لبنان خارج الخطر الإسرائيلي؟
روزانا رمّال
عندما يهدّد الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله «إسرائيل» بالصواريخ التي باتت بحوزة المقاومة ويقول لقادة «إسرائيل» إنّ متابعتهم لما يسعى حزب الله لامتلاكه من السلاح باتت بلا جدوى، لأن الأمر قد تمّ وانتهى، قد يعتبر بعض اللبنانيين أنّ الأمر حرب نفسية من دون إخفاء قلقهم من أن يشكّل الكلام استفزازاً لـ «إسرائيل» يجلب على لبنان واللبنانيين الأذى، فيما لا يتورّع بعض آخر من اللبنانيين من تنظيم حملات على كلام السيد نصرالله بوصفه توريطاً للبنان في مخاطر لا يستطيع تحمل نتائجها.
الواضح أن هذا الأمر تكرّر بعد حملة رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو على حزب الله من الأمم المتحدة وعرضه صوراً قال إنها تعود لمواقع قام حزب الله بتخزين الصواريخ فيها، وبدلاً من أن يحظى ما قام به وزير الخارجية جبران باسيل من حملة تكذيب مضادة لأقوال نتنياهو طالته شظايا الحملات التي تستهدف نصرالله عادة بوصف حملته المضادة بالاستعراض الذي يجلب المزيد من المخاطر.
يبقى الأهم هو كيف يفكر الإسرائيليون ويقيّمون الوضع الذي يواجهونه مع المقاومة، بعيداً عن الحرب الإعلامية التي يخوضها الناطق بلسان جيشهم أفيخاي أدرعي وعن الحرب النفسية التي يقودها رئيس أركانهم غادي أيزنكوت والتهديدات المتواصلة لكل من رئيس حكومتهم نتنياهو ووزير حربه أفيغدور ليبرمان. وهو ما تقوله تقارير مراكز البحوث والدراسات المتخصصة وما ينقل عبر القنوات الفضائية من حوارات يشارك فيها الاستراتيجيون، وهي ندوات يتمّ تنظيمها بخلفية استخبارية لمخاطبة الجبهة الداخلية وصناع القرار في كيفية فهم التحديات وإمكانيات التعامل معها.
قبل يومين كان أحد أهم الشخصيات التي يعتبرها الرأي العام الإسرائيلي مصدر ثقة وحيادية، وينظر إليها صنّاع القرار برجاحة العقل وحسن التقدير، وهو المؤرخ العسكري والاستراتيجي والأستاذ الجامعي أوري بار يوسف، ضيفاً على القناة العاشرة وتحدّث عن التوازنات التي تحكم علاقة «إسرائيل» بحزب الله، فوصفها بالحرب البادرة التي تكاد تشبه مراحل الردع النووي المتبادل بين الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفياتي في سبعينيات القرن الماضي.
يورد بار يوسف جملة من الأسباب التي تدعوه لمطالبة المسؤولين الإسرائيليين بالكفّ عن إطلاق التهديدات، والتي تجعله مؤمناً بمعادلة قوامها «إذا كانت «إسرائيل» تهدّد بإعادة لبنان إلى العصر الحجري فإن حزب الله قادر على إعادة «إسرائيل» إلى القرون الوسطى، والعوامل التي يوردها بار يوسف لتعزيز استنتاجاته تتوزّع على ثلاثة:
أولاً: إن ما يسمّى بعقيدة الضاحية التي لا يزال يهدّد بها رئيس الأركان غادي إيزنكوت تقوم على قيام «إسرائيل» وفقاً لما تم في حرب تموز 2006 بتدمير المنطقة المركزية في حياة البيئة الحاضنة للمقاومة التي تمثلها الضاحية الجنوبية، وهذه العقيدة برأيه باتت شيئاً من الماضي. فالقدرات التدميرية الإسرائيلية تحتاج لبلوغ هذا الهدف إلى وقت وحرية حركة لسلاح الجو في الإقلاع من القواعد والمطارات الحربية، لن يتوفرا له هذه المرة. فسيكون العمق الإسرائيلي في وقت أقل مدمّراً بما يكفي لتبلور وضع مأساوي في الجبهة الداخلية يضغط لوقف الحرب، وستكون عملية العودة للطائرات إلى المطارات والعودة مجدداً للإغارة على أهدافها أمر تحيطه أسئلة كبرى مع تعرّض المطارات لصواريخ حزب الله.
ثانياً: إن الرهان على تدمير الجزء الرئيسي من القدرة الصاروخية لحزب الله خلال الأيام الأولى للحرب هو مغامرة غير محسوبة، فنوعية الصواريخ التي يمتلكها حزب الله وفقاً لبار يوسف والكمية الهائلة التي بحوزته من هذه الصواريخ، تفرضان عليه في ضوء تجارب المواجهة بينه وبين «إسرائيل» أن يكون قد قام بتخزينها بطريقة تتيح تجاوز مخاطر إصابتها بالغارات الإسرائيلية سواء بصعوبة التعرّف على أماكنها أو بصعوبة اختراق هذه الأماكن التي يتوقع أن تكون أشبه بالملاجئ النووية في الحرب البادرة بين الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفياتي، وأن الحزب كما أظهرت حرب تموز 2006 كان قد بدأ، بمنظومة إطلاق صواريخ من أنفاق وملاجئ عميقة، وهو بالتأكيد مع الصواريخ الثقيلة الجديدة التي يملكها يدرك أن هذا النوع من الإعداد أكثر من ضروري مثله مثل الحاجة لتوزيع منصات إطلاق الصواريخ ومخازنها على نقاط عديدة تتيح له حرية الحركة والتحكُّم بالإطلاق وإصابة الأهداف.
ثالثاً: أن توقع القدرة على التعامل مع الصواريخ الثقيلة الشديدة الدقة التي باتت بحوزة حزب الله، كما يقول بار يوسف، وهي دقيقة إلى مدى عشرة أمتار من الهدف التي تصوّب نحوه وفقاً لمعلوماته، هو توقع منافٍ للواقع والعلم العسكري، فلن يكون بمستطاع أحد الرهان على فعالية القبة الحديدة في الصد إلا لجزء يسير من هذه الصواريخ، عدا عن مخاطر تعرض منصات هذه القبة نفسها للاستهداف، والرهان على فعالية التشويش في تشتيت هذه الصواريخ عن أهدافها غير منطقي في ظل ما تعرفه الاستخبارات الإسرائيلية عن مهارات حزب الله في الحرب الإلكترونية، وصعوبة نجاح مهمة التشويش والتشتيت، داعياً إلى التشخيص الصحيح للتحدّي الذي ينتظر «إسرائيل» وعدم قبول مواجهته بالتمنيات، والتحدّي برأيه هو أن الوضع الراهن غير مناسب للتفكير بخوض حرب وهذه حقيقة يجب التسليم بها ليتسنى للمحللين والمعنيين التفكير بكيفية تجاوزها إذا كان ذلك ممكناً ورسم خطط تحقيقه، وإذا لم يكن ممكناً كما هو الآن الذهاب لرسم خطط التأقلم والتعايش مع هذا الواقع.
الخلاصة السوداوية التي يرسمها بار يوسف حول فرص حرب إسرائيلية على لبنان ليست حرباً نفسية يشنها حزب الله ولا تهديداً يطلقه السيد نصرالله، بل قراءة يقدّمها أحد كبار العقول الإسرائيلية تصل حد القول إن لبنان بات خارج دائرة خطر الحرب بفضل قوة حزب الله.