وقائع عن إيصال المال القطري إلى تكفيريين في لبنان
يوسف المصري
تعددت أسماء الجمعيات القطرية الناشطة تحت عنوان إغاثة النازحين السوريين في لبنان، ولكن الهدف بالنسبة لكثر منهم واحد، وهو استخدام هذه المؤسسات الإنسانية كغطاء لإيصال الأموال القطرية لجماعات تكفيرية ناشطة في لبنان من عرسال إلى المنية فأحياء طرابلس الداخلية اتصالاً حتى القلمون السوري… التوقيفات التي قامت بها الأجهزة الأمنية اللبنانية، كشفت عن الكثير من الوقائع الإرهابية التي يوجد للمال القطري فيها دور هام. ومن بين الكثير من هذه الوقائع يمكن إدراج واقعة كنموذج وكمثل عن نشاط جبهة المال القطرية المصروفة ضد أمن لبنان ولمصلحة مجموعات إرهابية فيه.
وقائع
قبل «غزوة داعش» لبلدة عرسال في 2 آب الماضي، بفترة وجيزة، أرسلت هيئة إغاثة قطرية كعادتها شاحنة محملة بنحو 400 صندوق يفترض أنها تحتوي على مواد غذائية للنازحين السوريين المقيمين في عرسال. لقد استأجرت الهيئة المذكورة شاحنة لنقل هذه المواد، وسلمت سائقها ورقة إيصال لتسليمها إلى الجهة المخولة استلام هذه المواد في عرسال. مر السائق بالقرب من نقطة تفتيش أمنية رسمية موجودة عند مداخل البلدة. وعن طريق الخطأ بدل أن يكتفي بإطلاع هذه النقطة على الوصل لفتح الطريق أمامه، فإنه نسي استرداده من عناصرها وتابع سيره إلى داخل البلدة.
لدى وصوله إلى ساحتها نفذ السائق توجيهات مسؤولي هيئة الإغاثة القطرية التي أرسلته، فاتصل برقم هاتف خليوي زودته به، وقال له محدثه على الطرف الآخر من خط هذا الهاتف: «انتظر مكانك وسنوفد لك شخصاً على دراجة نارية ليرشدك إلى المكان المطلوب إيصال شحنة الإعانات إليه».
مرت لحظات قليلة قبل أن يحضر شخصان على دراجة نارية كان أحدهما يحمل سلاحاً ظاهراً، هو عبارة عن رشاش أوتوماتيكي من نوع كلاشينكوف. قاد الرجلان سائق الشاحنة إلى مبنى بالقرب من تواجد النازحين السوريين في بلدة عرسال، ولدى توقف الشاحنة هناك، صعد أحد الأشخاص الملتحين إلى الشاحنة وطلب من السائق أن يخرج منها مع إبقاء مفاتيحها فيها. لكن السائق حاول الاعتراض، غير أن الشخص عينه أخذه عنوة من يده وأخرجه من الشاحنة، ثم قاده إلى داخل المبنى الواسع، حيث نزل به إلى أحد المكاتب الموجودة تحت الأرض، وأمره بانتظار إفراغ الشاحنة. لم يكن يوجد في المكتب المكيف والمنار بالكهرباء سوى شخص ملتحٍ أيضاً جلس بمقابله. كان هذا الأخير يكتفي بالنظر إليه من دون أن يحدثه. شعر سائق الشاحنة بالخوف واعتبر للحظات أنه وقع في أسر جماعة تكفيرية. وحاول في هذه الأثناء استعمال هاتفه الخليوي ليرسل رسالة إلكترونية لصديق له. ولكنه ما كاد يهم بذلك، حتى انقض عليه جليسه في المكتب وأخذ منه الهاتف. ودار بينهما سجال، قطعه دخول الرجل الذي كان قاد السائق إلى المكتب، وطلب منه أن يرافقه إلى الأعلى. هناك وجد الكثير من الأشخاص الملتحين وهم يلتفون بكثير من مظاهر الطاعة حول رجل ينادونه بالشيخ. عرف أنه أميرهم. وهنا همس أحد مساعدي الشيخ. بإذنه: «إن هذا الرجل هو السائق الذي أوصل لنا شاحنة اليوم». ظن الشيخ أنه واحد منهم. وقال له كيف الوضع في بيروت وأين تقيم وهل يوجد بالقرب من منزلكم «روافض». أجاب السائق باقتضاب، ثم جاء أحد ليقول إن البضاعة تم إنزالها بالكامل. حينها التفت الشيخ إلى السائق ونقده خمسمئة دولار وباركه وقال له جزاك الله خيراً، وإذا أردت البقاء على الغداء فأنت بين إخوتك المجاهدين. لكن السائق تذرع بأن لديه شحنة إغاثات ثانية، وقبل مغادرته طلب من الشيخ أن يعيد له هاتفه. وهنا صاح الأخير أن يحضروا إليه الشخص الذي سلب السائق الهاتف وقام بتأنيبه. وغادر السائق نحو الشاحنة وكاد ينطلق بها لولا أن شخصاً اعترضه وقال له: «الشيخ يسألك أين الوصل»؟ أجابه السائق: «أعطيته للجيش عند الحاجز». علق: «كيف فعلت ذلك والوصل مخصص لنا»، ثم أمر السائق بالبقاء مكانه لغاية عودته. وما أن ابتعد الرجل حتى داس السائق على مداس البنزين ومضى إلى خارج البلدة بسرعة.
لفتت هذه الحادثة نظر الجهات الأمنية المعنية، فعادت إلى الوصل الذي سلمه السائق للجيش. خلال النظرة الأولى المتفحصة للوصل بدا أنه عبارة عن ورقة واحدة كتب عليها اسم الجهة المرسلة وعدد الصناديق ونوع الإغاثة وإلى أية جهة مرسلة. ولكن بعد تدقيق النظر بالورقة – الوصل، تبين أنها عبارة عن ورقتين لصقتا ببعض بشكل لا يمكن أحداً تصور أنهما ورقتان. وحينما تم نزع الورقة الأولى عن الثانية، اتضح أن هناك أرقاماً كتبت بين ثنايا الورقتين ورد فيها ما يلي: ص أي صندوق 57 مثلاً وص 99، الخ…
ماذا تعني هذه الرموز؟
ببساطة تقوم هيئات قطرية بوضع صناديق فيها أموال للمسلحين بين مجموع الصناديق المعبئة بالمواد الغذائية والمشحونة للنازحين، ويتم تحديد صناديق المال من خلال كتابة أرقامها في شكل سري بين طيتي الورقتين الملصقتين جيداً بحيث تبدوان أنهما ورقة واحدة. وهذه الورقة المزدوجة يقوم ناقل صناديق الإغاثة القطرية بإبرازها على الحواجز العسكرية اللبنانية بوصفها وصل تسلم وتسليم بين الجهة المانحة للنازحين والجهة الممنوحة، بينما في باطن الأمر فان المقصود إيصاله ليست صناديق الإغاثة للنازحين بل الأموال للخلايا النائمة المتغلغلة بينهم.