المؤسسات الدولية والإقليمية أمام خطر التصفية الأميركية!
محمد حمية
السياسة الأميركية تُدمّر كل ما هو مشترك بين الدول، بدأت بتدمير الأمم المتحدة ووصلت اليوم حد المطالبة بإلغاء محكمة العدل الدولية. وتريد أميركا من هذه المؤسسات أن تُطبق سياساتها بشكل كامل أو أن تكون قابلة للإلغاء والتصفية.
اعتُمدت هذه السياسة منذ العام 1990 مع انهيار الاتحاد السوفياتي، حيث سيطرت الولايات المتحدة على الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي وألغتهما بشكل كامل وسط عجز روسي – صيني عن المقاومة، فمنذ العام 1990 حتى 2012 والولايات المتحدة تُمسك بالأمم المتحدة ومجلس الأمن وتصدر القرارات التي تريدها، لكن لماذا المؤسسات الدولية؟
كان الهدف من إنشاء المؤسسات الدولية منع الحروب بين الدول وفتح نقاشات وإيجاد سياسات مشتركة بين المجتمع الدولي لمنع الحروب وتعزيز التعاون الاقتصادي. فكل دول العالم باستثناء أميركا وحليفتها «إسرائيل» تنظر الى الأمم المتحدة كوسيلة لتحقيق هذه الأهداف، لأن الامم المتحدة قامت على أنقاض الحرب العالمية الثانية ومهمتها التقريب بين سياسات الدول.
غير أن الأمم المتحدة منذ العام 1990 حتى 2012 أصبحت أداة أميركية تستعملها لإدانة أي دولة ترفض السياسات الأميركية وفرض عقوبات اقتصادية عليها. طبقت هذه السياسة في أميركا الجنوبية والشرق الأوسط وكامل العالم الإسلامي وجنوب شرق آسيا.
إذاً لطالما شكلت الأمم المتحدة على مدى عقدين ونيف غطاء أممياً وشرعياً وقانونياً لمعاقبة الدول التي تخرج عن طوع واشنطن، لأنها كانت تُعين الأمين العام الذي يخدم ويطبق سياساتها وتُمسك بكل مؤسسات الأمم المتحدة الإنسانية والقانونية والاقتصادية، وسيطرت أيضاً على جامعة الدول العربية وألغتها بشكل كامل، علماً أن هذه المؤسسة العربية ضعيفة أصلاً إلا أن أميركا أضعفتها كلياً، إذ تحول أمينها العام أحمد أبو الغيط الى موظف أميركي – إسرائيلي يطبق السياسة الأميركية، تارة يتهجم على إيران ويحذّر روسيا طوراً باسم الجامعة العربية.
أما منظمة الوحدة الأفريقية فأصبحت لا تعمل بهدف التقارب بين الدول الأفريقية وتعزيز التعاون بينهما، بل لتكريس التفرقة والخلافات بين هذه الدول، حتى الاتحاد الأوروبي الحليف التقليدي لأميركا وشريكها في حلف «الناتو» وفي الحروب التي شنتها في المنطقة لم يسلم من الهيمنة والسطوة الأميركية. فدعت أميركا الى الغاء الاتحاد الاوروبي وحلف شمال الأطلسي كي لا تتحول الدول الأوروبية الى قوة وازنة على الساحة الدولية منافسة للقرار الأميركي، بل إن أميركا تريد أوروبا مجرد تابعة لسياستها العالمية. كما أن الهيمنة الاميركية على منظمة التجارة العالمية ليست مخفية فضلاً عن إطاحتها الاتفاقات الدولية كاتفاقها مع المكسيك والتفاهم النووي الإيراني وغيرهما.
حتى وصل الأمر بواشنطن الى المطالبة بإلغاء محكمة العدل الدولية، علماً أن هذه المحكمة هي مؤسسة أممية قراراتها غير ملزمة بل معنوية فقط، وذلك بعد أن تقدمت إيران بشكوى أمام المحكمة ضد أميركا لإصدارها عقوبات بحقها ودعوة الدول الى منع التعامل الاقتصادي والنفطي معها. فاليوم تشكك الولايات المتحدة في صلاحيات محكمة العدل الدولية تمهيداً لإلغائها.
