جورج جرداق يعود خالداً إلى مرجعيون
جورج كعدي
هذا مبدع أصيل، من آخر حبّات العنقود، يفقده الشعر والأدب والفكر والبحث والدراسة والهجاء الساخر والنقد الصائب العميق ومعياره الإبداع الحق والأصالة. ابن «مرج عيون» الهارب فتى من مدرسته بحثاً عن عين ماء من عيون السهل الشرقيّ، وعن خلوة مع الذات تحت ظلال شجرة ليحفظ قصائد المتنبّي ويفقه اللغة العربية في «مجمع البحرين» للشيخ ناصيف اليازجي، فتشكو المدرسة فراره الدائم ويحاول ذووه إنزال العقاب به، لكن شقيقه الأحبّ إليه فؤاد كان يدافع عنه معلّلاً: «ما يفعله جورج يفيده أكثر من المدرسة» ويشجّعه فيهديه «نهج البلاغة» للإمام عليّ بن أبي طالب قائلاً له: «اقرأه واحفظه». ويفتن جورج الفتيّ بالإمام ويخصّه في سنيّ النضج والعطاء بستة مؤلفات تضيء على نهجه وخصاله الإنسانية العظيمة. كان جورج جرداق، إلى الشعر والأدب والفكر واللغة، صديقاً لأكبر الموسيقيين والمطربين، من محمد عبد الوهاب إلى أم كلثوم فالأخوين رحباني، وخلّدت كوكب الشرق قصيدته «هذه ليلتي» بصوتها الجبّار الاستثنائي. وكان كاتب مقالة فنية نقدية من الطراز الرفيع، مع نبرة هجاء حادة ميّزت قلمه اللاذع والقاسي على الفن الهابط وله في شأنه صولات وجولات. وكان حضوره لامعاً في الصحافة المكتوبة وفي الإذاعة، معشوقاً من قرائه والمستمعين إليه بصوته، مقدّراً من العامة والخاصة، وتلك ميزة إضافية من مزاياه، إنزاله الثقافة والإبداع من أبراج النخبة إلى الجمهور الرحب. علامة مضيئة أيضاً في شخصية الغائب الكبير، أنه لطالما نبذ الطائفية، هو المتحدّر من أسرة غسّانية قحطانيّة والمتولّه بالإمام علي وبالحسين الذي علّم الناس في تعبير جرداق أن يكونوا أحراراً.