خالد علوان.. ذاكرة الويمبي
نظام مارديني
لم تكن عملية «إسقاط سلامة أمن الجليل» قبل ستة وثلاثين عاماً، تلك التي نفّذها البطلان القوميان سمير خفاجة وفيصل الحلبي للردّ على تصريحات رئيس وزراء العدو آنذاك مناحيم بيغن «لا صواريخ بعد اليوم على الجليل»، إلا عنواناً لبدء المقاومة الوطنية اللبنانية في وجه الاحتلال عندما كانت دباباته تدخل مدن الجنوب وتصل إلى العاصمة بيروت.
سجلت رؤية جنود العدو في شوارع بيروت وجلوسهم في مقاهيها، تحوّلاً كبيراً في وجدان المقاومين من قوميين وشيوعيين وناصريين وبعثيين، الأمر الذي لم يدُم طويلاً فكانت عملية الويمبي البطولية التي نفذها الشهيد خالد علوان ميشيل وقتل خلالها ضابطاً وجنديين للاحتلال باكورة العمليات التي نفذها الحزب السوري القومي الاجتماعي، مثلما شكلت عملية بسترس للحزب الشيوعي. التي تمّ على أثرها تأسيس جبهة المقاومة اللبنانية ببيان مشترك للشهيد جورج حاوي ومحسن ابراهيم، وغاب عنها رئيس الحزب القومي الأمين الراحل انعام رعد وقيادات وطنية أخرى لأسباب أمنية حالت دون وصولهم إلى المكان بسبب حواجز الاحتلال وعملائه. وعلى الأثر أصدرت قيادة الحزب القومي من موقع توارت فيه، بياناً في 18 أيلول ونشر في وسائل الإعلام في 19 أيلول 1982، دعت فيه الى «مقاومة الاحتلال والوحدة الوطنية».
ويذكر أن الشهيد خالد علوان كان قد قصد قبل عملية الويمبي منزل الأمين الراحل عبد الله سعادة وطلب سلاحاً لمواجهة الاحتلال، قدّم له الأمين عبد الله خلالها مسدسه الخاص الذي به تمّ تنفيذ عملية الويمبي، واستطاع من خلالها الشهيد علوان أن يجسّد ثقافة المقاومة بالفعل المقاوم المباشر. وهذه مسألة نجح الحزب القومي في تحقيقها.. أي تعميق ثقافة المقاومة، ثقافة التحدّي، ثقافة المواجهة، ثقافة الحرية في وجه ثقافات الخضوع والتراجع والانهزام، وشكّل الحزب أيضاً نموذجاً رائداً في الإقدام والتضحية، فكانت عمليات وجدي الصايغ وسناء محيدلي ونورما أبي حسان وعمار الأعسر وخالد الأزرق وابتسام حرب وعساف فرح ومالك وهبي ونضال الحسنية، وقوافل من الشهيدات والشهداء لا تتسع هذه الزاوية لإنصافهم كافة. هم علامات عز على جبين وطننا، الذي أبى إلا أن يقاوم الاحتلال وأدواته في لبنان كما في فلسطين وسورية والعراق.
نحن اليوم أمام حكاية «الويمبي» التي أكدت لنا أن لا ولادة لمقاومة إلا عبر ثلاثية مقدسة: الإنسان والعقيدة والإيمان، ولم يكن للبطولة أن تنتصر في خالد علوان، لو لم يجسّد هذه الثلاثية المقدّسة، ويكون امتداداً حياً للمقاوم الأول الزعيم أنطون سعاده، المقاوم المؤسس بفكره وعقيدته وإيمانه والواثق أن في شعبه قوة لو فعلت لغيرت مجرى التاريخ، وهي فعلت ودفعت العدو للصراخ عبر مكبّرات الصوت: لا تطلقوا علينا النار، إننا راحلون راحلون راحلون.
وقد رحلوا عن بيروت، بعد ضربهم في مواقعهم في زقاق البلاط أمام مدرسة مار يوسف، وفي عائشة بكار، وفي تلة الخياط، وفوق جسر حوض الولاية، وأمام منزل صائب سلام في المصيطبة، وداخل مقرّ منظمة التحرير على كورنيش المزرعة، وفي محلة الصنائع وداخل مقهى الويمبي في شارع الحمرا، وسواها الكثير الكثير.
كما رحلوا عن لبنان نهائياً بفعل المقاومة المنتظمة بعد ذلك لحزب الله، التي لم تكن إلا استمراراً للفعل المقاوم الذي جسّدته أحزاب الحركة الوطنية اللبنانية العلمانية.
وما زالت المقاومة مستمرّة على امتداد الوطن كله، لتوحّده وتنهض به!
للشاعر الراحل عصام العبد الله:
«ما بعرفن/ ما شايفن / لفّوا وجوههم بالقهر/ خبّوا سلاحهم بالوعر/ خبوا أساميهم/ ما في حدا بيشوفهم/ إلا إذا ماتوا/ وتعلقوا متل التحف/ متل القمر».