من الواضح أن أميركا تحاول تدمير هذه المؤسسات بشكل كامل لكي تُمسك بكل الدول للاستفراد بكل دولة على حدة، لذلك جاء الصعود الروسي لعله يُهدئ الاتجاهات التدميرية للولايات المتحدة، أي تدمير المؤسسات الدولية أو الإمساك بناصية القرار داخلها.
فقبل العام 1990 كان الفيتو الروسي والفيتو الصيني يُستعملان لكبح جماح السياسات التوسعية الاميركية، أما بعد انهيار الاتحاد السوفياتي استعادت أميركا تفرّدها في قيادة العالم على المستويات كافة لا سيما الدبلوماسية. فكانت الحرب على أفغانستان واحتلال العراق وإشعال ما يُسمى «الثورات العربية» في العالم العربي وإسقاط الأنظمة العربية والحرب على سورية وقبلها الحروب على لبنان وغزة، لكن اليوم مع عودة روسيا الى مسرح الأحداث من البوابة السورية عادت روسيا ومعها الصين الى استخدام حق النقض «الفيتو» لأنهما يمتكلان عناصر القوة في المجال الدولي الى جانب موازين عسكرية جديدة فرضتها نتائج الحروب الأخيرة منذ العدوان على العراق عام 2003 والتهاوي المتتالي للمشاريع الأميركية في المنطقة.
لكن أميركا ترفض الخضوع للأمر الواقع متمادية في سياساتها، وآخر الفصول الأميركية الدعوة الى إلغاء منظمة إغاثة اللاجئين والنازحين «الأونروا» في إطار الضغط على الفلسطينيين لفرض «صفقة القرن»، إذ قررت أميركا وقف دعمها المالي 200 مليون دولار لهذه المؤسسة الإنسانية، ما يؤكد بأنها لا تريد مؤسسة دولية تعمل للدفاع عن حقوق الانسان وحقوق اللاجئين وهي التي شنّت حروباً واحتلالات في الشرق الاوسط تحت شعار الدفاع عن حقوق الإنسان والحرية والديمقراطية!..
هذه الممارسات الأميركية التطويعية التدميرية للمؤسسات الدولية تفضح مجدداً كذب وادعاءات واشنطن وحلفائها بالدفاع عن حقوق الشعوب وحريتها، لا سيما في سورية حيث تمارس أميركا وحلفاؤها الغربيون ضغوطاً على روسيا والدولة السورية للتراجع عن معركة تحرير إدلب لدواعٍ إنسانية ويهددون بتكرار «مسرحية الكيماوي» لمنع ذلك، كما تقف أميركا ومَن معها بقوة ضد عودة النازحين السوريين من دول النزوح الى سورية قبل الحل السياسي تحت شعار الحرص على النازحين وظروفهم الإنسانية.
أما خطورة هذه السياسة فتكمن في أن تراجع دور المؤسسات الأممية يؤدي الى إغلاق قنوات ومساحات الحوار بين الدول، وبالتالي الى تفاقم الصراعات وإنتاج أزمات وحروب جديدة واستخدام القوة بدل الوسائل الدبلوماسية والسلمية لحلها الأمر الذي يهدّد السلم والأمن الدوليين.
فهل من سبيل للمواجهة؟
إن الصراع الدائر في سورية منذ سبع سنوات أفرز محورين: الأميركي الغربي الخليجي، والروسي الصيني الإيراني وامتداداته الشرق أوسطية، فهذا المحور يمكنه الوقوف صفاً واحداً بوجه الولايات المتحدة الى جانب تصاعد عدد من المنظمات الإقليمية الواعدة كمنظمة «بريكس» و»شنغهاي» وغيرهما ما يمكن من مجابهة جنون الرئيس الاميركي دونالد ترامب الى جانب العودة الروسية العسكرية بقوة الى البحر المتوسط والقمة الروسية التركية الإيرانية المنتظرة بعد أيام. كل ذلك يمكنه أن يحقق توازناً إقليمياً ودولياً يحافظ على ما تبقى من دور للمؤسسات الدولية وعلى السلام العالمي.