الشاعرة منى مشّون: «الثورة الأنثى» هو بوحي بعد صمت طويل… والقصيدة الحرّة تعبّر عن عصرنا
حاورتها: رنا صادق
«لم أتخيّل يوماً ما أن أكتب شعراً أو نثراً…
إلا أن الحزن والألم لا يستكينان ولا يهدآن، إلا إذا تجلّيا وارتقيا نحو المعنى الأسمى.
لم أهدف مطلقاً لنشر ما أعبّر عنه، كان جلّ استكانتي الاحتفاظ ببوحي لنفـسي. إلا أن هيمنة الفكر الذكوري في المجتمع الموجود عند الرجل والمرأة على حدٍّ سواء، أثار فيّ رغبة البوح والكلام. «الثورة الأنثى» هو تحدٍّ صارخ لهذا الواقع الظالم والمظلم والمجحف بحق المرأة كإنسان وكيان من المفترض أن يكون فاعلاً ومتفاعلاً في المجتمع، لا تابعاً مستسلماً وضائعاً. ثورتي هي ثورة الأنثى على العادات والتقاليد، على الأعراف والقوانين الجائرة، على الـشرائع المحرّفة والمجتزأة. ثورةٌ نحو الحب، نحو الأمل، نحو التكامل، نحو علاقةٍ سامية مجردة من الأنانية، ثورةٌ نحو فهمٍ أعمق لقيمة الحياة المتمثلة باحترام العقل أياً كان في جسد امرأةٍ أو رجل».
هي المرأة التي خرجت عن صمتها بهذه الكلمات واختزلت مكنوناتها، شدّت عزيمتها وربطت وزرة الثورة التي لا تعني بمفهومها الثورة العابرة، هي ثورة الديمومة والكمال، هي حقيقة المشاعر والتجرّد، مرفأ الكلام لديها هو الشعر، شاءت البوح عبر الكلمات المنسدلة من ستار القصيدة الواقعية، المفعمة بالحياة، التي لا تعلم الغشّ والتزييف. كلّ هذه الصفات وغيرها التمستها من لقائي مع شاعرة القلم والثورة منى مشّون.
طفلة بأنامل الأنوثة الخلاّبة، شاعرة بطعم حلو لاذع، قلمها لاذعٌ بالنسبة لأولئك الذين يرون في ثورة الشاعرة ثورة عمياء، ويرون في المرأة تلك الضعيفة المذبوحة على أطراف العادات والتقاليد المجتمعية البالية، لاذع لأولئك الذين ما تعدّوا من المعرفة شيئاً وادعوا التطور ومجاراة العصر، ولا يفهمون من التطور شيئاً سوى موبايل العصري بكاميرا محدثة… إلى كلّ هؤلاء وغيرهم ممن يرون في المرأة ضعفاً، نقصاً، تبعيةً، توجّهت وتتوجّه منى مشّون يومياً حاملةً رسالتها لها وللأجيال، حيث خطّت آخر الكلام على ظهر ديوانها الوحيد:
لم أعد أرتجف… لم أعد أهتمّ
ولن أنتفض جزعاً… على المنام
فأنا من سيتخذ القرار…
سأمشي كيفما أشاء
لا كما يشاء
سأخالف القواعد… قواعد اللغة… والسير والعادات
سأبقى… أو أرحل عنك
فلي حق الاختيار
سأكرهك… سأحبك كيفما وأينما كان
سأتحدى الوقت الذي تختار… والمكان
سأتحداك بكل الأحوال والأشكال».
بين السيف والنار لهيب، وفي قعر البئر أحلام مكتومة، وبين أحلام امرأة وكلام الشعر العذب سبح الحديث مع الشاعرة منى مشّون في فلك آخر. ننقل إليكم تفاصيل اللقاء فيما يلي.
تؤمن الشاعرة منى مشون باللحظة الأولى للكتابة، فبحسب رأيها أن البعض يبدأ الكتابة منذ الصغر والبعض الآخر يكتسبها عن نضج أي بعد أن تأتي لسبب ما. لحظتها الأولى كانت على سنّ متأخرة بعد أن كتمت سنوات عدة مجاراة لما حولها، لكن لحظتها الاولى هي بمثابة تنفيسة على الأوراق لها ولذاتيتها، الى أن باحت بها بعد سنين، في ديوانها الوحيد «الثورة الأنثى».
تعتبر أن اللحظة الأولى هي تلك التي تنبعث من لحظة حزن شديد.
منى مشون الشاعرة اللبنانية من بيروت، تربت في أيام الحرب وتأثرت بها، عاشت في ظل التقاليد والعادات التي كانت سبباً حتى تولد منى الشاعرة، اي الشعر لديها قضية بدأ كرفض لكل ما يوجد في المجتمع من مفاهيم خاطئة ومجحفة بحق المرأة لكن كل الناس برأي مشون سائرون تحت هذه القوانين ويتبعونها غير قادرين على تغييرها.
«الثورة الأنثى» هو البوح
ديوان «الثورة الأنثى» أعطى مشّون القوة، وفتح أمامها المجال في أن تشارك في الشأن العام الثقافي من خلال الأمسيات والندوات والناشرين في هذا المجال.
وتقول: «الثورة الأنثى» مجموعة قصائد تدور حول محور علاقة الرجل بالمرأة في ظل مجتمع شرقي عربي وكأي نظام سياسي وما تطغى عليه من الفردية والتسلّط والقمع والظلم.. نرى تاريخياً أن الشعب يثور على حكّامه… لذلك كانت ثورتي الأنثوية… قصائدي هي رسائل موجّهة إلى كل من لا يعنيه الأمر، أي كل فرد يتجاهل حق الأنثى في تعزيز دورها ووجودها.
