دور القوميّين الاجتماعيّين في معركة الجلاء في الشام 1/2
ل.ن.
نعلم أن الرفيقين عبدالله فردوس العظم ومحمد الشقفة 1 سقطا شهيدين في المعارك التي اندلعت في حماه بمواجهة قوات الاحتلال الفرنسي، وقد ذُكرا في الجزء الأول من مجلد «الخالدون»، وكثيرون يعلمون عن دور كل من الرفيق الشهيد غسان جديد 2 عندما انتقل على رأس سرِيّته من بشمزين الكورة الى طرابلس فتلكلخ وصولاً الى حماه، والرفيقين الشهيد ميشال الديك 3 ورفعت شوقي في درعا وقد قادا التحرك الشعبي فيها. إنما ليسوا كثَرَة من اطلعوا على دور القوميين الاجتماعيين في مختلف مناطق الكيان الشامي.
هنا عرض لما توافر من معلومات، آملين من كل رفيق أو صديق يملك ما يبديه من ملاحظات، أو يضيفه من معلومات، أن يكتب الينا.
أورد الرفيق أنور فهد في كتابه «أيام من الذاكرة» فصلاً عن معركة الجلاء ننقل منه المقطع الآتي:
«بعد أن اندلعت المعارك ضد قوات الاحتلال الفرنسي في 29 أيار 1945، راح المتطوعون من أبناء البلاد يفرون من قطعاتهم مع أسلحتهم ليلتحقوا بقوات «المقاومة الوطنية» تلبية لنداء وجدانهم القومي، وكنت في هذه الأثناء أقوم بتوزيع النشرات الحزبية التي تدعو لمؤازرة القوى الوطنية.
لدى وصولي مقابل مركز القيادة الفرنسية في حمص، وجدت جمعاً من المواطنين يتحلقون حول شخص يرتدي الزي العسكري الفرنسي بيده سلاحه، اعتقدت في بادئ الأمر أنه قد أسر من قبل المواطنين، لكن علمت فيما بعد أنه أقدم على التدحرج من أعلى قلعة حمص وهو برتبة كابورال عريف ، تحدثت معه وعلمت أن اسمه بديع مخلوف الشهيد لاحقاً ، وهو من قرية « بستان الباشا «. لما حاولت التحدث إليه عن الحزب، تبين لي أنه أحد الرفقاء النشيطين في صفوف النهضة السورية القومية الاجتماعية.
«بعد يومين التقينا رفيقنا الملازم غسان جديد، الذي كان آمر سرية «بشمزين» الكورة، كان على اتصال دائم مع عبد الحميد كرامي في طرابلس، بقصد القيام بثورة ضد الفرنسيين، وقد تمكن من الوصول الى طرابلس مع أفراد سريته وأسلحتهم، وعندما حاول التوجه الى حمص اعترضته مفرزة من الجنود السنغاليين عند مصفاة البترول، على طريق طرابلس حمص، حيث تغلب عليهم، ولدى وصوله الى بلدة «تلكلخ»، حاصر ثكنتها وأجبر حاميتها على الاستسلام ورفع العلم السوري على سارية الثكنة. وفي تلك الأثناء انضم إليه بعض المواطنين من «تلكلخ»، أكثرهم كان من عائلة الدندشي، ثم تابع زحفه الى حمص، ومنها الى حماه حيث استقبله أهلها بالهتاف والزغاريد والأهازيج كما كان في استقباله الرفيقان أديب وصلاح الشيشكلي.
«في حمص قررت المنفذية الاتصال بالرفيق الدكتور عبد الكريم الشيخ 4 ، واتفقت معه على فراره من المستشفى العسكري الفرنسي، في محلة باب السباع مع مساعدته الممرضة ومعداته الطبية، وذلك بالتعاون مع عبدو غراب والد الرفقاء: رامز، رياض، عبد المسيح، عدنان، باعتبار أن بيته مجاور للمستشفى، وقد نصبوا السلالم وتمكن الرفيق الدكتور ومساعدته من مغادرة المستشفى.
«كانت المنفذية قد عمدت الى فتح مركز لإسعاف الجرحى في جامع «بازرباشي» الكائن في حي آل الجندي ومن هذه العائلة ناظر الإذاعة الرفيق ماهر الجندي، وناظر المالية الرفيق صبري الجندي، والرفقاء عبد النافع وحاتم بالاضافة الى أصدقاء الحزب. شكلت المنفذية لجاناً عدة تتولى تفقد أحوال المواطنين، وتأمين احتياجاتهم ونقل الجرحى الى مركز الإسعاف، ونقل من تكون حالته خطيرة الى المستشفى الوطني.
