جمعة: لا إصابات بين أبناء الجالية اللبنانية في غرب أفريقيا وهناك تضامن وطني لافت معهم ونأمل بأن تنجح الجهود للتغلب على هذا المرض
إنعام خرّوبي
همّ جديد يُضاف إلى هموم اللبنانيين ومعاناتهم في بلاد الاغتراب، لا سيما دول أفريقيا، فبعد أن عانى هؤلاء ما عانوه من الصراعات التي كانت تجري في تلك الدول، ظهر شبح «إيبولا» ليطاردهم، ذلك المرض المخيف الذي لم يتمّ التوصل حتى الآن إلى إيجاد علاج أو لقاح مضادّ له، وهو يؤدّي في أغلب الحالات إلى موت الشخص المصاب.
استطاع بعض العائلات اللبنانية العودة إلى لبنان هرباً من الوباء، لكن بعضهم الآخر لم يستطع العودة لأنه مرتبط بأعماله ومصالحه هناك، في وقت اتخذت وزارة الصحة احتياطات وإجراءات للوقاية من هذا المرض بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية والقطاعات المعنية.
بدءاً من المطار الذي تمّ تجهيزه بكاميرات مراقبة لرصد حالات ارتفاع الحرارة ومتابعتها في قسم الحجر الصحي، وصولاً إلى إنشاء وحدات صحية خاصة في المستشفيات متخصّصة لاستقبال هذا المرض وعلاجه في حال تمّ اكتشاف إصابة به، خصوصاً بين اللبنانيين العائدين من دول غرب أفريقيا، علماً أنه حتى الآن لم تسجل أي إصابة بهذا المرض في لبنان ولا بين أفراد الجالية اللبنانية في أفريقيا.
وتقوم المديرية العامة للمغتربين في وزارة الخارجية من ناحيتها، من خلال اللجنة المنبثقة عن لقاء الجاليات، بالتواصل مع أبناء الجالية في غرب أفريقيا عبر السفارات أو في شكل مباشر أو عبر الجامعة اللبنانية الثقافية في العالم، لتوجيههم لأخذ الحيطة والحذر ولإيصال المساعدات إلى تلك الدول التي تفتقر إلى الإمكانات لمواجهة هذا النوع من المرض.
لمعرفة المزيد عن سبل مواجهة هذا المرض، والاطلاع على دور المديرية العامة للمغتربين في هذا المجال، كان لـ«البناء» لقاء مع المدير لعام للمغتربين هيثم جمعة، الذي وصف مرض «إيبولا» بأنه «مخيف جداً بخاصة أنه لم يتمّ التوصل حتى الآن إلى علاج جدّي له». وقال: «إنّ أول ظهور له كان على نهر إيبولا في الكونغو، ولا يزال المرض من حيث وجوده وانتشاره حتى الآن مخيفاً على رغم كلّ العمليات التي تتصدّى له على الصعيد العالمي أو على صعيد الدول التي ينتشر فيها، وهي غينيا وسيراليون وليبيريا، لكن، في المقابل نستطيع القول إنّ الوضع ما زال تحت السيطرة».
أما عن وضع الجالية اللبنانية في تلك الدول في ظلّ الإجرءات التي تتخذها الحكومة، فلفت جمعة إلى «أنّ الجالية اللبنانية في أفريقيا كبيرة وفاعلة»، مشيراً إلى «أنّ الإجراءات التي اتخذتها الحكومة كانت هادئة وبعيدة من الضجيج لأنّ أيّ ضجيج يحصل يمكن أن يزعج الدول التي ينتشر فيها المرض والتي ستعتبر أننا نسيء إليها من خلال تلك الإجراءات».
