السيد والسعودية والتكفير

غالب قنديل

بعد العبارات التي وردت في كلمة للسيد حسن نصرالله حول المسؤولية الكبرى التي تتحمّلها المملكة السعودية في مكافحة الإرهاب التكفيري انطلقت حملة من التصريحات والمقالات التي يتناقلها الإعلام السعودي ناهيك عن حملة موازية في لبنان تتميّز بمستواها المتدني من حيث الشكل والمضمون، فهي صادرة أصلاً عن جوقة «شكر أولياء النعم» التي تسدّد فواتير متراكمة في علاقتها بالمملكة ولا تتوسّل النقاش العقلاني في ردودها.

اولاً: يعلم المسؤولون السعوديون انّ ما قاله السيد نصرالله ينطلق من حقيقة تتصل بالجذر العقائدي الوهابي للاتجاهات التكفيرية، وهم يدركون أنه منذ ظهور شبكة «القاعدة» ومخاطر ارتدادها، تلاقت الاتجاهات العقلانية في نخب الحجاز ونجد على دعوة ملحة لإصلاح المعاهد الوهابية التي تعززت ثقافتها التكفيرية بقادة تنظيم «الإخوان» الذين لجأوا إلى حضن المخابرات السعودية تباعاً منذ ستينات القرن الماضي، وقدموا إلى المملكة على موجات متعاقبة من مصر وسورية والسودان واليمن وغيرها وانخرطوا في مخططات تخريبية وإرهابية وكرّسوا جهودهم لنشر التكفير كدعوة ترتبط بممارسة الإرهاب تحت شعار الجهاد، بل إنّ مسؤولين سعوديين كباراً تحدثوا غير مرة عن ضرورة إصلاح تلك المعاهد في معرض الكلام عن مكافحة التكفير الإرهابي.

ويعلم القادة السعوديون أيضاً انّ الولايات المتحدة شاركت المملكة في العمل لتكوين جماعات التكفير الإرهابي واستقطاب الشباب الساخط في العديد من دول العالم الإسلامي لاستخدامهم في الحرب الأفغانية ومن ثم في البوسنة والهرسك والصومال واليمن ومصر ومؤخراً في سورية والعراق.

كما يعلم القادة السعوديون انّ المؤسسة الأميركية الحاكمة منذ تصادمها مع «طالبان» و«القاعدة» حول أنابيب النفط في التسعينيات شهدت ظهور تيار أميركي متعاظم يدعو إلى مطالبة المملكة بإصلاح معاهدها الدينية لاستئصال جذور التكفير الإرهابي الذي وظفته الولايات المتحدة لصالحها مستثمرة دماء آلاف الشباب من البلدان العربية ومن العالم الإسلامي، وباتت منذ 11 أيلول أسيرة عقدة التصدي لخطر الارتداد الذي يلوح اليوم بعد فشل العدوان على سورية الذي حشد له آلاف الشباب من الحجاز ونجد ينخرطون في صفوف «داعش» و«النصرة» وغيرها من فصائل التكفير الوهابية، كما جمع له من ثمانين دولة في العالم حسب الأمم المتحدة عشرات آلاف التكفيريين والمرتزقة الذين جنّدوا بشبكات وهابية وإخوانية وعبر قنوات فضائية تكفيرية معظمها تبث من المملكة وتموّلها المملكة مباشرة.

ثانياً مكافحة الإرهاب بالنسبة إلى حكومة المملكة تتمحور على حماية أمنها الداخلي من ارتداد التكفيريين وخروجهم عن السيطرة، كما حصل في تسعينات القرن الماضي مع شبكة «القاعدة» وزعيمها أسامة بن لادن، بينما برز اتجاه في الإدارة السعودية يجد في تغذية شبكات التكفير ودعم انشطتها الإجرامية في الخارج فرصة لتصدير خطر الشباب الساخط والمتصادم مع السلطات إلى الخارج، وبالتالي يعتبر دعم الإرهاب التفكيري في العالم طريقاً مضموناً إلى التخلص من احتمالات انفجار السخط داخل المملكة، وهكذا فالجهاد التكفيري الذي يطوف دول المنطقة والعالم هو وصفة بائسة للتخلص من خطر تراكم الساخطين في الداخل وتكرار انتفاضة جهيمان العتيبي التي شكلت أعنف هزة سياسية وأمنية للمملكة في العقود الأربعة الأخيرة.

مسؤولية المملكة في التصدي لقوى التكفير تتناسب مع حجم دورها في دعم هذه القوى والمعاينة المنطقية مبنية على الكلام السعودي الرسمي عن مكافحة الإرهاب، بينما حلفاء المملكة في الغرب يتحدثون ليل نهار عن استمرار تدفق الأموال السعودية من شبكات الإغاثة ورجال الأعمال والمشايخ على فصائل الإرهاب التكفيرية بينما يتواصل الإسناد السعودي الإعلامي والثقافي للتكفيريين بدون انقطاع، بما في ذلك شنّ حملات تضليل منتظمة وتعميم تسميات خادعة عنها على لسان مسؤولين أبرزهم وزير الخارجية سعود الفيصل الذي لا يزال يعتبر «داعش» و«النصرة» وفصائل الإرهاب الأخرى في سورية والعراق ثواراً يمجّدهم ويجاهر بالدعوة إلى مدّهم بالمال والسلاح.

ثالثاً الكلام السعودي الرسمي الذي ورد رداً على دعوة السيد نصرالله يقدم دليلاً قوياً على انفصال خطير عن الواقع وكمية كبيرة من المكابرة والإدّعاء، بينما الوقائع الصارخة تناقض المزاعم الخطابية، علماً انّ عبارات السيد نصرالله كانت كالعادة شديدة التهذيب واللياقة وكان يفترض ان يتضمّن أيّ ردّ مفترض وقائع تبرهن مثلاً على انّ مصدر التكفير الإرهابي ليس اتجاهات وهابية متطرفة، او تدلل على عدم التورّط السعودي في مدّ التكفير الإرهابي بالدعم الإعلامي والمالي والعسكري، وهذا يفترض الردّ السعودي على تقارير ديفيد كوهين نائب وزير الخزانة الأميركية، او على تقرير نائب الرئيس الأميركي جو بايدن الذي لم يضمّن اعتذاره الشهير نفياً لما استعرضه من الوقائع عن التورّط السعودي في تمويل التكفيريين.

لا لزوم لتكرار رواية الشراكة المعروفة بين زبيغنيو بريجنسكي وبندر بن سلطان في تأسيس مكتب الجهاد الأفغاني برئاسة بن لادن، والذي بات في ما بعد نواة «القاعدة» وشبكتها العالمية وتسمية «القاعدة» أصلاً أميركية المصدر، فهي كناية عن قاعدة بيانات وجداول أسماء المتطوّعين لدى ذلك المكتب، والتي تشكل منها جسد تنظيم تكفيري وهابي وإخواني الجذور تتناسل فروعه وفصائله بفتاوى وأموال ودعاية إعلامية واسعة سعودية المصدر والرعاية.

أما كلام بعض الساسة والكتبة اللبنانيين فهو دون مستوى التعليق لأنه تحريضي ملحق يحمل رغبة أصحابه في تأكيد الولاء وردّ جميل العطايا والهبات ببضعة كلمات هي أصل الوظيفة المسندة لجوقة معروفة تورّطت كمشغليها في دعم الإرهابيين وشرعت تتنصل منهم بهزة إصبع أميركية.

التحليل الإخباري لمركز الشرق الجديد

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى