوى، وحدها المحكمة الدولية يضاف اليها عقوبات مالية تفي الغرض.
المحكمة الدولية التي لا تعني حزب الله لا شكلاً ولا مضموناً، كما قال أمينه العام، تعنيه نتائجها التي لن تمنع الظهور العسكري المسلح للقوى في الشارع اللبناني إذا ما كان الهدف تأكيد التهمة على حزب الله «الشيعي» فيعلو سقف الخطاب الفئوي والطائفي المحلي بالآتي:
أولاً: إحراج الحريري ووضعه بين فكي كماشة تجعله يرفض حكماً المشاركة بالحكومة مع قاتلي أبيه.
ثانياً: انفلات الشارع بكل المقاييس والمعايير ليقابله شارع آخر وما يعنيه من فتح الاحتمالات على مصراعيها.
ثالثاً: إعادة الوضع الى ما كان عليه قبل القرار 1559 وتنفيذ بنوده تامة بحصار وتطويق حزب الله وسحب مفاعيل الإنجاز الكبير المتمثل بفوز 74 نائباً حليفاً لحزب الله، ومع كل هذا ضرب عهد الرئيس ميشال عون بالكامل.
هذه هي النار التي حذّر منها امين عام حزب الله وتشير معلومات متابعة لـ»البناء» الى ان هذا الموقف وصل الى العواصم العربية المعنية والقنوات الدبلوماسية الأميركية على حد سواء، وان كلام نصرالله فهم على انه «تهديد» الى هذه الأطراف وأنه أخذ بعين الاعتبار مخاطر توجّه هذه القوى الى خسارة جديدة في الساحة السياسية اللبنانية. وتتابع المعلومات «هي لحظة حرجة يمر بها الأميركيون حيال لبنان الذي يبذل فيه الأوروبيون قصار جهدهم لحفظ الأمن والاستقرار فيه خشية موجات نزوح جديدة إضافة الى العمل الجدي لحل ملف النازحين، مقابل ضغط سعودي على حزب الله ومن ورائه إيران بسبب مضاعفات اللا حسم السعودي هناك».
لكن وقبل كل هذا دخل على خط اللعب باستراتيجيات الطائفة وثوابتها طابور خامس أطلق عياراته النارية بوجه تقصير الثنائي الشيعي خدمياً مستغلاً مطالب تلك البيئة المحقة لتطوير سبل معيشتها. هذا الطابور الذي لعب على وتر الخلاف بين أنصار حزب الله وحركة امل وجد فيه فرصة نادرة لوضع المهمة على السكة. مصدر رفيع في 14 آذار وصف الوضع حينها لـ «البناء» بالقول «تشهد الطائفة الشيعية أكبر تصدع من نوعه منذ سنوات بعيدة». بالتالي فان الفرصة التي يعول عليها كثر في إضعاف حزب الله ربما تكون قد أتت من قلب بيئته، لذلك ألقى نصرالله خطاباً مباشراً جداً بهذا الإطار بمناسبة ذكرى انتصار حرب تموز 2006 في 14 آب شدّد فيه على «اللحمة» بين الطرفين. وأن هذا الأمر لا يقدر على المس به. وهو ثابت لأبعد حد. وحذر المحبين والمبغضين داخل الطائفة وخارجها من أي خطأ بهذا الإطار.
بدوره يخرج الكلام الرسمي من رئيس حركة امل ورئيس مجلس النواب نبيه بري واضعاً نصب عينيه هدف الوحدة التي لطالما تغنّى بها هذا الثنائي. وهي أحد أبرز أسباب انتصاراته في معاركه لكنه ذكر بالأهم وهو طبيعة العلاقة بين حركة أمل وحزب الله مشبهاً إياها بالعلاقة بين الأم وابنتها. وهنا بيت القصيد. معروف ان حركة امل ولدت قبل حزب الله وقد أنجبت من مؤيدي الإمام موسى الصدر قيادات لهذا الحزب. وبالتالي فإن بري أراد التذكير بوحدة الدم والأصل او الجذر وباستحالة النجاح في اللعب على هذا الوتر من بوابة «الجنوب والبقاع».
يقرأ الأميركيون والإسرائيليون في هذا رسائل واضحة الاتجاهات. وها هو الثنائي يضع الدفاعات المناسبة للتصدي لأي مؤامرة مقبلة عليه أولاً، وللتصدي لأي مؤامرة وطنية على الطرف النقيض مع رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري.
وحدة الخطاب والانسجام… انسجام الثنائي الشيعي بلسان بري.