«بعد بضعة أيام حاولت قوات الاستعمار مهاجمة مركز الإسعاف، واعتقال الموجودين فيه، إلا أن محاولتها باءت بالفشل. فلقد ارتدت القوات التي كانت تتقدمها السيارات المصفحة على أعقابها، ولما كانت حمّالات الإسعاف نادرة الوجود، لجأ المقاومون الى السلالم الخشبية، كما أن الرفيقين نور الدين الرفاعي ورفيق دوامه اللذين كانا يتعاطيان مهنة النجارة قد صنعا بعض الحمالات الخشبية، وكان نتيجة ذلك إعجاب المواطنين وتقديرهم للقوميين الاجتماعيين.
«بدوره كان الطبيب الرفيق عبد الكريم الشيخ يتوجه لعيادة الجرحى الذين يتعذر وصولهم الى الجامع يعاونه الطبيب وجيه كبا والصيدلي بهيج توما.
وكانت منفذية حمص التي شكلّت لجاناً للمالية، للاذاعة وللدفاع الوطني، أسست مستوصفاً ثانياً في بيت المختار بمحلة الشياح في حمص.
«بعد توقف العدوان افتتح الرفيق الدكتور عبد الكريم الشيخ، عيادة طبية في شارع «الحميدية» في حمص، وكان يستقبل المرضى ويعفي كل محتاج من الأجور كما يعطيه العلاج من عنده في حال توافر ذلك لديه، وقد حصل على ثقة المواطنين ومحبتهم له، وعُرف باسم «أبو الفقراء».
ويتابع الرفيق أنور فهد: « في «محافظة درعا» كان الرفيق ميشال الديك أنشأ داراً للسينما، كما اهتم بإنشاء مقهى للبلدية، وقد حاز محبة المواطنين وتقديرهم وثقتهم به. وعندما حصل العدوان الفرنسي، قاد الانتفاضة الوطنية يشاركه ذلك الرفيق رفعت شوقي. هاجما تحصينات الفرنسيين واجتازا خط النار مما اضطر القوات المعتدية إلى الفرار وقد قام الرفيق الديك بحماية الراهبات الموجودات داخل المعسكر الفرنسي.
«ولهذا، فإن منفذ عام دمشق قد وجه إليه التهنئة على بطولته، كما تلقى تهنئة خاصة من الزعيم في مغتربه القسري، وكذلك بعض نواب المجلس النيابي وأهالي «درعا» و«حوران» كما ان «محافظ حوران» حيدر مردم بك، قد وجه للرفيقين ميشال الديك ورفعت شوقي شهادات التقدير لبطولتهما وأقترح على قيادة الدرك تعيينهما بالرتبة التي يستحقانها لما ظهر منهما من شجاعة ووعي قومي. كما خصّ المحافظ الرفيق الديك بشهادة تقدير واقتراح بتعيينه برتبة وكيل ضابط في سلك الدرك، باعتبار أن الضباط يكونون من خريجي الكلية العسكرية».
«الى قيادة الدرك العامة، أتشرف بإعلامكم أن السيد ميشال ديك، من أهالي لبنان والمقيم في «درعا» أبلى البلاء الحسن، وأظهر من ضروب الشجاعة والبسالة والإخلاص أثناء العمليات الحربية الأخيرة التي دارت في «درعا» يومي 28 و 29 أيار، ما لم يسبق لأحد من الأهلين أن أقدم على هذا التفاني الذي يعود إليه أكثر الفضل بقهر قوة العدو والانتصار عليه. ومن جملة الأعمال التي أداها لخدمة وطنه، أنه حمل القذائف اليدوية وألقاها من نوافذ الغرف حيث كان جنود العدو مختبئين يصلون النار الحامية، فشتتهم وقتلهم وجرحهم وأسر الباقين، فمن حق وطنه أن يقدر خدمته الجليلة ويرفعه الى المرتبة التي يستحقها، أو التي قد استحقها بأعماله الباهرة.
لذلك، أرجو قيادة الدرك العامة النظر بأمر قبوله برتبة وكيل في الدرك السوري تقديراً له وتشجيعاً لأمثاله من الشباب الذين قدموا أرواحهم ذوداً عن حياة وحق الوطن المقدس والسلام .
درعا في 8 حزيران 1948 محافظ حوران»
من الرفقاء الذين تميزوا في القتال في درعا نذكر:
عبد الرحمن رجا المسالمي، حسين الجمالي، رشيد أبا زيد، زيدان المسالمي، أحمد المرشد، علي أبي العيون، حسين الجهماني، جابر حمدان أبا زيد، أحمد زطمه، حسين البرمادي، مروح مسالمي، جمعة المسالمي، مأمون نور منيمنة 5 .
وفي حمص، الرفقاء: صفوح الدروبي، ماهر الجندي وأنور طليمات.
يتبع جزء ثانٍ