هل تشكل مناورات «المتوسط» و«الشرق 2018» رسائل جيو سياسية روسية؟

مهران نزار غطروف

لم تكد تمضي أيام قليلة على انتهاء المناورة الروسية التي أجرتها في المتوسط، بالقرب من السواحل السورية، من 1 إلى 8 سبتمبر/ أيلول الحارلي، والتي شارك فيها بحسب قائد القوات البحرية الروسية الأميرال فلاديمير كورولوف، 26 قطعة بحرية و34 طائرة، والتي كان هدفها الحقيقي محاولة منع «التحالف» الذي تقوده واشنطن، من «ضرب» مواقع الجيش السوري، ومنع إقامة ما يسمّيه الأميركيون بمنطقة «الحظر الجوي» في سورية، بحسب ما أوردته صحيفة «نيزافيسيمايا غازيتا» الروسية.

حتى أعلنت وزارة الدفاع الروسية عن انطلاق مناورات «الشرق – 2018» العسكرية، تحت إشراف وزير الدفاع سيرغي شويغو، حيث تعدّ هذه المناورات الأكبر والأضخم، في تاريخ الجيش الروسي منذ 37 سنة.

وبحسب وزارة الدفاع الروسية، سيشارك في هذه المناورات التي انطلقت في أقصى الشرق الروسي الثلاثاء 11 سبتمبر/ أيلول، والتي ستستمرّ لمدة أسبوع، 297 ألف عسكري، و1000 طائرة حربية، و36 ألف آلية عسكرية مختلفة، إضافة إلى 80 قطعة بحرية، وأكثر من ستة آلاف جندي من ثلاثة تشكيلات، ووحدتان عسكريتان منفصلتان من القوات المظلية، كما ستشارك أيضاً القوات الجوية لجيش التحرير الشعبي الصيني في هذه المناورات بثلاثين قطعة جوية مختلفة، بحسب البيان الصادر عنها.

فما هي الرسائل التي تريد القيادة الروسية إيصالها إلى الجميع، وفي مقدّمتهم دول تحالف واشنطن، من خلال هذه المناورات؟

الواضح أنّ التحرك العسكري الروسي الأخير، من حيث الضخامة والكثافة، سواء في المتوسط أو في شرق البلاد الروسية، يدفع بشكل حازم باتجاه إيصال كمّ من رسائل القوة، والجهوزية العالية المستوى، والمحدّدة بشكل علني، مفادها أنه:

أولاً: من غير المسموح بعد اليوم، ولا بأيّ شكل من الأشكال، التهديد باستخدام القوة، كحلّ وحيد وأخير، في ما يخصّ المخاضات والتطوّرات التي يعيشها العالم اليوم – الشرق الأوسط على وجه الخصوص – فزمن استخدام القوة الأميركية على وجه الحصر، لاستعمار الدول، وتدمير الشعوب، والسيطرة على مقدراتها، ولى إلى غير رجعة…

ثانياً: روسيا الاتحادية اليوم هي الأقوى عسكرياً على هذه الساحة، برز ذلك جلياً منذ خطاب بوتين في الأول من مارس/ آذار الماضي، إضافة للنجاحات التي حققتها القوة الفضائية الروسية بالمشاركة مع الدولة السورية، في مواجهة أكبر حالة إرهابية عرفها العالم الحديث.

ثالثاً: سقوط وفشل كلّ المحاولات الرامية لتقويض الحركة الروسية، واختزالها ضمن حدودها الجغرافية فقط، من خلال استخدام العقوبات، ومحاولات التطويق أوكرانيا مثالاً ، فروسيا اليوم تفرض الحماية على كامل حدود أمنها القومي، بل وأبعد من ذلك، فهي تضمن أيضاً حماية ونصرة حلفائها أينما حلوا سورية مثالاً .

موسكو طالما سعت لترجمة هذه الخيارات الوحيدة المتاحة أمام خصومها، خلال الأعوام الماضية، بكلّ ما تضمّنته من مواجهات باردة تارة، وحامية تارة أخرى، رغبة منها بتجنّب العسكرة، والقول بنهج من الشراكة العالمية الجديدة، كما هي الحال مع التنّين الصيني وغيره، من شركاء موسكو العسكريين والاقتصاديين في مجموعة «بريكس» ومنظمة شنغهاي، وإما فالقوة خياراً وحيداً، لفرض إراداتها.

إنّ هذا يندرج في إطار «نلاحظه منذ بعض الوقت»، روسيا أكثر «ثقة بنفسها» تزيد «ميزانيتها الدفاعية»، وتعزز «حضورها العسكري»، كان هذا تصريح المتحدث باسم حلف شمال الأطلسي ديلان وايت، مباشرة عقب إعلان الدفاع الروسية البدء بمناورات الشرق 2018!

فهل وصلت رسائل موسكو إلى من يعنيهم الأمر، من القوقاز إلى البلطيق وحتى القطب الشمالي، وصولاً لمياه المتوسط الدافئة أيضاً؟

هذه الرسائل العسكرية المتواترة، والمرتبطة كما يبدو ارتباطاً وثيقاً بمكوكية الحالة السياسية الراهنة، والمسيطرة على الساحة العالمية، والتي تشكل معركة إدلب في الوقت الراهن منصتها وصلبها.

فلا يكاد يمضي يوم منذ إعلان الدولة السورية، أنّ الوجهة القادمة هي تحرير محافظة إدلب من آخر جحافل الإرهاب، حتى يكون هناك عشرات التصريحات والقمم، والجلسات الأممية، من كلا طرفي الصراع العالميين، في محاولة حثيثة لتحقيق كلّ طرف ما ينشده، من منع أو انطلاق هذه المعركة الإستراتيجية الأهمّ، في سلسلة المعارك التي خيضت حتى تاريخه، ولكن يبدو دون جدوى، فقرار الحسم لهذه المعركة اتخذ من قبل المحور الروسي السوري الإيراني بشكل نهائي، هذا وبالرغم من كلّ المحاولات الأميركية وتحالفها، في تشتيت الانتباه عنها.

سواء في ما قام به «صبيانها» من الانفصاليين الأكراد، بحق بعض أفراد الجيش السوري في مدينة القامشلي شرق سورية، صبيحة الثامن من الشهر الحالي، أو ما شهدته مدينة البصرة العراقية من حالة غليان وتداعياتها، في الأيام الماضية، والتي بدأ يظهر فيها تورّط الأصابع الأميركية تباعاً…

وصولاً لإعلان أميركا 7 سبتمبر/ أيلول الحالي، إجرائها وتحالفها الدولي، تدريبات عسكرية في منطقة التنف السورية، بمشاركة سلاح الطيران، وفق ما قال المتحدث الرسمي للقيادة المركزية الأميركية بل أوربان، والذي أوضح بدوره أنّ «تمارين مثل هذا التمرين»، تعزّز القدرة الأميركية على «هزيمة داعش»، وتضمن أننا مستعدّون للردّ على أيّ «تهديد لقواتنا»!

في الختام: تتوالى عجلة الأحداث سياسياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، وصحيح أنّ ميدانها المعلن هو الأرض السورية، وخاصة معركة إدلب القابعة على فوهات البنادق، ولكن المشهد العام العالمي يوحي بأنّ ميدان المعركة الغير معلن، تحدّده مناورات تحاكي مناورات المتوسط والشرق 2018 وأخواتها، فاليوم غير الأمس، بكلّ ما يحمله من رسائل جيو سياسية روسية، مفادها نحن هنا، ونحن اليوم الأقوى.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى