العلاقات التركية – «الإسرائيلية»
حميدي العبدالله
شهدت العلاقات الأميركية- «الإسرائيلية» أكثر من مرة أزمات تشبه الأزمة الحالية التي تعصف بالعلاقة بين أوباما وحكومة نتنياهو. والأزمات لم تكن وقفاً على الحزب الديمقراطي الذي ينتمي إليه الرئيس باراك أوباما، بل يمكن القول إنّ الحزب الديمقراطي كان ولا يزال يشكل معقلاً لجماعة النفوذ اليهودية الموالية للكيان الصهيوني. وإذا كان الحزب الجمهوري يلتقي مع حكومة العدو «الإسرائيلي» في سياسة الفتوحات العسكرية والسيطرة على المنطقة، وتتقاطع المواقف بين الطرفين حول هذه المسائل، إلا أنّ ذلك لم يحل أيضاً دون نشوب خلافات بين حكومات العدو وبين إدارات جمهورية، وبينها إدارة الرئيس جورج بوش الأب في مطلع عقد التسعينات المنصرم، ووصل الخلاف إلى حدّ تجميد الدعم الأميركي للقروض التي تحصل عليها حكومة العدو من البنوك الأميركية.
لكن يبدو أنّ الأزمة الجديدة بين واشنطن وتل أبيب هذه المرة تختلف عن الأزمات السابقة لأنها تأتي في سياق سياسي يختلف جذرياً عن الأوضاع التي نشبت فيها خلافات سابقة. فالكيان الصهيوني اليوم غير ما كان عليه في الفترات السابقة، أيّ أنّ حدود قدرته في مواجهة قوى المقاومة بعد أربعة حروب خاضها على جبهات لبنان وقطاع غزة أظهرت أنّ قوة الاحتلال لم تعد القوة التي لا تقهر، وبالتالي الرهان على كسب الحرب ضدّ المقاومة هو رهان لا يستند على أساس، وبالتالي فإنّ هذا الواقع يضع الكيان الصهيوني وحكومات العدو أمام خيار من اثنين لا ثالث لهما، إما تسهيل التوصل إلى تسويات تؤمّن الحدّ الأدنى من المطالب الفلسطينية، وإما مواجهة حروب سوف تكبّدها خسائر كبيرة، ولم يعد الكيان الصهيوني قادراً على ردع المقاومة ومنعها من شنّ مثل هذه الحروب في ضوء ما جرى على جبهة غزة في أعوام 2008 و2012 و2014، وفي ضوء حرب تموز عام 2006 على جبهة لبنان.
الولايات المتحدة باتت على دراية كاملة بحدود قدرة الكيان الصهيوني، وبالتالي تبذل كلّ جهد مستطاع لتمرير تسوية تعزز وتكرّس هذا الكيان على حساب حقوق الفلسطينيين، ولكن حكومة العدو لا تزال ترفض تقديم أيّ ثمن لإنجاز مثل هذه التسوية، وهنا يكمن جذر الخلاف بين حكومة العدو وإدارة أوباما، وهو خلاف يصعب إيجاد حلّ له في وقت قريب.
كما أنّ قوة الولايات المتحدة في المنطقة لم تعد هي القوة التي كانت في العقود السابقة بعد فشل حروب الولايات المتحدة في العراق وأفغانستان وبعد اقتراب احتمال التوصل إلى تسوية لملف إيران النووي، وهذا يعني أنّ الولايات المتحدة لم تعد في وضع يؤهّلها لخوض المزيد من الحروب خدمة لمصلحة الكيان الصهيوني، على غرار الحرب التي شنّتها ضدّ العراق في عام 2003، ورفضها الانزلاق إلى حرب جديدة مباشرة ضدّ سورية في خريف عام 2013، وهذا يشكل جذراً آخر من جذور الخلاف الأميركي والصهيوني، وهو الآخر خلاف من الصعب إيجاد حل له، على الأقلّ في ظلّ الاصطفافات الحزبية الحالية في الكيان الصهيوني.
هكذا يبدو واضحاً أنّ أساس الخلاف الجديد بين إدارة أوباما وحكومة نتنياهو يميّزه عن الخلافات السابقة، ويحمل من الديمومة ما يجعله أكثر من خلاف موقت وعابر يشبه الخلافات السابقة.