ونفى جمعة وجود أي إصابات في دول أفريقية أخرى، موضحاً «أن هناك دولاً أفريقية أخرى أعلن عن ظهور حالات إصابة فيها، لكنّ منظمة الصحة العالمية أكدت خلو تلك الدول من مرض إيبولا». وأضاف: «هناك جهد دولي كبير للتغلب على هذا المرض وإيجاد لقاحات له، ومن خلال متابعتنا للموضوع، يبدو أنّ الأمور واعدة ونأمل من الآن حتى نهاية هذا العام بأن يتمّ إيجاد علاج لهذا المرض سواء من ناحية تشخيصه أو إيجاد لقاحات ضدّه، وأعتقد بأنّ الجهد الدولي سيؤدّي إلى نتيجة وسيمنع اجتياح «إيبولا» بقية دول أفريقيا وغيرها من الدول، خصوصاً أن لم تعد هناك إمكانية لإغلاق الحدود، ولا نستطيع أن نظلم أياً من الشعوب أو الدول لمجرّد وجود إصابات لديها بهذا الفيروس».
وعلى الصعيد اللبناني والإجراءات التي اتخذت خصوصاً أنّ لبنان شهد حركة عودة كثيفة للمغتربين اللبنانيين فور الإعلان عن ظهور «إيبولا»، قال جمعة: «لقد صُودف اكتشاف المرض مع بداية الصيف، أي في الفترة التي يأتي فيها اللبنانيون لتمضية العطلة الصيفية، وبسبب الخوف من المرض عمدت المدارس في الدول الأفريقية التي ذكرناها إلى تأجيل الموسم الدراسي، لكنّ بعض اللبنانيين اضطروا إلى العودة لمتابعة أعمالهم، على رغم الأخطار، كما أنّ أغلبهم لم يغادر أفريقيا أصلاً، لكنّ في شكل عام انحفض عدد أفراد الجالية إلى الثلث، حيث أنّ معظم اللبنانيين أرسلوا عائلاتهم إلى لبنان».
متابعة دائمة وتواصل مستمرّ
ورداً على سؤال حول دور المديرية العامة للمغتربين في مساعدة أبناء الجالية، لحمايتهم والتنسيق معهم في انتقالهم من لبنان وإليه، وفي متابعة شؤون بعض العائلات التي استقرّت في شكل موقت في لبنان، أجاب جمعة: «نحن نتابع أوضاع الجالية وعلى تواصل دائم معها، إما عبر السفارات وإما في شكل مباشر من أجل أخذ الحيطة والحذر، ولهذه الغاية تمّ تشكيل لجنة متابعة رسمية واغترابية للقيام بمتابعة تجهيز المساعدات الطبية اللازمة عبر الهيئة العليا للإغاثة ووزارة الصحة، ورؤساء الجاليات من البلاد المعنية، إضافةً إلى المجلس القاري الأفريقي والجامعة اللبنانية الثقافية، كما أنّ هناك تنسيقاً مع وزير المال علي حسن خليل والأمور تسير بالطريقة اللازمة، وقد تقرّر إرسال مساعدات إلى الدول التي ينتشر فيها المرض ضمن الإمكانات المتاحة لدينا بمساعدة بعض أبناء الجالية وهي مبادرة جيدة وسيكون لها تأثير لدى شعوب الدول الأفريقية المضيفة للبنانيين، وسنؤمّن أدوية وأمصالاً بناءً لطلب منظمة الصحة العالمية، لأنّ تلك الدول الأفريقية غير مجهّزة أو مؤهّلة لمواجهة هذا المرض أو غيره من الأمراض الخطرة ولديها وضع مأسوي.
أما في الشقّ المتعلق بالعائلات الموجودة في لبنان، وهناك بينها نسبة كبيرة من ذوي الإمكانات المحدودة، فإننا نحاول مساعدتها على تأمين متطلباتها، لا سيما على صعيد تأمين دخول أبنائها إلى المدارس اللبنانية الرسمية والخاصة، وقد جرى التنسيق في هذا المجال مع وزارة التربية والتعليم العالي، كما ناشدت اللجنة القطاع التربوي الخاص تسهيل أمور تسجيل الطلاب القادمين من دول غرب أفريقيا والنظر في تخفيف الأقساط المدرسية».
وأشار جمعة إلى «أنّ هناك تعاوناً وتنسيقاً وشعوراً وطنياً عاماً متضامناً مع اللبنانيين الموجودين في تلك الدول لمواجهة هذه الأزمة الحساسة والصعبة التي تواجهها البلدان التي تحتضن لبنانيين يساهمون في معيشة عائلاتهم في لبنان، فهناك نسبة كبيرة من اللبنانيين يعيشون على تحويلات المغتربين ومساعداتهم، هذا إضافةً إلى الدور الكبير الذي يلعبه المغتربون في الاقتصاد اللبناني، خصوصاً أنّ الجاليات اللبنانية تتمتع بطاقات كبيرة، لذلك فإنّ أي أزمة تواجهها تلك الدول، تنعكس سلباً على اللبنانيين».
وزارة الصحة تلتزم بالمعايير الدولية
وإذ أعرب عن ارتياحه لعدم وجود أي إصابة بـ»إيبولا» في لبنان أو في صفوف الجالية في غرب أفريقيا، توجه المدير العام للمغتربين بالشكر إلى وزارة الصحة اللبنانية التي اتخذت إجراءات وقائية «بمعايير دولية» كما وصفها، «بدءاً من وصول المسافرين إلى مطار بيروت الدولي، حيث تمّ إعداد مدرج خاص للطائرات التي تحمل مسافرين من الدول الأفريقية الثلاث، كما تمّ تجهيز ممرّ خاص بهم، وفي المطار يخضعون لفحوصات طبية، خصوصاً الأشخاص الذين تظهر عليهم عوارض شبيهة بعوارض المرض، وتستمرّ المراقبة الطبية حتى بعد أن يغادروا المطار إلى منازلهم لمدة عشرين يوماً حتى يمكن التأكد من أنهم ليسوا مصابين بالمرض.
وعلى صعيد المستشفيات فقد اتخذت وزارة الصحة جملة من الإجراءات، وطلب وزير الصحة العامة وائل أبو فاعور من كل المستشفيات في لبنان تجهيز وحدة خاصة بمرضى «إيبولا» تكون مؤلفة من غرفتين أساسيتين، واحدة للعزل مجهّزة لاستيعاب مريضين، وغرفة مرفقة مخصصة لوضع كلّ معدات الوقاية والمعدات الطبية المطلوبة وألبسة الحماية».
وتطرّق جمعة أيضاً إلى المساعدات الدولية للدول الأفريقية التي ينتشر فيها مرض «إيبولا»، لافتاً إلى «أنّ الولايات المتحدة الأميركية أرسلت طاقماً طبياً كبيراً إلى ليبيريا، وكذلك فرنسا نزلت في غينيا بطواقم طبية كبيرة، وأنشأت مختبرات في سيراليون، كما أنّ هناك مساعدات دولية تقدم للصين وغيرها من أجل مواجهة هذا المرض، وأعتقد أنّ هذا الجهد سيستمرّ وسيثمر في التصدّي لـ«إيبولا»، لأنّ الأمر لا يتعلق بالشق الإنساني فقط بل والاقتصادي، فالقارة الأفريقية تكاد تكون قبلة كلّ الدول وتتجه نحوها أنظار كلّ القوى العالمية لأنها خزان المواد الأولية والبترول والمعادن الثمينة والألماس، ولا تزال هناك مناطق في أفريقيا في طور النمو وتحتاج إلى تنمية وإلى استثمار، علماً أنّ الشعوب الأفريقية تتطوّر في شكل كبير لجهة التعليم، فهناك أكبر نسبة تعليم في أفريقيا، وهي تشهد تقدّماً في قطاع الاتصالات، فالقارة واعدة، لذلك فمن غير المعقول إهمال هذا المرض في قارة مهمة فيها استثمارات عالمية بمليارات الدولارات من شركات أميركية وأوروبية وصينية وروسية. وأريد أن أذكر هنا بأنّ الاستثمارات اللبنانية في أفريقيا تصل إلى المليارات وتعادل إمكانات دول كبرى.