وتضيف: الذكورية بكافة أشكالها الاجتماعية متمثلة بالعادات والتقاليد، والقانونية المكرّسة في الأنظمة والقوانين والأعراف، والشرعية أي الدينية. ثورتي على الورق فقط لكن لا يعني ذلك أن الثورة على الورق لا قيمة لها. في الواقع وعلى مر العصور قاد الأدباء والمفكرون والشعراء ثورات الشعوب على عكس الثورات القائمة حاليا التي تعتمد على خلفية فكرية أو فلسفية، ومثالنا على ذلك الثورة الفرنسية والبلشفية وغيرها. ثورتي ليست انتقاماً ومن يفهمها كذلك فهو مخطئ. هي ثورة نحو التكامل، نحو علاقة سامية مجردة من الأنانية، نحو فهم أعمق لمفهوم الحياة المشتركة المتمثل باحترام العقل.
في العنونة والغلاف تقول مشّون «العنوان يعبّر عن الثورة. وهي مصطلح مؤنث والأنثى مؤنث، والحرية مؤنث، والثقافة مؤنث إن كانت كل هذه المصطلحات مؤنث لما لا تعيش الأنثى كل هذا»؟
وتضيف: في ما يخص الغلاف فالصورة بحد ذاتها قضية، وهنا أذكر أن اللوحة للرسام الأردني باسر اليركات، حيث تمكّن من أن يعبّر عما كنت أريده بالضبط من غلاف لديواني، وهو استطاع أن يترجم هذه الأنثى الثورية المنتفضة من خلال تناثر الرمال والماء حولها.
الصدق مفتاح القصيدة
تعتبر مشّون أن الأساس في القصيدة هو موضوعها لا وزنها أو شكلها. المهم في القصيدة أن تصل الفكرة إما بالشكل الموزون أو بالشكل الحر.
الصدق بحسب مشون قادر على اختراق الحواجز والمسافات. فتقول «كلما كان صدق الإحساس عند الشاعر واضح رفع شأن القصيدة لدى القارئ. هو مفتاح القلب، هو الذي ينشر، يوصل ويشهر القصيدة. فالصدق يثير إما الحزن أو الحماس أو إحساس آخر، لكنه بالتأكيد يثير في القارئ شيئاً، وهكذا تكون القصيدة اكتملت بكافة جوانبها وأبعادها».
وتضيف: لا أضع القارئ في الحسبان عند الكتابة لأنني أعتمد على صدق نصّي وهو كفيل بأن يوصل ذاتيتي، محيطي، بيئتي وعالمي إلى القراء. بعض الشعراء يعتمدون أسلوب المبالغة في اللغة والنص. هذه المبالغة في استخدام مصطلحات اللغة لإظهار براعة هو في الحقيقة يضع الشاعر خارج العصر. فهو يتصنّع القصيدة، لأن القصيدة تولد مع الشاعر بلحظة إحساس معين.
الثورة والكمال
أكثر ما يوقظ لدى مشّون روح المرأة الثورية، المنتفضة والغاضبة هو استغلال كيان المرأة وإضعاف شأنها وتقوية شأن الرجل، حيث تقول «ثمة تحدٍ يواجه المرأة يتمثل في التعبير عما تعانيه أي أن تبوح بمكنوناتها وتكسر حاجز الصمت بينها وبين الرجل، وبينها وبين المجتمع. فكانت أغلب قصائدي تعبّر عن الصمت الذي كنت أعتبره ملجئي في كثير من الأحيان».
باقة من قصائد الشاعرة منى مشّون اخترناه لكم.
«بعد كل فصل من فصول المسرحية
أتقنت الدور وحفظت التمثيلية
وقبلت البداية ورضيت النهاية
وعرفت أنني البطلة وأني الضحية
فأدمنت… تكرار المسرحية… ولكن … آمنت أكثر … بالحق والقضية.
وأخيراً… استطعت
أن تقبض عليه
وأن تُمسك به بين يديك
في قفصٍ فضّيّ ّ أنعمتَ عليه
بما عندكَ من ماء ٍ وسكّرٍ ولوز
وحيداً بعيداً
عن سنابل القمح
يشتاقُ كثيراً
لأشجار الحقل
ينتظرُ قدومَكَ
كُلّ صُبحٍ وعصر
ليعاتبَكَ بصمت
أمّا أنت… فتنتعشُ ُ بلذّةِ النصر
ولمّا خاب الظّنّ ّ ونفد الصّبر
قرّرَ المسكينُ
أن ينتحرَ بالقهر
فحنى رأسَهُ وسقط
وتلك اليدُ
الّتي احتضنَته
هي أيضاً التي ألقتهُ
في أسفل القعر .
في المُبتدإِ كائنان
للمُنتهى باقيان
مُتناقضان… جميلان
روحٌ أنا… جسدٌ أنت
في العُمقِ رُكودٌ وسكون
على الشّاطِئِ: مشاعرُ وشُجون
تتكرّر… تتبعثر
تُعنّفُ الصّخرَ حيناً… وحيناً تعشق
جسدٌ أنا… روحٌ أنت
يغضبان، يتخاصمان، يبتعدان
ثُمّ يعودان، يتعانقان
كذاكَ المركبِ نحنُ
نطفو، نعوم، نغرق
كالشّعرِ ننسابُ معنىً
وأحياناً كالصّخرِ وأقسى
لِنقتربْ مِنّا أكثر
لنسمَحْ لِأحلامِنا باللّومِ
بالعتابِ… بالكلام
لِنترُكْ لِقلبينا السّلام
لِنتجاوزْ أشواكَ أنانيّتِنا
لِنعبُرْ نفقَ هُوِيّتِنا
عسى إلهُنا يدنو مِنّا
فنرتاحُ كِلانا ونهدأ».